بنتُ الشَفَة

نسمع هذه العبارة أو نقرأها: 'بنت الشفة' ولم يدر في أذهاننا عن أصلها ومعناها، فمن هي بنت الشفة؟
بنت الشفة إما أن تملكك وإما أن تملكها، هي ليست بعقار أو أرض أو أسهم تتملكها، أو حسناء في خدرها تنتظر من يطرق باب دارها ويتقدم إليها ويخطبها ليتزوجها، أو سيارة بسيطة أو فارهة تعكس المستوى الاجتماعي المغلوط لمن يركبها، أو اسم لشركة جديدة ستعلن عن موعد اكتتابها قريباً للمساهمة فيها·· إنها تسبق ذلك كله·
هي سيدة المواقف، والأمر الفاصل في المنازعات، لا يقدرها إلا النبلاء والفضلاء، ومن لم يعرف حقها أهانته، وأرغمت أنفه التراب، ومن عرف قدرها رفعته فكان في منزلة عالية، دارت عليها حروب ومنازعات وأحداث جسام غيرت حياة أناس وحولت مجرى التاريخ·· من هي 'بنت الشفة' هذه؟ ألهذا الحد هي بهذا الوصف·· أظن ذلك بل وأكثر!
ذكر أبو هلال العسكري (ت 359 هـ) 'بنت الشفة' في كتابه جمهرة الأمثال فقال: 'وبنت الشفة: الكلمة، يقال: ما كلمني ببنت شفة' أي ما كلمني بكلمة، وتقول العرب للمرء الذي يكون قليل السؤال للناس: 'فلان خفيف الشفة' وإذا قالوا عنك: 'لك من الناس شفة حسنة' أي أن لك ثناء حسنا وذكرا جميلا بينهم·
وقبل ذلك جاء ذكر بنت الشفة في القرآن الكريم وضرب الله عز وجل بها المثل فقال تعالى: 'ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء (24) تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون (25)' صدق الله العظيم - سورة إبراهيم، وقد لقي رجل أحد العلماء فقال له: 'ما تقول في الكلمة الخبيثة؟' قال: 'ما أعلم لها في الأرض مستقراً، ولا في السماء مصعداً، إلا أن تلزم عنق صاحبها حتى يوافي بها يوم القيامة'·
صارت الكلمة اليوم مهانة عند البعض، يرمي بها ولا يُلقي لها بالا، رخيصة في قدرها، هم المضحي بها أن يُرضي نفسه ويرضي من أرادها لنفسه·· وأي رضا! جعلنا الله وإياكم ممن كان خفيف الشفة وممن له شفة حسنة عند الناس وممن عرف لبنت شفة قدرها فاحترمها ووضع الكلام في مواضعه فأداه كما قال بلسان صدق عند الخلق·
منصور محمد المهيري