دبي ـ محمد المنجي:
أكد سعادة الفريق ضاحي خلفان تميم، قائد عام شرطة دبي، أن السياسة الحكيمة التي اختطتها دولة الإمارات، خاصة السياسة الخارجية التي تتصف بالاعتدال، وعدم التدخل في شؤون الغير والانفتاح على المجتمع الدولي، ساهمت في نجاح الإمارات في استقطاب الاستثمارات الأجنبية، واتخاذ كبرى الشركات العالمية من الدولة مقراً اقليميا لها في المنطقة·
جاء ذلك في المجلس الرمضاني الذي استضافه قائد عام شرطة دبي في مجلس الجميرا، بالتعاون مع صحيفة (الاقتصادية)، لمناقشة المناخ الاستثماري في دول الخليج العربي، وتحديد العناصر الأساسية لجذب الاستثمار والرأسمال الخارجي للمشاريع التنموية في دول المنطقة، والمتطلبات والالتزامات والقوانين والتشريعات الواجب توفيرها من قبل الدول الخليجية·
شارك في الجلسة الدكتور حبيب الملا رئيس سلطة مركز دبي المالي العالمي، وسعيد المنتفق المدير التنفيذي لهيئة دبي للاستثمار والتطوير، ورجل الأعمال السعودي علي الشهري، وعدد من الفعاليات الاقتصادية والأمنية·
استتباب الأمن
وقال الفريق ضاحي إن استتباب الأمن في دول الخليج يرجع للسياسة الحكيمة لدول مجلس التعاون في التعامل مع دول العالم، وعدم وجود خصومات سياسية، والتعايش السلمي بين المواطنين والمقيمين، فمثلاً إمارة دبي يعيش فيها أكثر من 170 جنسية يتعايشون بشكل متجانس، بعكس الأقليات أو الجاليات في الدول الأجنبية التي تفرض عليها قيود، وتمارس بحقها أشكال التمييز المختلفة، مشيراً إلى أن نتائج استطلاع الرأي العام الذي شمل 2252 عينة من المواطنين والمقيمين، اظهر أن مستوى الشعور بالإحساس الأمني في إمارة دبي بلغ 84,4 بالمئة، ومستوى الإحساس بعدم القلق من الجريمة 82,9 بالمئة، ومستوى الثقة بعدالة الشرطة 84,4 بالمئة، ومستوى الأمن خلال فترات زمنية وأمكنة مختلفة 87,5 بالمئة، ومستوى الإحساس بالقلق من الجرائم في دبي 17,1 بالمئة·
وأضاف: دول الخليج هي الأفضل للمستثمر الأجنبي في منطقة الشرق الأوسط، لعدة أسباب منها اعتماد دول الخليج مبدأ الشفافية حيث اظهر تقرير منظمة (الشفافية الدولية) الذي صدر خلال أكتوبر الجاري، أن سلطنة عمان هي الأفضل عربياً في مكافحة الفساد، تلتها الإمارات وقطر والبحرين، إضافة إلى عدم فرض قيود على حركة رؤوس الأموال فمثلاً عندما نشبت حرب الخليج، أراد بعض المستثمرين الأجانب سحب أموالهم خشية من تأثيرات وتداعيات الحرب، وكان قرار القيادات العليا في الدولة، بمنح المستثمرين كامل الحرية في سحب أموالهم، وفي المقابل هناك حالات مماثلة في الشرق الأوسط، اتخذت فيها بعض الدول قيوداً على انتقال الأموال في وقت الأزمات، ومن المميزات أيضا الملكية الكاملة للعقارات والمشاريع، وانخفاض معدلات الجريمة وهذا يعود إلى الصفات التي يتحلى بها المجتمع الخليجي، وسيادة القيم والمبادئ الإسلامية، والتكامل الأمني بين الشرطة والمواطنين والمقيمين، الذي يشكل سياجاً أمنياً قوياً في الحد من نسبة الجريمة، وتحقيق مبدأ الشراكة المجتمعية الأمنية مع الجمهور (الشرطة المجتمعية)·
إلغاء التأشيرات
وطالب الفريق ضاحي بإلغاء تأشيرات الدخول عن كافة أبناء الدول العربية نظراً لتشابه العادات والتقاليد واللغة والدين، وسرعة اندماجهم مع المجتمع المحلي، وقال: الأمن بامكانه أن يسهم في دعم عجلة الاستثمار، وفي المقابل بامكانه أن يكون عقبة في وجه الاستثمارات، وذلك من خلال وضع القيود وتشديد الإجراءات وكثرة الممنوعات بحجة ضبط الأوضاع الأمنية، مشيراً إلى أن الطفرة العمرانية التي تشهدها إمارة دبي، واقامة المدن النموذجية الحديثة، تقطنها شريحة من النخبة الثقافية والمهنية والتجارية، لا تشكل قلقاً أمنياً على الدولة، وتحتاج إلى نوعية مختلفة من رجال الأمن أشبه برجال العلاقات العامة، مؤكداً أن شرطة دبي لديها خطة لإعادة الانتشار الأمني في المدن الجديدة بأسلوب يختلف عن الشرطة التقليدية، وسيتم إخضاع أفراد الشرطة في هذه المدن إلى دورات في العلاقات العامة وفن التعامل مع الجمهور·
وأكد الفريق ضاحي أن السياسة التي ينتهجها الفريق أول سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي وزير الدفاع، في إقامة المشاريع الاقتصادية والاستثمارية المختلفة في الدول العربية، تخفف من احباطاتنا العربية المتكررة على الجانب السياسي، وتؤكد صدق رؤية سموه في ضرورة أن نجعل الاقتصاد في مقدمة العربة وليس في مؤخرتها، وقال نحن بحاجة إلى أسلحة اقتصادية شاملة تعزز من موقعنا بين دول العالم· ودعا دول الخليج إلى أن تتخذ من دبي نقطة انطلاق إلى العالمية حيث يتم إعادة 75 بالمئة من الواردات التي تصل دبي إلى الخارج، نتيجة تطور بنيتها التحتية، ودعا إلى تقارب أكبر بين دول الخليج، وتسهيل الإجراءات·
قوانين الستينيات
من جانبه قال حبيب الملا إن التشريعات في دول الخليج هي في الواقع استنساخ للقوانين التجارية والاستثمارية في الدول العربية، التي وضعت في الستينيات، ولم تعد هذه القوانين التي جاءت نتيجة لظروف معينة، قادرة على مواكبة المتغيرات العالمية، فمثلاً القانون الذي ينص على حصة المستثمر الأجنبي يجب أن لا تتجاوز 49 بالمئة، وضعت لإتاحة الفرصة للمواطنين في إقامة المشاريع لكنه أدى إلى ظهور الكفيل النائم، وافرز العديد من المخالفات حيث أصبحت 70 بالمئة من الرخص التجارية مملوكة بالكامل للأجانب أو بنسبة تزيد عن الحد الذي سمح به القانون، كما توجه المستثمرين إلى المناطق الحرة لإقامة مشاريعهم·
وأضاف: دخلت معظم دول الخليج في منظومة التجارة العالمية، وبدأت بعض الدول في عقد لقاءات مع دول لها سوق ضخم لإبرام اتفاقيات التجارة الحرة، مؤكداً أن ذلك يتطلب تعديل جذري في قوانين دول الخليج مثل الوكالات التجارية، وقوانين الحماية والاحتكار، والملكية الفكرية، مشيراً إلى أن هناك حاجة ماسة إلى حزمة متكاملة من التشريعات تناسب القوانين العالمية·
وأكد الملا أن نتيجة تجربة حماية الصناعة المحلية لأكثر من خمسين سنة، كانت كارثية حيث لم نجد بعد كل هذه السنوات من الحماية وتقديم الدعم، منتجا محليا واحدا قادرا على المنافسة العالمية· وقال: جميع دول الخليج لديها طيران وطني خاص بها، تقدم له كافة أنواع التسهيلات والدعم، والأولوية في شراء التذاكر ومع ذلك تعاني هذه الشركات من مشاكل مالية، وفي المقابل نجد طيران الإمارات التي رفعت عنها الحكومة الدعم والحماية في مصاف شركات الطيران العالمية، وتحقق إنجازات متتالية·
من جانبه قال سعيد المنتفق إن نجاح دبي في جذب الاستثمار يعود إلى البنية التحتية المتكاملة، من موانئ ومطارات وشبكات طرق، إلى جانب الاستقرار الأمني والسياسي والقانوني ووضوح الرؤية في التعامل مع المستثمرين·
وأضاف: تقوم هيئة دبي للاستثمار والتطوير بدراسة الاقتصاد المحلي، للوقوف على القطاعات التي يمكن الاستثمار فيها وتطويرها، وقمنا بدراسة القطاعات السياحية والطبية والصناعية، وبحث فرص الاستثمار فيها، كما قمنا بدراسة فرص الاستثمار في دول الخليج، وتعزيز العلاقات مع 120 شركة للتعاون معها في المشاريع المستقبلية، مشيراً إلى أن طرح بورصة دبي للطاقة بالتعاون مع بورصة (نايمكس) العالمية، والتي ستفتتح في سبتمبر المقبل، تهدف لوضع نوع جديد من الاستثمار في الدولة، لتنويع الاقتصاد·
وأوضح أن أصعب القطاعات التي سعت دبي جذبه للاستثمار في دبي، هو قطاع الإعلام، وقال: نجحنا في جذب 1400 شركة إعلامية في مدينة دبي للإعلام، و1200 شركة في مدينة دبي للانترنت·
وأشار إلى أن سياسة الاكتفاء الذاتي في الدوائر الحكومية المحلية الغرض منه دفع الدوائر إلى البحث عن مجالات لتطوير خدماتها، بما يحقق إيرادات للحكومة· وأوضح أن عدد الحاضنات في مؤسسة محمد بن راشد لدعم مشاريع الشباب، سيرتفع خلال السنتين القادمتين إلى 3500 حاضنة، وسيتم تعزيز المهارات لدى المستثمرين الشباب لإقامة مشاريعهم الخاصة بهم·
2400 مستثمر سعودي
وتحدث رجل الأعمال السعودي علي الشهري عن تجربته في الاستثمار بدبي، التي بدأت قبل 12 سنة· وقال إن دبي هي المكان المثالي للمستثمر الأجنبي لإقامة مشاريعه وأعماله التجارية، نظراً للقيادة الحكيمة التي تتمتع برؤية واضحة، واستتباب الأمن، والوضوح والشفافية، وسهولة الإجراءات، وعدم وجود تميز في التعامل بين المواطنين والمقيمين، مشيراً إلى أن جميع الأنظمة في دول الخليج غير صالحة للاستثمار، باستثناء دبي التي بدأت قبل خمسة أعوام في تعديل أنظمتها جعلت منها جاذبة للاستثمارات الأجنبية·
وأضاف: هناك استثمارات مالية عالمية ضخمة مثل مشاريع الحديد والغاز والمعادن والبتروكيماويات، لا يمكن أن تنتقل إلى دبي لكن هناك استثتمارات واعدة مثل الإعلام والطب والسياحة يمكن استثمارها في الإمارة·
وقال: بدأت استثمارات دبي بمبالغ بسيطة لكنها سرعان ما نمت وتوسعت لتشمل مشاريع صناعية وتجارية وعقارية، ولديّ خطط لاستثمار سبعة مليارات دهم في دبي خلال السنوات المقبلة، مؤكداً انه بعد نجاح تجربته في دبي، قدم إلى الإمارة أكثر من 2400 مستثمر سعودي لإقامة أعمالهم التجارية والصناعية·
وطالب الشهري بعدم تكرار حادثة الاكتتاب في شركة (دانة غاز)، التي تعرض فيها مستثمرون سعوديون إلى الإزعاج والتعامل غير الحضاري في الشوارع والفنادق، كما طالب بتفعيل الاتفاقيات الخليجية، وتبسيط الإجراءات في المنافذ الحدودية·
80 مليون فرصة عمل
من جانبه، قال محمد مؤمنين نائب رئيس مجلس إدارة قناة :خ هناك تنافس من المؤسسات الإعلامية في تغطية الأحداث السياسية والأمنية على حساب قضايا جوهرية اقتصادية تهم الإنسان العربي، مشيراً إلى أن حجم الاستثمارات العربية في الخارج تتجاوز خمسة تريليون دولار، في حين تحتاج دول المنطقة إلى توفير 80 مليون فرصة عمل خلال السنوات العشر المقبلة، وهذا يتطلب إقامة مشاريع اقتصادية عملاقة لاستيعاب هذه الأعداد المتزايدة من الباحثين عن العمل·
وأوضح أن المؤسسات الإعلامية تواجه بعض التحديات لإيصال رسالتها، منها تدني حجم الإنفاق الإعلاني في الوطن العربي، الذي لا يتجاوز حجم ما ينفق على الإعلان في إسرائيل، إلى جانب عدم تفاعل المؤسسات الحكومية والأهلية مع الإعلام، وغياب الشفافية، والإفصاح، والإحصاءات الجديدة، والكوادر المتخصصة·