الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الرحالة الأوروبيون جواسيس وعلماء

19 أكتوبر 2005

القاهرة - حلمي النمنم:
لاتزال أعمال الرحالة الأوروبيين الى مصر والمنطقة تشغل بال الباحثين والدارسين العرب، وقد صدرت عدة اعمال منها ، بعضها امتلأ اعجابا وانبهارا بهؤلاء الرحالة ، وبعضهاالآخر اعتبرها اعمالا استشراقية تمتلئ عداء لنا وتحريضا علينا ،ورأى هؤلاء في الرحالة مجموعة من الجواسيس· والامر المؤكد ان هناك البعد الاستعماري والاستشراقي في هذه الاعمال وهناك ايضا البعد الآخر او ما تسميه د· الهام ذهني النزعة الانسانية·
بدأ الرحالة الاوروبيون زيارة مصر والعالم الاسلامي في القرن السادس عشر وجاء ذلك بعد انقطاع طويل بسبب الحروب الصليبية التي افسدت الود بين الجانبين، بعد هذه الحروب اقتصرت العلاقة على الجوانب التجارية في المواني بين المدن في شمال البحر المتوسط والمدن العربية في جنوبه وازدادت العلاقات سوءا بين العالمين المسيحي والاسلامي بسبب الامتداد والتوسع العثماني في المناطق الاوروبية، تحديدا منطقة البلقان، مما ادى الى تشكل تحالفات وتكتلات مسيحية لوقف الزحف العثماني على اوروبا خاصة بعد ان طرقت جيوش العثمانيين ابواب فيينا اكثر من مرة ورغم انتهاء الحملات الصليبية، فان سقوط الاندلس، وتواصل الحملات المسيحية على مدن شمال افريقيا في المغرب وغيرها، ادى الى مرارة بين الجانبين·
وفي القرنين الرابع عشر والخامس عشر كانت هناك رحلات اوروبية الى بلدان المنطقة لكنها جاءت من افراد، لدوافع خاصة ولم تقم بها جماعات أو افواج ومعظمها كان بهدف الحج وزيارة الاماكن المسيحية المقدسة في فلسطين ومصر خاصة المناطق التي زارها اومر بها السيد المسيح·
و في القرنين السادس عشر والسابع عشر تركزت دوافع الرحالة الى مصر في التعرف على امبراطوريات الشرق وتناولها بالبحث والدراسة كالدولة العثمانية وكذلك دولة فارس وامبراطورية المغول، وهكذا وفد الاوروبيون على مصر وكانت رحلاتهم سريعة وزاروا المدن التي تقع على البحر المتوسط مثل الاسكندرية ودمياط ورشيد ومدن الوجه البحري كما اتجهوا الى المزارات المسيحية لذا تزايد رجال الدين بينهم واهتم بعض هؤلاء بتدوين رحلاتهم وجاءت تلك الرحلات مليئة بالخرافات التي تقترب من الاساطير فهناك مثلا من ذهب الى ان ارض مصر تسكنها الوحوش وتمتلئ بالجان والعفاريت!
حملات تبشيرية
ورغم هذا فقد استقبلت هذه الاعمال بشغف كبير في اوروبا فانتقلت من قصر الى قصر ومن كنيسة الى اخرى وتهافت عليها الامراء والاقطاعيون فضلا عن الكهنة ورجال الدين ويلاحظ ان اهتمام رجال الدين انطوى على هدف تبشيري يتمثل في العمل على نشر المذهب الكاثوليكي في مصر فقد كانوا يعتبرون الاقباط مسيحيين كفارا ويجب استردادهم الى حظيرة الكنيسة الكاثوليكية·
طبع القرآن
وشهدت تلك الفترة ايضا اتصالات اوروبية بالشرق تسعى الى دراسته وفهمه فأسس البابا جوليوس الثاني مطبعة عربية كما طبع القرآن الكريم في البندقية وبدأ نشر بعض الكتب العربية وكان الهدف هو تعريف البعثات الدينية المتجهة نحو الشرق بأحوال المسلمين وكان التعرف على اللغة يمثل اهتماما كبيرا للبعثات الدينية ليس بالنسبة للمسلمين فقط وانما لغيرهم من الشعوب في الشرق·
وفي القرن السابع عشر تأسست العديد من الاكاديميات في اوروبا واهتمت بادخال تدريس اللغة العربية ضمن مناهجها ففي اكسفورد كلف ادوارد بوكول عام 1636 بتدريس اللغة العربية كما ادخلت الحروف العربية في المطبعة الملكية البريطانية وكلف مبعوثو الاكاديميات بشراء المخطوطات التاريخية والكتب القيمة والاثار فجابوا مدن الشرق لهذا الغرض وادى ذلك الى نشأة المكتبات العربية في اوروبا·
ولعب مبعوثو الاكاديميات الفرنسية دورا خطيرا في مصر والشرق فقد اتبعوا اسلوبا علميا في ارسال البعثات فاستمر الاهتمام بالادب والفنون واستعان الملك لويس الثالث عشر في عام 1614 باثنين من الموارنة لتعليم العربية والسريانية في كلية فرنسا وتم ادخال الطباعة العربية في باريس التي تفوقت على مطابع روما، وتأسست العديد من الاكاديميات في فرنسا ولعبت اكاديمية المخطوطات دورا مهما في ايفاد المبعوثين الى الشرق فقد كانت مهمتها الرئيسية قراءة الكلمات المدونة على العملات المهداة للملك وفي عام 1701 صار لها هدف رسمي وهو البحث في التاريخ ودراسة الامم القديمة وبلغ مجموع المخطوطات التي جمعت من الشرق ومصر 4500 وظهرت اكاديميات مماثلة في اسبانيا والبرتغال وفي ستوكهولم وفي فيلادلفيا ولعب كولير الوزير الفرنسي خلال تلك الفترة دورا مهما في تأسيس مدرسة للترجمة في بيرا هي مدرسة اطفال اللغة في عام 1669 حيث قام الاباء بتعليم الاطفال اللغات المختلفة في الاديرة وخاصة اللغات الشرقية كالفارسية والعربية والتركية ونبغ خريجو هذه المدرسة فعملوا مترجمين في الشرق وكانوا وسطاء بين القناصل والسفراء الفرنسيين كما عمل العديد منهم اساتذة للغة العربية بكلية لوي جران والكلية الملكية الفرنسية وتم ارسال الشباب من البندقية الى الاستانة باتقان اللغتين العربية والتركية وحذت بريطانيا حذو فرنسا فتم نقل بعض الروم العثمانيين الى بريطانيا وارسلوا الى اكسفورد ليتعلموا الانجليزية ولكن التجربة فشلت لان الهدف لم يكن ايجاد مترجمين مؤهلين للترجمة وانما كان تحويل بعض الروم الى المذهب الانجليكاني واتسعت دائرة المترجمين الاوروبيين بفضل اتقانهم اللغات الشرقية وانكب بعضهم على التراث العربي والاسلامي يدرسونه وتوافد الرحالة على مصر ومن كان هدفه التبشير بين الاقباط لم يتوقف عند زيارة مصر ولكن امتد الى الحبشة ولا يمكن انكار وجود رحالة كان دافعهم الفضول المعرفي والرغبة في التعرف على الشرق بصفة عامة ومصر خاصة واسهم وجود الاساتذة المتخصصين في هذه اللغات في مجيء العديد من الرحالة وكان هناك من جاءوا بالرغبة في الدراسة العلمية الجادة واجراء التجارب على مياه النيل ودراسة البيئة المصرية وكذلك التربة والصحاري خاصة وان العلوم تقدمت في اوروبا بصفة عامة ولكن لا يمكن تجاهل وجود نزعة استعمارية خلال تلك الفترة المبكرة تمثلت في الرغبة او الدعوة الى غزو مصر والسيطرة عليها ضمن هدف استراتيجي يتمثل في تكوين الاحلاف الصليبية واحياء الحروب الصليبية وتحرير الشرق المسيحي من الدولة العثمانية والدعوة لتكاتف اوروبي من اجل تحقيق الاستراتيجية ونجد الاب كوبان يطالب في كتاب له بضرورة تقسيم الدولة العثمانية وان تكون مصر من نصيب فرنسا وتعتبر رحلة الاب كوبان من اهم الرحلات التي قام بها رجل دين فرنسي الى مصر فقد زارها في العام 1638 واستمرت رحلته هذه الى العام الثاني وقام برحلة ثانية في 1643 عمل خلالها قنصلا لفرنسا في دمياط وزار الاستانة عدة مرات ودون رحلاته ونشرت في عام 1686 وكان عنوان كتابه 'الحرب الصليبية' ولم تتوقف احلام رجال الدين ففي عام 1796 زار الاب فرزيان مصر وكان ينتمى لليسوعيين وكلفه ملك فرنسا باقامة عدة منشآت في القاهرة لتسهيل نشر المسيحية في اثيوبيا ولكن لم تحقق بعثته النجاح والسبب مقاومة بعثات الفرانسيسكان وصحيح ان اثيوبيا كانت هدف رحلة فرزيان لكن مصر كانت المحطة المهمة ومركز رحلته الفاشلة·
اعتناق الاسلام·· والرحالة
وبعض رحلات رجال الدين فشلت لسبب آخر وهو اعتناق هؤلاء الرحالة الدين الاسلامي ولعل اشهر هؤلاء جوزيف بيتس او الحاج يوسف وهو بريطاني الاصل كان يعمل بحارا وفي عام 1678 كان في البحر المتوسط ووقع في اسر البحارة الجزائريين فباعوه لفارس من الجزائر وظل ينتقل من بائع الى آخر داخل الجزائر حتى اشتراه رجل جزائري طاعن في السن وكان على خلق رفيع وعامله بشكل جيد واحترم انسانيته واعتنق الاسلام وصار اسمه الحاج يوسف ونشر رحلته في عام 1704 بعنوان 'حقائق عن الاسلام' ذكر فيها انه اعتنق الاسلام بمحض ارادته واختياره الخاص ولم يجبره سيده على اعتناقه وقد سافر الى مكة لاداء فريضة الحج مع سيده واتخذ طريقا بريا من الجزائر الى الاسكندرية ثم اتجه الى رشيد ومنها ابحر عبر النيل وتعرف على الوادي ثم اتجه بالبر الى البحر الاحمر حيث زار المدن المصرية به وتوقف مطولا في السويس ومنها اتجه الى الاراضي الحجازية وبعد اداء الفريضة وفي مكة المكرمة اعتقه سيده وصار حرا فزار المدينة المنورة ثم عاد ثانية الى الجزائر ومنها استطاع ان يعود الى بلده الاول بريطانيا وبدأ من هناك جولة اخرى غربية هذه المرة حيث زار هولندا وايطاليا والمانيا وقد بقي على اسلامه وليس وحده الذي اعتنق الاسلام بل هناك آخرون غيره·
اختلفت الرحلات الى مصر في القرن الثامن عشر فقد تزايدت المعرفة بمصر وتوفرت الكتب عنها واتسمت مؤلفات الاوروبيين بالعمق والجدية والملاحظ ان الرحالة في ذلك القرن لم يقتصروا على الاسكندرية والقاهرة لكنهم جابوا مدن مصر وتعرفوا على مجتمعها وتوغلوا في الصعيد حتى اسوان وجابوا الصحاري ولم تكن رحلاتهم سريعة وعابرة كما كان الحال من قبل بل مكث بعضهم بها سنوات وهناك من قضى عشرين عاما متصلة وفي تلك الفترة ظهر ما أطلق عليهم 'د· الهام ذهني' الرحالة الجواسيس الذين دعوا او مهدوا لغزو مصر وهو ما حدث في نهاية القرن الثامن عشر مع نابليون بونابرت وقد انطوت اعمال الرحالة في ذلك القرن على بعض الدراسات التي ضمت بعض المشاريع والافكار ذات الطابع الاستعماري كفكرة وصل البحرين المتوسط والاحمر بقناة كي تسهل طرق التجارة والمرور في المنطقة· وهناك من درس صراع القوى السياسية في مصر وضعف ولاتها فقد كان الامراء المماليك يتصارعون والباشوات يعانون القلق بسبب هذه الصراعات ودعا بعض الرحالة الاوروبيين الى الاستفادة من ذلك الضعف بالاجهاز على مصر واحتلالها ولا يمنع هذا من وجود رحالة لاهداف علمية بحتة ورجال دين ايضا جاءوا لاغراض خاصة مثل الراهب الفرنسي كلود فورمون الذي زار مصر في عام 1747 وانحدر من اسرة اهتمت بالاثار والاستشراق ومكث في مصر اربعة اعوام ثم عاد اليها ثانية في 1754 واجاد اللغة العربية واطلع على اعمال المقريزي خاصة الخطط وكتابه السلوك وكذلك اعمال ابن دقماق واعجب اعجابا شديدا بها وحرص على الكتابة عنها وتعريف القاريء الفرنسي والاوروبي بها وتحقق له ما اراد فقد ازداد اهتمام الفرنسيين بالمقريزي وترجموه ومن الاباء ايضا الاب دور فال الذي زار مصر وهو من القلائل الذين زاروا الازهر الشريف وتعرف على العديد من علمائه وتناقش معهم في عدد من القضايا والامور واطلع على نظم التعليم والتدريس بالجامع العريق وحصل على العديد من المخطوطات العربية وكانت رحلته هذه بدعم من الفاتيكان وكان الهدف الرئيسي منها امداد المكتبات الفرنسية بالمخطوطات والاعمال العربية·
ولم يكن كل القادمين من فرنسا فهناك الراهب الروسي فيسكنسكي الذي جاء إلى مصر في عام 1708 بعد رحلة الى الاماكن المقدسة بالشام وفي مصر زار رشيد ودمياط وبقي فيهما اسبوعين ثم توجه الى شبه جزيرة سيناء حيث زار دير سانت كاترين واعد كتابا عن مصر بالروسية ونشرت رحلته في جامعة موسكو في العام 1877 وكان هناك ايضا في القرن الثامن عشر رحالة انجليز جاءوا الى مصر وكانوا من رجال الدين في الغالب ونجد لدى بعضهم دراسات ودعوات الى ضرورة غزو مصر واحتلالها وكانت اهدافهم غالبا تجارية واقتصادية وليست فقط الاهداف الدينية·
رسائل امرأة انجليزية
وانفرد القرن التاسع عشر بظهور رحالات اوروبيات حيث بدأت السيدات يتوافدن على مصر وكل منهن لديها اسبابها الخاصة ومن ابرز هولاء صوفيا بول وهي سيدة انجليزية شقيقة المستشرق والرحالة ادوراد وليم لين صاحب كتاب عادات وتقاليد المصريين المحدثين وقد قررت بعد وفاة والدتها ان تأتي بصحبة ابنائها وشقيقها وزوجته لزيارة مصر وعاشت بها سبع سنوات كاملة زارت خلالها حريم محمد علي وتعرفت عليهن خاصة ابنته وزارت سيدات اخريات وتعرفت بدقة على حياة النساء في مصر وعلى الحياة الاسرية في المجتمع الاسلامي ودونت رسائل من مصر ونشرتها بعنوان رسائل امرأة انجليزية من مصر وابدت تعاطفا كبيرا مع المرأة المصرية ورأت انها مظلومة وكان شقيقها هو الذي شجعها على تدوين ملاحظاتها وكتابة تلك الرسائل ونجح كتابها حين نشر في لندن واجمع الكثير من الدارسين على ان رؤيتها كانت موضوعية وانسانية ومن اميركا جاءت الليدي سارة هيج وكانت ترافق زوجها رجل الاعمال الذي وصل الى مصر في العام 1836 بهدف البحث عن مجال لاعماله، اما هي فقد اهتمت بتسجيل انطباعاتها وملاحظاتها واتيح لها التعرف على بعض السيدات المصريات وكذلك التقت بعدد من الرجال وعندما عادت نشرت رحلتها في مجلدين بعنوان 'رسائل من العالم القديم' وظهرت هذه الرسائل في نيويورك عام 1840 اما الكونتيسة ايدا فهي رحالة ارستقراطية وبعد طلاقها في المانيا قررت ان تقوم بزيارة مصر وعدد من بلدان المنطقة في عام ·1840 ويبدو انها كانت تبحث عن الهدوء والراحة النفسية وقد وصفت رحلتها بعنوان 'رسائل من الشرق' ونشرت في لندن عام1834 وهؤلاء كن يحملن افكارا ذات نزعة انسانية واشتراكية وقد عملت الكونتيسة بالتمريض مع كلوت بك ولم تطل اقامتها في مصر وكان من المقرر ان تقيم بها نهائيا ولكن جاء وباء الطاعون فأصابها الهلع وعادت ثانية ثم وضعت كتابا بعنوان ذكرياتي عن مصر وقد استقبل استقبالا جيدا من النقاد والمراقبين اما اقدم رحالة جاءت الى مصر فكانت في نهاية القرن الثامن عشر وهي اليزا فاي التي جاءت في العام 1779 بصحبة زوجها المحامي البريطاني ولم تكن رحلتها قاصرة على مصر فقط بل امتدت الى الهند ودونت ذكرياتها وانطباعاتها وبعد وفاتها كان هناك من نشرها بعنوان 'رسائل من الهند' في عام ·1821
وكان هناك ايضا تجار الرقيق ومن هؤلاء 'بلدوين' الذي شغف بالرقيق وسجل رحلته عن هذا الموضوع ونشرت في عام 1790 ويعد كتابه هذا تقريرا وافيا دقيقا عن تلك التجارة واحوال الرقيق في مصر ومصادر استجلابهم واسعارهم وطرق بيعهم ووسائل تربيتهم وتأهيلهم وتتبع مصائرهم·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©