القاهرة ـ حلمي النمنم:
رغم مرور قرابة ثلث قرن على حرب أكتوبر ،1973 مازال الكثير من جوانبها غامضا، ومازالت التساؤلات وعلامات الاستفهام الكبرى قائمة وبتنا ننتظر ما يقوله الآخرون عنا وما تكشفه وثائقهم حولنا·· لأننا لا نذيع وثائقنا أبدا، حتى لو مر عليها نصف قرن وليس ثلث القرن·· والدراسة الأميركية التي صدرت مؤخرا مترجمة إلى العربية، تضيء بعض الجوانب، وتتناول 'التفاوض على الأزمة بين القوتين الأعظم -أكتوبر '73 وهي عبارة عن فصل مطول ضمن دراسة كبرى اعدها عدد من الخبراء الأميركيين عن 'الشرق الأوسط والولايات المتحدة·· اعادة تقييم تاريخي وسياسي' وصدرت الدراسة في نيويورك عام ،2003 بعد 11 سبتمبر، وظهرت الترجمة العربية مؤخرا·
ويمكن للدراسة ان تضيء بعض جوانب تفكير الرئيس المصري الراحل أنور السادات حين خرج على الرأي العام المصري والعربي قائلا ان أكثر من 90 في المئة من أوراق اللعبة بيد الولايات المتحدة، ففي أثناء الحرب اثبتت أميركا وتحديدا نيكسون وكيسنجر ان الأمر كذلك، ودخلا تحديا مع الاتحاد السوفيتي وقائده بريجنيف حول هذه الجزئية وكسبا التحدي والرهان وسلم السوفيت بتلك النتيجة أثناء الحرب·
تلكؤ السوفيت وقت الأزمة·· دفع مصر للتعامل مع أميركا التي رعت المفاوضات مع إسرائيل
وحين نشبت الحرب وتقدم الجيش المصري في سيناء وحقق الجيش السوري نجاحا باتجاه الجولان، قرر الرئيس الأميركي نيكسون ووزير خارجيته كيسنجر اقامة جسر جوي ضخم لوقف تقدم الجيش المصري ومنعه بأي وسيلة من تحقيق نصر نهائي، ووجد كيسنجر في الحرب فرصة كبيرة لتدمير التحالف السوفيتي المصري ووضع الولايات المتحدة في المركز الرئيسي في المفاوضات بين مصر وإسرائيل وحين تأكدت إسرائيل من الحصول على الامدادات الأميركية، شنت هجوما مضادا على المصريين في غرب القناة وازاء الخطر الذي تعرضت له مصر، دعا بريجنيف كيسنجر لزيارة موسكو للتفاوض على قرار وقف اطلاق النار يوم 23 أكتوبر بين الطرفين يقدم إلى مجلس الأمن، وحين بدأ العمل بوقف اطلاق النار لم يكن هناك مراقبون تابعون للأمم المتحدة في الميدان لتحديد موقع القوات المتحاربة، وبعد بضع ساعات من قبول مصر وإسرائيل لوقف القتال تجددت الحرب ثانية يوم 23 أكتوبر وأعلنت كل منهما ان الأخرى هي التي خرقت قرار وقف النار، لكن إسرائيل استغلت الظرف واكملت حصارها للجيش الثالث الميداني المصري واستمر القتال طوال يوم 24 أكتوبر، ووجد بريجنيف ان وقوع هزيمة لمصر سوف يمثل ضربة قاصمة للاتحاد السوفيتي باعتباره حليفا للعالم الثالث وموردا للسلاح إلى دوله، وفي يوم 24 أكتوبر، شعر السوفيت بأنه لم يعد امامهم سوى ساعات للتدخل ومنع الهزيمة، وفي أميركا كان نيكسون وكيسنجر يعلمان ان تدمير الجيش الثالث وهزيمة مصر نهائيا أمر غير مقبول من موسكو، كما انه ضد خطتهما لاحلال السلام بين الطرفين، مصر وإسرائيل، ويدمر هدفهما باحتكار أميركا سياسيا للمنطقة في فترة ما بعد الحرب، واعتبر كيسنجر وقف الهجوم الإسرائيلي أمرا ملحا لانه يشكل خطورة حقيقية على المصالح الأميركية، وبدأ كيسنجر يضغط على إسرائيل لمنع تدمير الجيش الثالث ومنع تجاوز حصار السويس، لكنه لم يكن ضد حصار الجيش الثالث· وكان يريد وقف القتال، وهدد جولدا مائير بانه سوف يتخلى عن إسرائيل لأن مواصلة القتال سوف تدمر مصالح أميركا بالمنطقة كلها، ومع ذلك حدثت الأزمة بين واشنطن وموسكو وكان قرار وقف إطلاق النار يلزم الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة في المادة الثالثة منه بإجراء مفاوضات بين اطراف القتال 'تحت الرعاية المناسبة' من أميركا والسوفيت، وفهم السادات انهما يضمنان معا وقف إطلاق النار ولذا وافق على القرار، ولكن كانت هناك وثيقة سرية اعدها جروميكو وكيسنجر جاء فيها ان عملية التفاوض كلها سوف تكون بمشاركة فعالة لكل منهما وانهما سيكونان على أوثق اتصال ببعضهما وبأطراف التفاوض·
الخطة المشتركة
ولكن في المكتب السياسي للحزب الشيوعي في موسكو فهمت المسألة على انه سوف يتم ارسال فريق سوفيتي أميركي مشترك يضم مسؤولين عسكريين لمراقبة وقف اطلاق النار، وكان صاحب هذا التفسير هو بريجنيف نفسه وكوسيجين رئيس الوزراء السوفيتي، والذي حدث أنه في اجتماع للمكتب السياسي يوم 23 أكتوبر خصص لمناقشة كيفية التصرف تجاه خرق إسرائيل لقرار وقف اطلاق النار، ورأى جروميكو ضرورة ارسال القوات تحت مظلة الأمم المتحدة وكان الاعتراض أن الصين سوف ترفض هذه الخطة وتنقض القرار، لكن بريجنيف رأى هذا الاعتراض شكليا والمهم لديه ان يتعاون هو وأميركا وأعدت رسالة كي يبعثوا بها إلى اميركا على عجل، تعرض العمل سويا وارسال قوات من البلدين تشمل حوالي 200 إلى 250 مراقبا من كل بلد لمتابعة وقف اطلاق النار وكانت الرسالة تطلب التعاون، وحين عرضت على بريجنيف أضاف اليها بخط يده هذه العبارة 'إذا وجدتم انه من المستحيل العمل بصورة مشتركة في هذا الأمر فسوف تواجهنا ضرورة ملحة كي نفكر في مسألة اتخاذ الخطوات المناسبة منفردين' وكانت هذه العبارة تمثل تحذيرا لأميركا وهو ما اعتبره نيكسون تهديدا صريحا يجب رفضه والرد عليه مباشرة· ولم يكن الأمر مجرد رسالة فقط، فقد ترافق مع هذا تحرك كبير تقوم به قوات المظلات والقوات البحرية السوفيتية وفي يوم 23 أكتوبر أمرت موسكو اثنين من قواربها البرمائية، كانا يرسوان على سواحل سوريا بالتوجه إلى مصر، وفي اليوم التالي تحركت حاملة طائرات هليكوبتر ومدمرتان سوفيتيتان من مواقعهما قبالة ساحل كريت لمساعدة المجموعة السوفيتية المضادة لحاملات الطائرات التي تغطي السفينة الأميركية 'اندبندنس' وكانت هناك أربع فرق سوفيتية في وضع الاستعداد للتحرك، واقيم أيضا موقع قيادة من الجو في جنوب الاتحاد السوفيتي وأجريت الاستعدادات لمغادرة الوحدات المحمولة جوا، وحاملات طائرات النقل وجرى تغيير خطط طيران اليوم التالي ونشطت الاتصالات وأوقف الجسر الجوي إلى مصر لتوفير أكبر عدد من طائرات النقل·
وكان بريجنيف غاضبا بشدة واعتقد ان كيسنجر خدعه وخانه، فقد اتفق معهم على وقف اطلاق النار ثم شجع إسرائيل على انتهاك القرار، وكان كوسيجين غاضبا لنفس السبب أيضا، ففي اجتماع المكتب السياسي يوم 25 أكتوبر قال ان 'كيسنجر زار موسكو وكذب علينا، وذهب إلى تل أبيب وتودد إلى الشعب الإسرائيلي'· وتصور القادة السوفيت ان كيسنجر انتهك قواعد اللعبة التي اتفقوا عليها وهي وقف القتال والتفاوض بين الأطراف المتحاربة·
وقد دارت تساؤلات وتفسيرات عديدة في موسكو وواشنطن فيما بعد حول مغزى التهديد الذي اطلقه بريجنيف وهل كان جادا فيه أم انه مجرد خداع؟ بمعنى هل كان على استعداد للعمل منفردا والتدخل العسكري فعليا ضد إسرائيل وقد تضاربت الآراء والتقديرات، ولكن معظمها يقود إلى انه كان يلقي بالعبارة تحت ضغط الغضب من كيسنجر والاحساس بالخديعة، وكانت هناك قوات سوفيتية من المظلات تحديدا يمكن تحريكها إلى مصر خلال 24 ساعة، ورصدت المخابرات الأميركية 8 طائرات نقل سوفيتية من طراز 'انتينوف' تقرر ان تقلع من بودابست إلى مصر خلال ساعات يوم 25 أكتوبر وان عناصر من القوات السوفيتية في ألمانيا الشرقية وضعت في حالة استنفار مما يعني لديهم أن الأمر لم يكن مجرد 'تهويش' لكن في المقابل هناك داخل القيادة السوفيتية الأمر كان مجرد انذار فقط، لان بريجنيف كان حريصا على عدم التصعيد العسكري في المنطقة، وانه أبلغ السادات عبر فينوجرادوف السفير السوفيتي بالقاهرة انهم لن يتورطوا عسكريا في القتال، لكن في النهاية كان الوضع خطيرا بعد ان حاصر الإسرائيليون مدينة السويس، وصار طريقهم إلى القاهرة مفتوحا، خاصة ان الدفاعات عن القاهرة كانت مستنفرة في ميدان القتال·
على حافة المواجهة
وفي واشنطن تقرر التعامل مع الأمر بجدية كاملة، رغم اختلاف التفسيرات في البيت الأبيض بين من يرى ان بريجنيف جاد في تحذيره والدليل هو القوات التي بدأ تحريكها وبين من يرى انه مخادع، فان قرار الرد لم يكن عليه خلاف، وكان رأي كيسنجر ووزير الدفاع الاميركي ان الاتحاد السوفيتي ليس جادا في تحذيره ولكن لابد للولايات المتحدة ان تثبت له قدرتها على التصرف بحزم وبسرعة، ومن رأى ان السوفيت يمكن ان يرسلوا قوات محددة إلى مصر وجدوا انه لابد من حرمان موسكو النهائي من أي فرصة سياسية أو عسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وهكذا ردت الولايات المتحدة باستنفار قواتها في جميع انحاء العالم وأصدر الاميرال توماس مورو رئيس هيئة الأركان الاميركية المشتركة أوامره إلى القيادات العسكرية مجتمعة برفع درجة الاستعداد إلى حالة الدفاع 'ج' وصدرت الأوامر إلى حاملة الطائرات 'روزفلت' بالتوجه إلى شرق البحر المتوسط وأُمرت الحاملة 'جون كيندي' بكل ما عليها ان تنتقل من المحيط الاطلنطي إلى البحر المتوسط وصدرت الأوامر إلى الفرقة 82 المحمولة جوا بالاستعداد للانتشار خلال بضع ساعات وكان الهدف في البيت الأبيض توجيه رسالة واضحة إلى الاتحاد السوفيتي تحرجه إذا لم يكن جادا في التحذير واذا كان جادا فليعلم ان الرد سيكون عنيفا، والهدف هو بناء سمعة أميركية في المنطقة تفيد في التفاوض القادم، وإذا كان بريجنيف صاغ رسالته في لحظة غضب، فان الرد الأميركي لم يكن مدروسا وفيما بعد قدم 'وليام كوانت' الذي كان ضمن العاملين بمجلس الأمن القومي الاميركي وصفا تفصيليا وناقدا للقرار الأميركي، لقد صدرت الأوامر اليه بوضع خطة لارسال القوات الأميركية إلى الشرق الأوسط على الفور، ولكن ليس إلى إسرائيل، ولم يكن واضحا ولا محددا الى أين ستتجه هذه القوات وكيف ستتمركز وما هي خطة الطواريء لديها·· وحين سأل كوانت كيسنجر حول هذه الأمور كان رده بانه لا يعرف ولكن قال ان القوات لن تذهب إلى إسرائيل ولذا كانت تلبية الطلب صعبة، وفي نفس الوقت كان هناك تخوف آخر فمنطقة الشرق الأوسط لا تحتمل استنفارا نوويا ولا يمكن استعمال هذا السلاح بها، ذلك أن طرفي الصراع متداخلان، وبدلا من ان يبحث الأميركيون نتائج عملية الردع والبدائل في احتمال فشلها، كان أملهم ان ينجح الردع فقط·· لكن كان هناك احتمال ان يتسع الصراع بين القوتين وبدلا من وقف القتال في المنطقة تصبح بؤرة صراع عالمية·
فضيحة ووترجيت
وكان تفسير جروميكو وزير الخارجية السوفيتية ان عبارة بريجنيف هي السبب في رسالته إلى نيكسون· وتساءل بريجنيف: 'هل يمكن ان يكون هذا هو السبب؟ هل يمكن ان يختار نيكسون استنفارا يقوم على هذه الجملة؟ ولكن هذا الرجل نيكسون يعرف انني أوقفت الجسر الجوي لبيان استعدادي للتعاون' ووجد أعضاء المكتب السياسي السوفيتي انه لا مبرر لهذا الاستنفار سوى ان نيكسون يتعرض لضغوط محلية بسبب فضيحة 'ووترجيت' وانه يريد ان يظهر للشعب الأميركي، كما قال بريجنيف، أنه الرجل القوي مثل كثيرين وانه قادر على ان يكون الرجل القوي عند وقوع أي أزمة· وكان المسؤولون السوفيت يرون ان هذا الاستنفار يتناقض تماما مع المفاوضات الجارية والاتصالات المتكررة بين العاصمتين، وخلص المكتب السياسي إلى ان المقصود بهذا الاستنفار هو الاستهلاك المحلي! ولكن كان هناك اخرون في القيادة السوفيتية فهموا الأمر على انه تخويف مقصود للقيادة السوفيتية بهدف منعها من التقدم في الشرق الأوسط لذا رأى هؤلاء ان يتم التعامل بجدية مع ذلك الاستنفار· وكان الشعور في المكتب السياسي قائما على الغضب والاحباط من موقف الولايات المتحدة، وكان هناك تخوف من ان بريجنيف عادة يكون انفعاليا في ردوده وقد يتخذ موقفا صعبا، لكن كان لابد من مراعاة هيبة الاتحاد السوفيتي، وكان رأي اندربوف الذي كان رئيسا للمخابرات 'كي·جي·بي' وسوف يحكم الاتحاد السوفيتي فيما بعد انه يجب الرد على التعبئة بالتعبئة، وكان هناك رأي بضرورة التعبئة دون الاعلان عن ذلك، لكن الماريشال جريتشكو أعلن ان التعبئة الشاملة تكون باهظة التكاليف لكن تعبئة ما بين 50 إلى 75 ألف جندي في أوكرانيا وشمال القوقاز أفضل· وطلب من المكتب السياسي اصدار الأوامر إلى 1500 جندي سوفيتي في سوريا باحتلال مرتفعات الجولان· وقال مندهشا: 'في الماضي لم نكن نسأل أحدا ان كان يمكننا ارسال قواتنا أم لا، ويمكننا ان نفعل ذلك الآن··' كان الأمر قد تجاوز قضية الجيش الثالث المصري وبدا متعلقا بكرامة القيادة السوفيتية، لكن جروميكو وكوسيجين رفضا تماما هذا الاقتراح فسوف يرسلون فرقة وسيرد الأميركان وهكذا' وقال كوسجين: 'اليوم لا أحد يخيف أحد! لن تبدأ الولايات المتحدة الحرب، وليس لدينا أي سبب كي نبدأها نحن··' وكان المعنى انهم لن يخافوا من التهديد الأميركي ولن يردوا عليه، وبعد فترة تساءل بريجنيف: 'أيها الرفاق·· إذا لم يصدر عنا أي رد فعل بالمرة، وإذا لم نرد على التعبئة الأميركية، ما الذي سيحدث؟' وكانت الاجابة بان مصالحهم في العالم لن تهتز ولن يحدث لها أي ضرر، وهكذا تقرر تجاهل الاستنفار الأميركي تماما، واقترح كوسيجين وجروميكو ان يتوجه الاخير إلى واشنطون ليقابل نيكسون لطمأنته وابداء الاندهاش من الاستنفار غير المبرر من الجانب الأميركي، لكن بريجنيف رفض هذا الاقتراح، ورأى ان طمأنة نيكسون سوف تحمل معنى الضعف، ورفض أيضا اتخاذ أي اجراء عسكري فالتعبئة السوفيتية لن تحقق شيئا·
والثابت الآن انه طوال الأزمة فان كيسنجر شجع إسرائيل على التصعيد العسكري ضد الجيش المصري وطلب منهم وضع خطة لتدمير الجيش الثالث نهائيا، وحين سُئل بعد ذلك في هذا الأمر لم ينفه، بل قال انه يرفض ان يكره على شييء، وقال أيضا: 'لقد أحدث التهديد السوفيتي اثرا عكسيا، وبعد ان استسلم الروس انقلبت على الاسرائيليين، ذلك انني طلبت من الإسرائيليين بعد التهديد السوفيتي ان يوجدوا خيارا لهزيمة الجيش الثالث، ولكن بعد ان علمت باستسلا مهم ضغطت على الإسرائيليين بشدة يوم الجمعة 25 أكتوبر'· وفي داخل الجبهة فان الانذار السوفيتي أعاق الجهود لتوصيل الامدادات الغذائية إلى الجيش الثالث، وأوقف كيسنجر ضغوطه على إسرائيل للسماح بدخول عربات الغذاء، وازداد حرج الوضع في مساء 24 أكتوبر، وبدأت الأزمة طريق الحل، حين سحب الرئيس السادات في الثامنة من صباح اليوم التالي 25 أكتوبر طلبه بتدخل القوات السوفيتية والأميركية لمراقبة وقف اطلاق النار، وكان تفسير هذه الخطوة لدى كيسنجر ان السوفيت لم يعد لهم حق التدخل ولن يدخلوا المنطقة بدون موافقة السادات· وقد ساعد نيكسون على حفظ ماء الوجه للقيادة السوفيتية بان بعث برسالة إلى المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي جاء فيها تأكيد ضرورة العمل معا وليس هذا وقت العمل منفردين، وكان ذلك حلا سياسيا· وبعد انتهاء الأزمة تناقش اعضاء المكتب السياسي فيما لو لم تحل الأزمة سياسيا ما الذي يمكن ان يقوموا به؟ وكان رأيهم انه لم يكن لديهم جميعا استعداد لدخول حرب واسعة المدى ومواجهة الولايات المتحدة، وكان رأي كبار القادة السوفيت 'ليس من المنطق أن نتورط في حرب مع الولايات المتحدة بسبب مصر أو سوريا' وقال احدهم حرفيا: 'لم يكن هناك من يشارك العرب اهدافهم من الحرب· فالسادات ليس كاسترو وعلاقتنا به ليست من نفس النوع' كان السوفيت غاضبين من السادات الذي لا يستمع إلى نصائحهم ولانه طرد الخبراء السوفيت في عام ،1972 وكانوا غاضبين من القادة العرب ومواقفهم الايديولوجية منهم، وبعد ان استمع بريجنيف أيام الأزمة العسكرية إلى تقييم متشائم لوضع مصر العسكري قال لرفاقه في المكتب السياسي: 'لابد ان نقول للسادات: كنا على حق· اننا نتعاطف معك ولكن لا يمكن اصلاح نتائج عملياتك العسكرية' ومن جهة اخرى كان بريجنيف يفخر بسياسة الوفاق التي بدأها مع الولايات المتحدة ولم يكن مستعدا لهدمها، ولكن بعد الحرب فان انصار سياسة الوفاق في الدولتين ضعف موقفهم، ورأى الأميركان في اذعان السوفيت للتهديد فرصة لفض الوفاق وعودة الحرب الباردة التي انتهت بسقوط الاتحاد السوفيتي·
وداخل المنطقة فان السادات قرأ تفاصيل ما جرى بطريقته ووجد تلكؤ السوفيت في مساندته وقت الأزمة وعجزهم عن اتخاذ موقف إلى جواره دليل ضعف عام لديهم وعداء له وهكذا قرر استبعادهم نهائيا وتعامل مع أميركا التي رعت المفاوضات مع إسرائيل، حتى زار إسرائيل في 1977 ووقع اتفاقية كامب ديفيد في العام التالي ثم معاهدة السلام في ،1979 كل هذا والسوفيت مستبعدون تماما، وكان هناك في موسكو من يعض انامل الندم ويشعر ان موقفهم أثناء أزمة وقف اطلاق النار يومي 23 و24 أكتوبر هو السبب ولعل السادات كان ينتقم من السوفيت حين راح يلح في خطابه السياسي والاعلامي على ان أوراق اللعبة في يد الولايات المتحدة·