الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

المشكلات العالمية تتحدى الاحتياط الفدرالي الأميركي

المشكلات العالمية تتحدى الاحتياط الفدرالي الأميركي
24 يونيو 2019 01:57

من الناحية العملية البحتة، يعمل الاحتياط الفدرالي الأميركي بوصفه البنك المركزي للعالم بأسره، وربما يكره بعضنا هذه الحقيقة، وقد يرتاح لها آخرون، ولكنها واقع لا يمكن الفكاك منه على أي الأحوال. فهل بوسعه أن يستمر في إدارة شؤون الاقتصاد العالمي كالمعتاد؟ أم أن التحديات القائمة والمتوقعة باتت أكبر بكثير من قدرته؟
ويطرح هذا السؤال نفسه بقوة منذ أن ألمح البنك يوم الأربعاء الماضي إلى احتمال خفض أسعار الفائدة الرئيسية مستقبلا، بعد أن قرر تثبيت أسعار الفائدة السارية بالفعل. ولا يرجع مثل هذا القرار المتوقع إلى قرب دخول الاقتصاد الأميركي إلى مرحلة الركود بعد إتمامه عقداً من النمو المبهر، بل إلى رصد بوادر أزمات ستواجه الاقتصاد العالمي عما قريب. فقبل 7 أسابيع تقريباً، أعلن البنك أنه ليس ثمة ما يستدعي تعديل أسعار الفائدة، فما الذي حدث حتى يصدر البنك هذا التلميح؟
وأرجع جيروم باول رئيس مجلس إدارة بنك الاحتياط الفدرالي الأمر إلى تطورين اثنين على وجه الخصوص، توافر مؤشرات على اتجاه نزولي للاقتصاد العالمي ككل، وتفاقم حدة الخلافات التجارية، ما يحد مستويات الثقة في أنحاء العالم، وليس في الولايات المتحدة فحسب.
حدود المسؤولية وآثارها
ولكن مسئوليات الاحتياط الفدرالي تغطي الولايات المتحدة بمفردها ولا تنسحب على العالم بأسره، أليس كذلك؟ لا، فالأمر ليس بهذه البساطة، إذ يتعين على الولايات المتحدة أن تدمج التطورات الاقتصادية العالمية في قرارات السياسة النقدية التي تتخذها. فضعف النمو في الخارج سيؤثر في نهاية المطاف على الاقتصاد الأميركي من خلال العلاقات التجارية، أو ما يمكن وصفه بعدوى الأزمات المالية.
وفي عام 2015 على سبيل المثال، أدى انهيار في أسعار النفط الخام، وخفض الصين قيمة عملتها أمام العملات الرئيسة في العالم إلى آثار سلبية حادة على منتجي البترول ومصنعيه في الولايات المتحدة، ناهيك عن أثر هذين التطورين عالميا. وما زاد الأمر سوءًا، تصويت البريطانيين لخروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي عام 2016.
ودفعت هذه العوامل مجتمعة جانيت يلين رئيس الاحتياط الفدرالي آنذاك إلى تجميد أسعار الفائدة الرئيسية طيلة عام كامل. ويبدو أننا بصدد أوضاع مماثلة في الوقت الحالي.
فقد انخفضت وتيرة الأنشطة الصناعية بصورة حادة في أوروبا والصين، بل وتقلصت في بعض الحالات، كما تتراجع سرعة النشاط الصناعي في الولايات المتحدة حاليا بدرجة لافتة للنظر.
ويرجع بعض المحللين هذه الأوضاع إلى الرسوم الجمركية الأميركية الإضافية على الواردات الصينية، بل والتهديد بفرض مزيد من الرسوم ليس على السلع الصينية فحسب بل على صادرات شركاء تجاريين آخرين ومنهم المكسيك، واليابان، والاتحاد الأوروبي.
ويتعذر تحديد أثر المخاوف التجارية على تباطؤ النشاط الصناعي بصورة حاسمة، إلا أنه عامل يجب وضعه بعين الاعتبار. ويتضح هذا من انخفاض أسعار أسهم الشركات الأميركية الأكثر تعاملا مع الصين مقارنة بالشركات الأخرى. وتظهر إحصاءات شركة «جولدمان ساكس» هذا التفاوت في الأداء بوضوح. وفضلا عن هذا كله، يرجح دخول الاقتصاد المكسيكي مرحلة ركود بالفعل، الأمر الذي يترجم إلى تقلص في حجم الطلب على الصادرات الأميركية.
الدولار وأسعار الفائدة
من جهة أخرى، تؤثر الأوضاع العالمية على سياسات الاحتياط الفدرالي بسبب محورية الدور الذي يلعبه الدولار الأميركي كأداة تمويل عالمية. ويعني هذا أن أي تغيير يطرأ على أسعار الفائدة الأميركية سيكون له صداه في دول العالم الأخرى.
ولإيضاح الصورة، لننظر إلى الحقائق التالية، رفع الاحتياط الفدرالي الأميركي نطاق أسعار الفائدة قصيرة الأجل المستهدف من 0.25% إلى 0.5% أواخر عام 2016. وفي ديسمبر الماضي ارتفع نطاق هذه الأسعار ليصبح من 2.25% إلى 2.5% بعد تحسن معدل نمو الاقتصاد الأميركي، واستقرار معدل التضخم، وانخفاض معدلات البطالة إلى مستويات دأبت على رفع التضخم في الماضي.
واضطرت الأسواق الناشئة إلى رفع أسعار الفائدة نظرا لاحتياجها إلى التمويل بالدولار الأميركي، ما تسبب في تعثر كثير من هذه الأسواق. ولعل هذا ما يفسر بدء التراجع في أسعار السلع العام الماضي، لأن هذه السلع حساسة بطبيعتها للنمو العالمي وتعكس أداءه.
وتتراوح أسعار الفائدة المعلنة من الاحتياط الفدرالي حالياً بين 2.25% و2.5% وهي الأعلى من نوعها بين الاقتصادات الكبرى الرئيسية في العالم. وكانت أستراليا قد خفضت أسعار الفائدة إلى 1.25% من 1.5% في وقت سابق من الشهر الجاري. أما سعر الفائدة الرئيسي المعلن في كندا فهو 1.75% وبريطانيا 0.75% واليابان - 0.1%. وأعلن البنك المركزي الأوروبي أن سعر الفائدة المستهدف هو - 0.4%. وأعلن ماريو دراجي رئيس مجلس إدارة البنك الأسبوع الماضي أن هذا السعر قد يزيد بالسلب عن هذا الحد.
ويمكن القول إن هذا التفاوت في أسعار الفائدة بين الولايات المتحدة والدول الكبرى الأخرى يصب في مصلحة الدولار، ويكبح جماح النمو الاقتصادي الأميركي، ومن ثم التضخم، وهو أقل حاليا من السقف الذي حدده الاحتياط الفدرالي بالفعل وقدره 2%. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد حذر من احتمالات خفض أسعار الفائدة الأوروبية مجددا وهو ما يعني خفض قيمة اليورو مقابل الدولار وبالتالي تضخم قيمة العجز التجاري للولايات المتحدة مع شركائها وهو هاجس ترامب الأكبر بلا شك.
وإذا ما عاد الاقتصاد الأميركي لمستويات من الأداء تماثل الدول الكبرى الأخرى في العالم ولا تمتاز عنها كثيرا خلال الأشهر القليلة المقبلة، فمن المنطقي أن تضاهي سياسة الولايات المتحدة النقدية أقرانها. وساعتها، سيفضل بنك الاحتياط الفدرالي خفض أسعار الفائدة آخذا في الاعتبار مجمل التطورات العالمية، وهو ما يتمناه الرئيس الأميركي بالضبط برغم إصراره على ضرورة منح الأولوية المطلقة لكل ما هو أميركي. وهنا تكمن المفارقة.

بقلم: جريج إيب

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©