السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

رواندية تحارب الموت والكراهية.. بالسرد

رواندية تحارب الموت والكراهية.. بالسرد
6 يونيو 2019 00:59

محمود إسماعيل بدر (عمّان)

في عام 2012، صاغت الكاتبة والروائية الرواندية سكولاستيك موكاسونجا «مواليد 1956» رواية عظيمة بعنوان: «نوتردام النيل»، حازت بعد نشرها جائزتي «أمادو كوروما» و«الروندو» المرموقتين، ونظراً للقيمة الأدبية الرفيعة لهذه الرواية، ترجمتها الهيئة المصرية العامة للكتاب، مؤخراً، إلى العربية من خلال المترجم لطفي السيد منصور، وقد صوّرت فيها ببراعة أحداث العنف التي جرت في بلادها في السابع من أبريل وحتى منتصف يوليو 1994م، والتي شن فيها القادة المتطرفون في جماعة الهوتو، التي تمثل الأغلبية في رواندا، حملة إبادة ضد أقليتها من قبيلة توتسي، وقتلوا نحو 800 ألف شخص، وتعرض مئات الآلاف من النساء للاغتصاب، وراح ضحية المجازر ما يقدر بـ75 في المائة من التوتسيين.
ولدت موكاسونجا لعائلة تنتمي لعرق التّوتسي، وفي عام 1960 انتقلت عائلتها إلى منطقة غير آمنة من رواندا، نياماتا في بوجيسيرا، وفي عام 1973 طردت من المدرسة وتم نفيها إلى بوروندي، ثم استقرت في فرنسا عام 1992، وتعيش وتعمل حالياً في باس ـ نورماندي، بعد ذلك وبنحو 12 عاماً دخلت عالم الكتابة برواية حققت لها شهرة عالمية بعنوان «الرجل الغبي» ثم نشرت كتابها «امرأة عارية القدمين» واعتبر تكريماً لوالدتها ولكل الأمهات الشجاعات وحصلت به على جائزة للكتابات ضد التمييز العنصري، ثم أصدرت مجموعتها «البطن النّهم» التي بيع منها نحو مليون نسخة حول العالم.
في معظم كتاباتها وعلى وجه الخصوص روايتها «نوتردام النيل»، تستحضر موكاسونجا التراث الرواندي، أو فلنقل الأفريقي، من دون أن تضفي عليه هالة مقدسة، خالطة ذلك بالأساطير كأسطورة إيزيس والملكات كانداس وصانعة المطر والسحرة أو المشعوذين وأرواح الموتى، كما أنها تعشق في صياغاتها تكنيك المشهدية، أو الحدث الاسترجاعي «الفلاش باك» حتى تضع القارئ في قلب الأحداث، وتجعله يرى، ويحسّ ، ويشمّ، ويلمس ما يدور بالتفاصيل الدقيقة. في هذا السياق، تقول سكولاستيك: «كتاباتي بمثابة نافذة أو صورة لرواندا، تاريخها وتقاليدها وموروثها، ليس فقط من خلال غناها الثقافي وجمالها وسحر طبيعتها، بل أيضاً من خلال طموحها إلى السلم والوحدة الكامنة بساكنتها»، معتبرة أن ما حل ببلادها كان نتيجة العزلة التي فرضتها عليها «ثقافة العولمة»، لهذا علينا ككتاب ومثقفين تجاوز ذلك بخطاب أدبي رفيع أصيل يواجه الفكر المتطرف وصناعة الموت بعقلانية، بالقلم، لا بالبندقية.
وتتداخل الحياة الشخصية لهذه الكاتبة الاستثنائية مع تاريخ بلادها بشكل يجعل فهم الأسلوب والروح التي تنير ريشة الكاتبة تشكل في حد ذاتها عمقاً في روح هذا البلد، كما أن أعمالها بحث حقيقي عن الكرامة والرغبة في الرسوخ في الذاكرة والثقافة والموروث الحضاري، لترسم بصمتها على الورق، في محاولة لإعلاء صوتها باسم اللواتي لم يتمكن من القيام بذلك.
في الواقع إن موكاسونجا قبل كل شيء اسم يرن بألحان إفريقية، لكنه يحمل في طياته أيضاً بصمة خصوصية رواندية، ومن خلال كتاباتها تكرم موكاسونكا روح رواندا الجريحة، من خلال تصور رجال ونساء متأصلين بأرض وتاريخ وثقافة ببصمات مأساوية وبطولية، إغناء مليء بالوجع وبأرواح ينتهي باستخلاص عبر الماضي لبناء المستقبل بهدوء.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©