أكدت وزيرة الخارجية الأمريكية أثناء اللقاء مع فلاديمير بوتين في مقره الريفي بنوفو-أوغاريوفو على ان الولايات المتحدة لا تعتزم إقامة قواعد جديدة لها في آسيا الوسطى ،وابلغ سيرجي لافروف الصحافيين بعد اختتام اللقاء مع الرئيس الروسي ، ان رايس شددت على أن الولايات المتحدة لا تعتزم إقامة أية قواعد باستثناء القاعدة الموجودة في ماناس (قيرغيزيا)'،وأورد لافروف قول رايس :إن 'القاعدة في ماناس ترمي إلى انهاء عملية مكافحة الإرهاب في أفغانستان'·كما أكد الوزير على ( عدم وجود خلافات ) بين روسيا والولايات المتحدة بهذا الشأن ، وقال لافروف : لا توجد أية أهداف أخرى سوى إبعاد خطر الإرهاب وتهريب المخدرات ودعم تطور دول هذه المنطقة وإحلال الحياة الآمنة في أفغانستان ·
جولة آسيوية
وكانت الوزيرة الأمريكية قامت بجولة في وسط آسيا تشمل ثلاث جمهوريات سوفييتية سابقة - قيرغيزيا وكازاخستان وطاجيكستان - وأفغانستان· عشية زيارتها الخاطفة الى موسكو · وقالت كونداليزا رايس عند وصولها إلى بشكيك انه ينبغي على قيرغيزيا ان تحافظ على علاقات حسنة مع جيرانها، ولا داعي للاختيار بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية· وفي الوقت نفسه أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من باريس ان منطقة آسيا
الوسطى لا تشهد أية مواجهة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية· وأكد وزير الخارجية الروسي ان موسكو تقيم للمصالح الغربية في المنطقة اعتبارا وخاصة في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب والحصول على موارد الطاقة· وأضاف ان روسيا تتمنى على زملائها الغربيين ان يحققوا مصالحهم بشكل مكشوف· وأشار وزير الخارجية الروسي الذي سيقوم بزيارة إلى هذه المنطقة في الشهر الجاري إلى أن كونداليزا رايس أخطرته بأنها ستزور المنطقة خلال اتصال هاتفي·
على الرغم من لهجة التصالح التي تسود الخطاب الروسي - الاميركي بشان آسيا الوسطى فان المراقبين لايجزمون بتلاقي مصالح الكرملين والبيت الابيض في المنطقة ، بل على العكس فإن هناك مواجهة متصاعدة بين موسكو وواشنطن كما يشير إلى ذلك البروفيسور سيرغي لوزيانين، أستاذ معهد العلاقات الدولية في موسكو، وحسب الخبير الروسي فان الأمريكيين يشعرون بأنهم يعجزون عن مواكبة روسيا في هذه المنطقة حيث تعتمد روسيا هناك على منظمة شنغهاي للتعاون وأيضا المجموعة الاقتصادية الأوراسية التي تقرر مؤخرا ان يتم تعزيزها ببلدان آسيا الوسطى· ولا يستبعد سيرغي لوزيانين ان تحاول واشنطن إنشاء منظمة تنافس روسيا والصين في اسيا الوسطى ، ولكن واشنطن لم تستكمل دراسة هذا الموضوع بعد ولهذا فإن الولايات المتحدة ستركز على عرض مزيد من الأموال على بلدان المنطقة في المرحلة الراهنة·وقد تصحح واشنطن مسار دمقرطة المنطقة في محاولة لاستعادة النفوذ المفقود· وأوضح سيرغي لوزيانين بقوله ان أمريكا ستحجم عن انتقاد الانتخابات الرئاسية القادمة في كازاخستان في ديسمبر والتي يتوقع ان يفوز الرئيس نور سلطان نزاربايف فيها لأن الأكثر أهمية الآن هو استدراج القيادة الكازاخية التي بدأت تتقرب من روسيا·لقد بحثت كونداليزا رايس أثناء وجودها في المنطقة إيجاد بديل للقاعدة العسكرية التي تستعد الولايات المتحدة الجلاء عنها في اوزبكستان بطلب من طشقند، وبعد ان أجرى رئيس طاجيكستان، رحمنوف، محادثات مع بوتين في سانت بطرسبورغ في الأسبوع الفائت بات من شبه المؤكد ان طاجيكستان لن توافق على استضافة قاعدة للقوات المسلحة الأمريكية·
وبالتالي لم يعد هناك خيار أمام الأمريكيين سوى ان يوسعوا قاعدتهم في قيرغيزيا·ورفضت كونداليزا رايس ان ترد على سؤال عن احتمال توسيع القاعدة الجوية في قيرغيزيا ، أما الرئيس القيرغيزي كورمانبيك باكييف فقد اكد على ان القاعدة العسكرية (الأمريكية) ستظل موجودة في بشكيك إلى ان تستقر الأوضاع في أفغانستان· ووعدت الوزيرةالاميركية التي امضت في جامعة موسكو اواسط السبعينات دورة لتعلم اللغة الروسية ،بانها ستحاور مفاوضيها بالروسية عندما ستقوم بزيارة قادمة إلى المنطقة· ومع ماتحمله هذه المجاملات من دلالة رمزية الا ان الخبراء يعتبرونها دليلا على اعتراف أميركي ضمني بان دول اسيا الوسطى ( السوفييتية سابقا ) تظل جزءا هاما من الحديقة الخلفية لروسيا التي لم تعد ( تخجل ) على حد قول وزير خارجيتها من انها ستلجا الى العتلات الاقتصادية لجر دول المنظومة السوفييتية السابقة الى فلكها مجددا ·
الضغط الاقتصادي
فقد ابلغ لافروف أعضاء مجلس الاتحاد في البرلمان الروسي بان روسيا لم تعد تخجل من التحدث جهارا بان النفط والغاز والكهرباء أهم وسيلة للدبلوماسية الروسية، ولم يسمح للصحفيين والإعلاميين بحضور جلسة مجلس الفيدرالية التي بحث المشاركون فيها هذا الموضوع·
وفهم من تعليقات البرلمانيين الذين استمتعوا إلى وزير الخارجية ان لافروف وعد باللجوء إلى الضغط الاقتصادي على جيران يفتقرون إلى الولاء لروسيا، بكلمة أخرى فإن روسيا مستعدة لاتباع نفس التكتيك الذي طالما اتبعته الولايات المتحدة الأمريكية، في الساحة السوفييتية سابقا،وقال فيكتور اوزيروف، رئيس لجنة الدفاع في مجلس الفيدرالية في هذا الصدد ،إن هناك فكرة خلاصتها ان لا يلحق التعاون الاقتصادي مع بلدان الجوار الضرر بشركات النفط والغاز الوطنية·وأشار فيكتور اوزيروف إلى أن وزارة الخارجية تدرك بدقة المرحلة التي وصلت إليها روسيا على طريق التعاون مع البلدان الأعضاء في رابطة الدول المستقلة، والمسار الذي يجب ان تسير عليه روسيا في المرحلة القادمة·ومن المسائل التي يرى فيكتور اوزيروف ضرورة بحثها كيف يمكن لدول مثل أوكرانيا وجورجيا وأذربيجان ان تقيم علاقات مع المجموعة الأوراطلسية بما يضر بعلاقاتها لتقليدية مع روسيا،ولفت لافروف حسب قول فيكتور اوزيروف إلى استعداد روسيا لاعتماد الأسعار العالمية عند توريد موارد الطاقة للبلدان الأعضاء في رابطة الدول المستقلة·
الواضح ان روسيا تأخذ في الاعتبار عندما تصوغ سياستها تجاه الجمهوريات السوفييتية السابقة ان هذه البلدان تتعرض لضغط متزايد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية·،فقد قطعت الحكومة الأمريكية المساعادات عن اوزبكستان بعد طلب رئيسها اسلام كريموف من واشنطن اغلاق قاعدتها العسكرية في ( خااباد ) التي انفق البنتاجون أكثر من 200 مليون دولار على تحديثها واستخدمتها في الحملة العسكرية ضد افغانستان·
وتملك روسيا ورقة أخرى يمكن ان تلجأ إلى استعمالها للضغط على جيرانها، وذلك بمطالبتهم بدفع ديون تقدر قيمتها الإجمالية بما يقارب خمسة مليارات دولار أمريكي منها 881ر1 مليون دولار ديون أرمينيا و881ر258 مليون دولار ديون بيلوروسيا و045ر158 مليون دولار ديون جورجيا و815ر181 مليون دولار ديون قيرغيزيا و739ر140 مليون دولار ديون مولدافايا و730ر305 مليون دولار ديون طاجيكستان 343ر654 مليون دولار ديون اوزبكستان و355ر1583 مليون دولار ديون أوكرانيا· ويشير المراقبون الى ان موسكو أعرف بأحوال دول الاتحاد السوفييتي السابق من واشنطن التي وان سعت هذه الدول الى التقارب معها ، طمعا في المساعدات ، فانها تضايق النخب الحاكمة في اسيا الوسطى بالحديث عن حقوق الانسان والحريات الديمقراطية ، وهذه ملفات لاتدرجها موسكو في أوليات عملها الدبلوماسي مع عواصم الجوار التي لاتتردد حكوماتها عن قمع المعارضة بالقوة تحت سمع وبصر روسيا ، خاصة وان غالبية دول اسيا الوسطى تواجه معارضات اسلامية ، تعتبرها موسكو خطرا مشتركا يهددها ايضا ·
ونواجه أنظمة الحكم في الجمهوريات السوفييتية السابقة ، مشاكل لاحصر لها تبدأ من تفشي الفاقة والفقر مرورا بالنزاعات العرقية ، الى تصاعد مد الاصولية الاسلامية · فالرئيس الطاجيكي امام علي رحمنوف يسعى الى توطيد حكمه في ظل استقرار هش قائم على وضع قتصادي متدهور ومشاكل مع معارضين اسلاميين ·
وتواجه قيادة الهام علييف في أذربيجان اجواء مشحونة قبيل الانتخابات في نوفمبر ووقوع اكثر من ثلث اراضي اذربيجان تحت الاحتلال الارمني بعد حرب اقليم قره باخ الذي تازعت عليه اذربيجان مطلع التسعينات من القرن الماضي ، وانتهت الحرب بضياع ارض اذربيجانية وبقاء النزاع حاميا تحت الرماد · ولايجد الرئيس الاذري المعروف بميوله الغربية مفرا من التوجه نحو موسكو لايجاد حل لمشكلة قره باخ واستعادة اراضيه المحتلة، اضافة الى وجود زهاء نصف مليون اذربيجاني يعملون ويقيمون في روسيا ويرفدون خزينة بلادهم بالعملة ويخففون من أزمة البطالة · وتفهم القيادة الاوزبيكية انها لن تتمكن من مواجهة المد الاصولي دون الاستعانة بالقوة الروسية العسكرية ، وينطبق الامر على قيرغيزيا وعلى كازاخستان التي تقيم علاقات شراكة قد تصل الى حد اعلان الوحدة مع روسيا وفقا لتوقعات بعض المحللين ،وينسحب ذلك على قيادة ميخائيل ساكاشفيلي في جورجيا التي تتطلع الى موسكو لحل مشكلة اقليم ابخازيا المنفصل من جانب واحد عن جورجيا ، وكذلك اوسيتيا الجنوبية التي تسعى للاتحاد مع اوسيتيا الشمالية في روسيا الاتحادية · ويبقى النفط والغاز والطاقة الكهربائية ، اهم العتلات بيد موسكو لاعادة الجمهوريات السوفييتيات السابقات الى بيت الطاعة وربطها بالفلك الروسي بعد ان حلمت بفك اساره والالتحاق بالمدارالاميركي الواسع ، وتاتي تاكيدات رايس الاخيرة بان واشنطن لاتعتزم منافسة روسيا في اسيا الوسطى وفي الساحة السوفييتية السابقة عموما ، مؤشرا على ان الامبراطورية الاميركية مثقلة بهموم لاتريد ان تضيف لها هموما جديدا ·