الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

درج أسفل "الهرم الزجاجي" يصعد نحو الضوء

درج أسفل "الهرم الزجاجي" يصعد نحو الضوء
14 يونيو 2019 02:11

نوف الموسى (باريس)

أغلب زوار متحف اللوفر في باريس، يُفتنون بـ«الهرم الزجاجي» المذهل، وإطاراته المصممة بمادة الصلب، ربما بسبب «التناقض» الذي أحدثه الترميم مع أجزاء المتحف الأخرى الأصيلة للمبنى التاريخي، إلا أن في مشاهدتي له عبر زيارة ميدانية للمتحف، استوقفني وقتها بشكل مذهل ليس الهرم نفسه فقط، بل الدرج الذي في أسفله، المستخدم للصعود نحو الدور الثاني، والتفاعل المباشر مع الضوء عبر التقرب من مصدر الحياة اليومية في باريس. وتساءلت حول تلك الفضاءات المفتوحة التي اشتغل عليها المعماري الأميركي من أصل صيني آي إم بي (Ieoh Ming Pei)، الذي رحل مؤخراً، تاركاً إرثاً من الحياكة المعمارية المتداخلة مع الفراغات، برجوعه إلى جوهر الأشياء، فمن خلال عمله على الهرم الزجاجي، استند آي إم بي كما نُشر في صحيفة «الغارديان» عند تقديمه الفكرة إلى النقاد الفرنسيين على مهندس المناظر الطبيعية في القرن السابع عشر «أندريه لو نوتر»، لبيان أبعاد طرحه المعماري، بالمقابل فإن أعمال المعماري أندريه لو نوتر مستمرة في إلهام المعماريين من بينها تأملنا لحدائق قصر فرساي، الواقع غرب وسط مدينة باريس، ويعد من بين القصور الملكية الفرنسية البارزة، وتحديداً النوافير الساحرة في عطائها اللحظي للمشهد الجمالي في المكان.
أُراقب حركة الناس حول الدرج السفلي للهرم الزجاجي، عند المدخل المهيب لمتحف اللوفر باريس، يمشي الناس حوله بانسيابية مطلقة، تُوهم المشاهد بأن الدرج يتحرك بشكل يُشبه التشكل الأولي لـ الزوبعة، المرادفة لإعصار صغير، ترسمها ريح خفيفة غير مدمرة، بل تمهد لنشوء حلقة من سلسلتين، على غرار الجزئيات المترابطة في الحمض النووي DNA في جسم الإنسان، وما يعرف بـ اللولب المزدوج، القادم من الشكل الحلزوني، ممثلاً ضلعي «سلم»، وحداته البنائية تسمى النيوكليوتيدات. النظر من أسفل الدرج إلى أعلاه، يهدي الزائر ما يمكن أن نطلق عليه بـ «الفضول»، وهو ما تحدث عنه المهندس المعماري الشهير رينزو بيانو، بقوله إن المبنى الثقافي ينبغي ألا يكون مرعباً، بل يحدث شعوراً من الفضول، فالأخير هو بداية التوجيه الثقافي.
«الدرج» عادةً يهدي الناظر، نحو رمزية الحركة والتغير، وهو ما يعتبره رينزو بيانو مغامرة، بأن تقوم بإحداث التغير البنائي وفق متغيرات المجتمع، فهو شيء أشبه بالمخاطرة، خاصةً أن ما يجعل العمارة مدهشة، ليست لأنها تلبي الاحتياجات، كما يوضح رينزو بيانو، بل لقدرتها على سرد القصص، حتى أكثر الأكواخ بساطة على هذه الأرض. فهو يعتبر الجمال مزيجاً بين ما هو مرئي وغير مرئي، في كافة مناحي البحث والعلم والفن والطبيعة والفضول البشري، وبدوره يعمد الجمال إلى إشعال النور الخاص في أعين الناس. وأن تشيد المباني من أجل ترسيخ هذا الجمال، سيجعل المدن أماكن أفضل للعيش.
دائماً هناك أسئلة في الدور الذي تلعبه المدن، في تشكيل أشخاص جيدين وأسوياء، فعند مراقبة الحركة في خارج المتحف، وبالقرب من الهرم الزجاجي، يمكن إدراك المساحات المتداخلة بين المتحف والشوارع العامة، فكل من يمر بالقرب من الهرم، ليس بالضرورة هو زائر للمتحف، مشكلاً جزءاً حيوياً لمرور الناس بتجاه العمل، أو الطلبة إلى المدارس، وغيرهم، فنحن عبر العمارة نخلق ملتقى للناس، يمزجون فيه تجاربهم، وبحنكة ما يتم صناعة جوهر المدينة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©