الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

التسامح.. تاريخ عريق ومستقبل زاهر

التسامح.. تاريخ عريق ومستقبل زاهر
8 يونيو 2019 00:25

طه حسيب (أبوظبي)

«وحده التسامح قادرٌ على ضمان بقاء المجتمعات المختلطة في كل منطقة من العالم»، مقولة تبنتها اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم) قبل 24 عاماً ضمن احتفالها بعيد تدشينها الخمسين.. آنذاك أقرت التسامح كونه مرادفاً لاحترام وتقدير التنوع الغني في ثقافات هذا العالم وفي أشكال التعبير وأنماط الحياة التي يعتمدها الإنسان. كان ذلك في 16 نوفمبر من عام 1995، وهو العام نفسه الذي خصصته الأمم المتحدة (عاماً للتسامح)، إدراكاً لخطر التعصب وتفشي الحركات التي تستغل الدين في أجندات سياسية، خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وتفككه وبروز النعرات الإثنية. وسعت اليونسكو إلى اتخاذ خطوات عملية لبناء التسامح خاصة في مناطق النزاعات، وضمن هذا الإطار دشنت محطة تليفزيونية متعددة الإثنيات NTV99 في مدينة سراييفو عاصمة البوسنة والهرسك، التي شهدت حرباً أهلية ضروس بعد انهيار الاتحاد اليوغسلافي، وفي العام نفسه، ركّزت اليونسكو على المدارس لنشر التسامح، وأعدت دليلاً تعليمياً بعنوان «التسامح: عتبة السلام على الآلاف».
أسس التسامح أرساها النبي محمد صلى الله عليه وسلم في العام الأول من الهجرة عندما أصدر «وثيقة المدينة» كدستور ناظم للعلاقات بين المسلمين وبقية الطوائف في المدينة المنورة. وفي «العهدة العمرية» بالسنة الخامسة عشرة من الهجرة يتأكد التسامح بعد فتح مدينة القدس، في عهد عمر بن الخطاب، وتأمين مسيحييها على كنائسهم وضمان حريتهم الدينية وممارستهم لطقوسهم.

التسامح فضيلة معنوية تظل صمام أمان ضد التعصب وما قد يؤول إليه من صراعات لا تبقي ولا تذر، فالأديان السماوية والأرضية حضت على التسامح، وكذلك الفلاسفة مثل الفيلسوف الفرنسي «فرنسوا فولتير»، الذي أدرك منذ بدايات القرن الثامن عشر خطورة التعصب الديني على المجتمعات. وفي منطقتنا العربية نماذج لثقافة التسامح نقتبسها من تاريخنا وآثارنا وأيضاً من حاضرنا للتشجيع على هذه الفضيلة السامية، وحتى الأقليات المسلمة في مجتمعاتها شرقاً وغرباً، تلعب دوراً في نشر التسامح عبر انضوائها في مجتمعاتها ونجاحها في تواصلها الإيجابي في أماكن تواجدها من أجل تقديم صورة الإسلام الحقيقية المكتنزة بالتسامح والسلام.. لكن تعزيز التسامح لابد وأن يتجاوز الشعارات والرؤى إلى قوانين ومؤسسات وأنشطة ومبادرات تجعل منه ناظماً لسلوكيات الأفراد، ونهجاً أصيلاً للهيئات التعليمية والإعلامية والثقافية، وهو ما نجحت فيه الإمارات وسبقت به غيرها من الدول.

نموذج الإمارات
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة التي أطلقت على 2019 عام التسامح، تتكثف الجهود وتنمو المبادرات العملية التي تنقل الدعوة إلى التسامح من مرحلة الأقوال إلى ساحة الأفعال، وتترجم الرؤى إلى ممارسات وأطر مؤسسية على أرض الواقع.


الإمارات التي يعيش على أرضها أكثر من 200 جنسية، أطلقت مبادرات في دعم التسامح واضحة للعيان، تتوالى وفق رؤية واضحة وأفق رحب، رؤية لا تقتصر على المجتمع المحلي بل توجه رسالتها للإنسانية جمعاء في كل مكان من أرجاء المعمورة. ففي 19 يوليو 2014 تم تأسيس «مجلس حكماء المسلمين» في أبوظبي، برئاسة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، صاحب أرفع منصب ديني في العالم الإسلامي، والذي يهدف إلى تعزيز قيم الإسلام الإنسانية والتسامح ومكافحة الطائفية والعنف، وتم اعتماده في يوليو 2018 ليصبح هيئة دولية. وفي يوليو 2015، أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، مرسوماً بقانون رقم 2 لسنة 2015 بشأن مكافحة التمييز والكراهية، وهو قانون يهدف إلى إثراء ثقافة التسامح العالمي، ومواجهة مظاهر التمييز والعنصرية، أياً كانت طبيعتها، عرقية، أو دينية، أو ثقافية.
وفي يناير 2016 رعت الإمارات بالشراكة مع المملكة المغربية «إعلان مراكش التاريخي» لحماية حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية، للتأكيد على أن اضطهاد الأقليات الدينية، وكافة أشكال العدوان عليها مخالف للقيم من كل الوجوه، وكفالة حق التدين وضمانة الحريات في إطار من المواطنة الناجزة والتعايش السلمي السعيد بين أبناء الوطن.
ويأتي استحداث منصب وزير دولة للتسامح لأول مرة في دولة الإمارات في فبراير 2016 خطوة عملية قوية لوضع التسامح في إطار مؤسسي، المنصب الجديد أعلنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وذلك ضمن التشكيل الوزاري الثاني عشر والتغييرات الجوهرية في الحكومة الاتحادية، فوجود وزارة للتسامح جعل من دولة الإمارات شريكاً أساسياً في اتفاقيات ومعاهدات دولية عدة ترتبط بنبذ العنف والتطرف والتمييز، وحولتها إلى عاصمة عالمية تلتقي فيها حضارات الشرق والغرب، لتعزيز السلام والتقارب بين الشعوب كافة.
وفي يوليو 2016 أطلق ديوان ولي عهد أبوظبي، وبتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مبادرة تدعم العملية التعليمية بمادة «التربية الأخلاقية» في المناهج والمقررات الدراسية، وتهدف المبادرة إلى ترسيخ الخصائص الأخلاقية والقيم في دولة الإمارات بين طلبة المدارس، وتلك التي تعزز التسامح والاحترام والمشاركة المجتمعية وتنمي روح المبادرة والتفاعل الإيجابي والمسؤولية.
وفي الإطار نفسه، أصدر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء بصفته حاكماً لإمارة دبي القانون رقم 9 لسنة 2017 بإنشاء المعهد الدولي للتسامح. وفي مارس 2017 طرحت الإمارات مبادرة التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع (ألف)، وهي المنظمة الدولية التي تتخذ من جنيف مقراً لها، والتي تقودها دولة الإمارات وفرنسا لمواجهة الدمار الكبير الذي أثّر في العديد من مواقع التراث الثقافي المميّزة في السنوات الأخيرة، والتي يعود معظمها إلى عصور قديمة، خصوصاً على الساحل الأفريقي ومنطقة الشرق الأوسط، وهي آثار تعود لديانات متعددة، ضمن رؤية متسامحة تعلي قيمة التراث الإنساني باعتباره إرثاً مشتركاً للبشرية.
وفي 14 يونيو 2017 وجَّه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بإطلاق اسم مريم أم عيسى عليهما السلام على مسجد الشيخ محمد بن زايد في منطقة المشرف، وذلك ترسيخاً للصلات الإنسانية بين أتباع الديانات والتي حثَّنا عليها ديننا الحنيف وللقواسم المشتركة بين الأديان السماوية.
في 5 فبراير 2018 انطلقت من العاصمة الأميركية «واشنطن»، فعاليات مؤتمر «حلف الفضول من أجل صالح العالم» برئاسة معالي الشيخ عبدالله بن بيه، رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، وبمشاركة عدد كبير من رجال الدين والعلماء والأكاديميين والباحثين وممثلين عن منظمات المجتمع المدني والمهتمين بصناعة ثقافة السلام من مختلف الولايات المتحدة والدول الإسلامية والعالم.
وفي 16 أبريل 2018 انطلق من أبوظبي المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، الذي يهدف إلى تنسيق جهود مؤسسات الأقليات المسلمة، والارتقاء بدورها من خلال تشجيع أفرادها على المساهمة في نهضة دولهم المدنية والاقتصادية، وتصحيح الصورة النمطية عن الإسلام والأقليات المسلمة، وجسر «الهوة الفكرية» والثقافية بين مكونات المجتمع الإنساني.
في 4 فبراير 2019 تم إعلان وثيقة «الأخوة الإنسانية» في العاصمة الإماراتية أبوظبي خلال فعاليات لقاء الأخوة الإنسانية، الذي جمع بابا الكنيسة الكاثوليكية وشيخ الأزهر، في مشهد تاريخي، احتضنه «صرح زايد المؤسس»، والوثيقة اكتنزت بمبادئ للتعايش والقيم الإنسانية المشتركة. وخلال الإعلان عن الوثيقة أمر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بتخصيص مساحة أرض في جزيرة السعديات وتشييد معلم حضاري جديد يُطلق عليه اسم «بيت العائلة الإبراهيمية»، ويرمز المعلم الديني الفريد إلى حالة التعايش السلمي وواقع التآخي الإنساني الذي تعيشه مختلف الأعراق والجنسيات من العقائد والأديان المتعددة في مجتمع دولة الإمارات، كما أنه سيستقي نهجه من الوثيقة التاريخية التي وُقّعت في دولة الإمارات بين الإمام الأكبر وقداسة البابا.
في 17 مايو 2019 أثمرت جهود الإمارات الناجحة في التنسيق مع الجيش الوطني الليبي من أجل الإفراج عن 4 أشخاص 3 منهم يحملون الجنسية الفلبينية، والرابع كوري جنوبي، احتجزوا من قبل جماعات مسلحة العام الماضي أثناء عملهم بصفة مهندسين مدنيين في محطة لتحلية المياه في غرب ليبيا، ما يعكس رسالة التسامح التي تتبناها الإمارات قولاً وفعلاً.

إطلاق اسم مريم أم عيسى عليهما السلام على مسجد الشيخ محمد بن زايد يعزز الصلات الإنسانية بين أتباع الديانات

ترميم كنيسة «أم الأحزان»
نقطة ضوء مصدرها العراق، ففي سبتمبر 2018 انخرط بعض الشباب العراقي المسلم في إعادة ترميم كنيسة «أم الأحزان» الواقعة بمحافظة ميسان جنوب العراق، والتي تعد من أقدم الكنائس العراقية كونها تأسست عام 1843، بعدما استهدفها تنظيم «داعش» الإرهابي، في خطوة اعتبرها كثيرون بادرة من شأنها تشجيع المسيحيين ممن تركوا ديارهم جراء العمليات الإرهابية التي مارسها تنظيم «داعش»، على العودة إلى قراهم وبلداتهم.

العيش المشترك في سوريا
ثمة نقاط مضيئة في التاريخ العربي مفعمة بالتسامح، يمكن الاستنارة بها الآن، وضمن هذا الإطار أكد الدكتور رياض نعسان آغا، وزير الثقافة السوري السابق، أن سوريا كانت قبل الأحداث العاصفة في مارس 2011 تشكل نموذجاً للعيش المشترك بين الأديان والمذاهب والطوائف والإثنيات العديدة، ومع أن الغالبية القصوى من السكان هم من المسلمين السُنة الذين يشكلون 70% من عدد السكان، إلا أن الانتماء العام لهم ولجميع الطوائف كان وطنياً محضاً.
وعلى مدى أربعة عشر قرناً- يقول آغا- لم تظهر أية صدامات بين الأكثرية السُنية وبين طائفة ما، وكان أهل السُنة في سوريا على مدى هذا التاريخ يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن حماية الأقليات، فحين غزا المغول سوريا، وقف الجميع يداً بيد لصد العدوان، وكذلك حين قاوموا الحملات الصليبية وقف المسيحيون السوريون إلى جانب الشعب السوري. وحين وقعت خلافات دموية فيما سمي (الطوشة) عام 1860 بين الموارنة في لبنان من جهة والدروز من جهة أخرى وامتد إلى سوريا، قام رجالات أهل السُنة في دمشق بحل الخلافات على أسس وطنية، آنذاك وكان للأمير عبد القادر الجزائري دور وطني مشرف. وتكرر الأمر وازداد وضوحاً في مرحلة الانتداب الفرنسي على سوريا الذي بدأ عام 1922، فقد سعى أهل السُنة لتأكيد الوحدة الوطنية، وسارعوا إلى تكليف سلطان باشا الأطرش(وهو درزي) لترؤس الثورة السورية، كما قاموا بتكليف (فارس الخوري 20 نوفمبر 1873-2 ديسمبر 1962) هو مسيحي برئاسة الوزراء عام 1944، بل إنهم كلفوه بمنصب وزير الأوقاف الإسلامية، وقد توجه إلى الجامع الأموي وألقى خطاباً وطنياً على منبره. وعندما اعترض البعض خرج من يقول: (إننا نؤّمن فارس الخوري على أوقافنا أكثر مما نؤمن أنفسنا)، وكذلك كان وفد التفاوض مع فرنسا يضم ممثلين لكل الطوائف، بل إنه بعد الاستقلال، قبل أهل السنة بوجود ممثل لليهود في البرلمان، وفي فترات لاحقة قبلوا بوجود ممثل للأرمن في البرلمان.
وحين وقع انقلاب 1963 وتسلم الحكم ضباط ينتمون لأقليات طائفية، لم يعترض أهل السُنة في سوريا على مناصبهم، وإنما كانوا يعترضون على أسلوبهم في الحكم، وعلى أفكارهم المتطرفة يسارياً. وعندما ترأس حافظ الأسد الجمهورية السورية، يقول آغا، رحب به أهل السنة ولم يهتموا لكونه «علوياً»، وهذا ما تكرر حين خلفه ابنه بشار، ولم تكن المعارضة السياسية ضد المذهب وإنما كانت ضد تحول سوريا إلى دولة أمنية.

«ميلاد المسيح» و«الفتاح العليم»
إقرار التنوع الديني يتطلب من حين إلى آخر ما يعززه من ممارسات وما يثبته من أفعال، وفي مصر جاء تدشين كاتدرائية «ميلاد المسيح» بجوار «مسجد الفتاح العليم» بالعاصمة الإدارية الجديدة في 7 يناير الماضي، ليبث رسالة تسامح، ويضيف زخماً لخطوات سابقة تعزز الوحدة الوطنية في أرض الكنانة، مثل تدشين «بيت العائلة المصرية» في 14 أكتوبر 2011 بمبادرة من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إلى الحفاظ على النسيج الوطني للأمة المصرية والتصدي لكل محاولات بث الفرقة بين أبناء الوطن بترسيخ قيم المواطنة والتسامح والتعايش المشترك بين المصريين في الداخل والخارج. وحتى تاريخ مصر مفعم بالتضامن بين المسلمين والأقباط. وليس أدل على ذلك من عناق الهلال مع الصليب في ثورة 1919، ورفض مطران دير سانت كاترين، وهو من طائفة الروم الأرثوذوكس، رفع العلم الإسرائيلي على مبنى الدير قبيل زيارة رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولد مائير إلى الدير، خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، بل ووضع العلم المصري عليه، ما أدى لاعتقاله 3 شهور في إسرائيل إلى أن تم الإفراج عنه بوساطة بريطانية، ومنحه الرئيس المصري الراحل أنور السادات نجمة سيناء تكريماً لدوره الوطني.

مسيحيو الأردن ومسلموها.. حوار فطري
عن التسامح في الأردن يقول الأب الدكتور رفعت بدر مدير «المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن»، أنه في عام 2012، نشر الدكتور محمد عبدالقادر خريسات كتابًا بعنوان «المسيحيون في قضاء السلط، الفحيص وارميمين (1869-1920)»، أوضح فيه أن العلاقات الطيبة بين المسلمين والمسيحيين، تتخطى الحوار بمفهومه الفكري ومجرد الجلوس إلى طاولات، بل هو فطري يعكس طيبة ووطنية الشعب الأردني: في الكتاب يؤكد «خريسات» أن:«أهل السلط عاشوا أخوة متحابين. فأسسوا بذلك بناءً اجتماعياً متيناً جعلهم يتميزون بصدق في القول واحترام للوافد والتسامح فيما بينهم، والوقوف جميعاً ضد ما يهددهم من أخطار... إن ارتقاء المسلمين والمسيحيين مرتبط دوماً كل منهم بالآخر، فالثقافة مشتركة، وإن افترقوا في الدين، فهذا يتوجه إلى المسجد والآخر إلى الكنيسة».

رفعت بدر
ويشير الأب رفعت بدر إلى المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت): وتدعى اليوم بمؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي، المؤسسة الأردنية الوحيدة التي تقوم بعقد سلسلة الحوار مع المسيحيين في العالم مباشرة، ولقد تأسّس هذا المجمع بتوجيه من الملك الحسين بن طلال -رحمه الله- في رسالته المؤرخة في 17 سبتمبر 1980. «. وقد أشاد البابا الراحل يوحنا بولس الثاني به في عمّان. وهو مؤسّسة إسلاميّة حوارية قامت بالحوار مع المؤسسات المسيحية العالمية حيث كان المسيحيون الأردنيون جزءًا منها، كاللجنة المستقلة للعلاقات الإسلامية المسيحية في بريطانيا، والمركز الأرثوذكسي بسويسرا، والمجلس البابوي للحوار بين الأديان في الفاتيكان، الذي يعمل فيه حاليًا المونسنيور خالد عكشة، أردني الجنسية، رئيسًا لمكتب الحوار مع الإسلام، واتحاد الكنائس الإنجيلية في ألمانيا. ويلفت «بدر»
أصدر الأردن وصدّر إلى اليوم مبادرات عديدة لحوار الأديان، وأكثرها شهرة: رسالة عمّان عام 2004، وكلمة سواء عام 2007، وأسبوع الوئام العالمي بين أتباع الأديان عام 2010، وتشترك بدافع واحد، هو السعي إلى تعزيز السلام والوئام، والأخوة والمحبة في العالم.

دير سانت كاترين.. رمز للتسامح
يرى «توني كازامياس»، مستشار مطران دير سانت كاترين في جنوب سيناء، أن الدير أكبر ساحة تكتنز بدلالات على التسامح بين الأديان، حيث يوجد بداخل أسواره كنيسة وهي رمز للمسيحية، وبداخله أيضاً مسجد رمز للإسلام، وبه أيضاً بئر وشجرة للنبي موسى عليه السلام وهما رمز لليهودية.


وداخل دير سانت كاترين توجد غرف لإقامة البدو المسلمين الذين يعملون بالدير بجوار غرف إقامة الرهبان. ويشارك البدو في احتفالات الدير، وحتى اللغة اليونانية يتحدثونها بطلاقة، ومفتاح الدير الرئيسي يوجد مع الشيخ البدوي المسؤول عن أمن وحراسة الدير.

مسلمـو البرازيـل.. مسيرة ضد التعصب
أكد الصادق العثماني مدير الشؤون الإسلامية باتحاد المؤسسات الإسلامية في البرازيل أن التعصب الديني هو مصطلح لوصف التمييز على أساس الدين، وقد يكون إما بدافع ديني بحت، أو تحت غطاء سياسي أو ثقافي أو قبلي.. وبما أن ظاهرة التعصب والعنصرية والعداء تجاه المسلمين في الغرب أصبحت تسير كالنار في الهشيم، بسبب جماعات إسلامية دموية إرهابية وبفضل الآلة الإعلامية الجبارة التي لعبت دوراً محورياً في تكوين هذه المشاعر السلبية، من خلال تصوير المسلمين بشكل عام كمجموعة من الإرهابيين يؤمنون بعقائد تحثهم على القتل والعنف والإرهاب وسفك دماء المخالف، ولبروز ظاهرة «الدعشنة» كذلك عند بعض الشباب المسلم، أصبح من أولى الأولويات وأوجب الواجبات لدى المسلمين وعلمائهم وشيوخهم ودعاتهم وحكامهم القيام بتزيين وتحسين وتجويد الدين الإسلامي، وتقديمه للعالم في أحسن تقويم وأجمل صورة، مع أفضل عرض، وإلا صورة ديننا الجميل ستصبح في خبر كان! بسبب ما يرتكب من إرهاب باسمه، وهو منه براء. وفي هذا السياق يشارك اتحاد المؤسسات الإسلامية بالبرازيل، (وهو عضو في المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة الذي تأسس في أبوظبي في أبريل 2018) في تظاهرة عارمة ومسيرة دولية تقام كل عام في 22 أكتوبر بمدينة ريو دي جانيرو. إنها مسيرة ضد التعصب الديني والمذهبي وضد كل أشكال العنف والكراهية والعنصرية، ويشارك فيها جميع الأديان والطوائف، ومنها الدين إلاسلامي، والذي يمثله في هذه التظاهرة الكبيرة اتحاد المؤسسات إلاسلامية، والجمعية الخيرية إلاسلامية بمدينة ريو دي جانيرو، حيث يجوب رجال الدين شارع «كوبا كابنا» وهو أطول شارع على شاطئ البحر، ينددون ويدينون من خلالها جميع أشكال العنف والقتل والتصفيات الجسدية والاغتيالات والتهجير والإبادة والحروب التي ترتكب باسم الدين، كما يطالبون ويناشدون عقلاء العالم بدفع عجلة السلام بين الأمم والشعوب والديانات إلى الأمام، وأن تتحمل الأمم المتحدة مسؤوليتها في تثبيت الأمن والاستقرار في العالم، لأن الحياة هبة من الله ولا يمكن استمراريتها من دون محبة وسلام وتعايش ووئام بين هذه المخلوقات، ويقدر عدد المشاركين في هذه التظاهرة بما يزيد على 50 ألفاً، ويمثلون أكثر من 60 طائفة. ويقول «العثماني»: ندعو من خلال مؤسستنا إلى التعايش والتعاون على البر والتقوى والعمل الصالح بالتنسيق والتآزر مع جميع مكونات الشعب البرازيلي لبناء الوطن والمساهمة بإعماره والعيش فيه بسلام».

15 قرناً من السلام
يقول الصادق العثماني: «مع بروز طوائف وأحزاب ومذهبيات وعصبيات، يأتي موضوع التعايش السلمي بين الأطياف البشرية المختلفة، وخاصة بين المسيحيين الذين يعيشون بين أحضان الدول العربية، والمسلمين المهاجرين الذين يقطنون بين أصحاب الديانات السماوية الأخرى في أوروبا وغيرها، كواجب شرعي وإسلامي وديني لا مفر منه، ولا يرفضه إلا الحمقى والمجانين من البشر، أما العقلاء فيرحبون بكل المبادرات التي تساهم في إنجاح عملية السلام والتعايش بين جميع الأطياف البشرية، مع أن هذا التعايش والوئام نجده قد تجسد عمليا عبر التاريخ الإسلامي ومنذ خمسة عشر قرناً إلى اليوم، وهو عندنا في دين الإسلام قضية تعد من المسلّمات الاعتقادية والتشريعية والأخلاقية. التقاط النقاط المضيئة والمكتنزة برسائل إيجابية في التسامح والتضامن بين أتباع الديانات والسعي لتوعية الناشئة بها في التعليم، وعبر وسائل الإعلام والمؤسسات التوعية الدينية مسار يمكن التعويل عليه كثيراً لنشر ثقافة التسامح، والتأكيد على جدواها والتنويه بضرورة ترجمتها لأفعال وممارسات مجتمعية وأيضاً سلوكيات يومية فردية».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©