حميد قاسم:
اهتم عامة الناس، مثلما اهتم السلاطين، والحكام، والأغنياء، والنسوة بالطبع، بالأحجار الكريمة منذ أزمان غابرة موغلة في القدم، تشير اليها اللقى والمأثورات في مقابر السومريين والفراعنة والفينيقيين والبابليين وسواهم من صناع الحضارات القديمة، وتباينت أسباب ومبررات هذا الاهتمام، فهي ابتدأت من الأسباب الدينية العقائدية المستمدة من القوى الاسطورية وصولاً إلى الغايات الجمالية المرتبطة بالزينة، ويستوي في هذا الشأن الرجال والنساء معاً، مع غلبة واضحة للنساء في مجال الزينة والتباهي بالقلائد والمجوهرات والحلي المرصعة بالأحجار الكريمة النفيسة···
معجزات الحجر
على مر التاريخ، كان ثمة من يشير إلى احجار طبيعية تتجلى فيها معجزات ربانية، تتمثل في وجود لفظ الجلالة، أو صورة الكعبة، أو اسم الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) فضلاً عن مناظر طيور أو حيوانات أو بشر، وبالطبع فإن كانت الطبيعة تتدخل احياناً وتقدم بعبثها رسوماتٍ واشكالاً مثيرة، فإن المعجزة الربانية في وجود اسم الله أو الكعبة من أهون المعجزات على مبدع الكون والمعجزات وخالق كل ما في هذا الكون المعجز الذي لا تحده حدود، الله سبحانه وتعالى·
وسوى هذا وذاك، كان ايضاً، ثمة من يشير إلى احجار تحفظ الناس بما تمتلك من قوى خفية، واخرى تمنحهم السعادة، وسواها تمنحهم نعمة ان يحظوا بالمحبة والقبول، وايضاً·· ثمة من يشير إلى احجار فيها الشفاء واجتياز المحن والعقبات·
عقيق المهندس
المهندس الإلكتروني محمد مطر، جاءنا من الشارقة، باحجار من عقيق صنّفها في خواتم، وأبهر أعيننا بها، وبخطوطها، والوانها واشراقاتها، والمثير الأهم: بما شكلت تراكيبها الداخلية من رسوم وخطوط مذهلة·
فهذا حجر عليه رأس صقر، وما ان تقلبه حتى يلوح لك لفظ الجلالة (الله) وهو اعظم اسماء الخالق عز وجل، بيناً جلياً··· واذا يتصل رأس الصقر بالكلمة تغدو العبارة (هو الله)·! وهنا ثمة شبه التمسه محمد مطر بفرح غامر بين شعار تلفزيون ابوظبي الذي يتخذ الصقر العربي شعاراً، وهذا الصقر الشامخ في تلك القطعة من الحجر···!
وهذا حجر، عليه رسم الكعبة، بستارها وسقفها، والآيات البينات التي توشحها بالاصفر، وترتسم على كسوتها الشريفة التي كانت تجلب من مصر، وفجأة يدهشنا محمد مطر بحجر آخر، شفاف حد الرهافة والألق، فيه (الكعبة) تقوم على مرتفع من الارض تحيط به الامواج من كل جانب ومكان··· ويأتيك الحديث الشريف مصداقاً (كانت الكعبة خشعة على الماء ثم دحيت)··· وتتوالى الصور، والرسوم، ودلائل الاعجاز··· ويحدثنا محمد مطر عن أحجاره كيف انفق سنوات طويلة في جمعها وتصنيفها وعرضها على المختصين وتوثيقها، فبعضها يتراوح عمره بين 25 إلى 30 مليون عام، وهو موثق بشهادات علمية من مختبرات متخصصة، فضلا عن شهادات علماء موثوقين مثل البروفيسور زغلول النجار، وسواه من العلماء·
خشية وحلم
محمد مطر، مهندس الإلكترونيات، الذي مازال مندهشا بمفردات أحجاره التي انفق اجمل سنوات عمره في جمعها وتصنيفها وتوثيقها، يخاف على احجاره ان تظل طي الكتمان والنسيان، لذا فهو يريد ان يعرضها على الناس، بعد ان تجمعت لديه مجموعة نادرة منها، في معرض إسلامي عن حالات الاعجاز الرباني، ليطلع عليها المسلمون وسواهم في مشارق الارض ومغاربها، باحثاً عن جهة تتبنى المشروع، وما ينتظر ان يقدمه خدمة للإسلام والمسلمين، ويتهدج صوته : 'لو وجدت جهة ما، تكفيني مؤونة هذا المشروع الكبير لارتحت ونمت ليلي مطمئناً، فبعد ان كلفتني هذه الاحجار مبالغ طائلة، وجدت اني لا استطيع الاستمرار في هذا المشروع لوحدي'·
يلملم محمد مطر أحجاره البراقة، ويمضي، غير أننا نتطلع في أعين بعضنا البعض، مدركين أن تلك الأحجار قد خطفت أبصارنا، مثلما اختطفت أرواحنا ومضت·