الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هنريك ابسن.. تمجيد الواقعية

هنريك ابسن.. تمجيد الواقعية
9 يونيو 2010 20:26
للكاتب المسرحي النرويجي هنريك ابسن “1828 – 1906” مكانة فريدة في تاريخ المسرح العالمي، إذ يعتبره النقاد رائداً للمسرح الحديث وأول من أضفى على الدراما “صبغة واقعية”، فقد كانت المسرحيات السائدة في وقته هي من نوع “الميلودراما” التي تعتمد على إثارة حواس الجمهور والمؤثرات المفتعلة وهو ما كان يعرف بـ “المسرحية المحكمة الصنع well – made play التي حمل لوائها بعض الكتاب الفرنسيين أمثال: سكريب وساردو وأوجيه. كان كتَاب هذه المدرسة يحاولون شدَ المتفرج إلى النسيج الدرامي المعقد لمسرحياتهم بينما هم يشدَون خيوط الحبكة المسرحية ببراعة حتى تنتهي المسرحية وقد حلَت جميع عقدها، وطبيعي أن يلجأ هؤلاء الكتاب إلى افتعال أسباب تعقيد البناء المسرحي لرواياتهم حتى يتيحوا المجال لبراعتهم وإظهارها في الوصول بالمسرحية إلى نهايتها المقررة. أما بالنسبة للمتحمسين من أنصاره مثل الكاتب “وليام آرشر” الذين كانوا يرون أن الواقعية النثرية هي ذروة الانتصار في الدراما الغربية بأسرها، فإن عظمة ابسن ترجع إلى حد كبير إلى ابتكاره طريقة درامية جديدة قائمة على المسرحية الفرنسية الجيدة الصنع، وهي طريقة استبعدت في النهاية مخاطبة الممثلين لأنفسهم والمناجاة على المسرح. بينما كان برناردشو يرى أن أهمية هذا النرويجي تكمن في إدخاله عنصر المناقشة الاجتماعية السياسية إلى المسرحية عن طريق تضاد الشخصية مثل “الشرير والمثالي” و “امرأة مسترجلة”، ولعل المناقشات الأخلاقية المستفيضة هي التي جعلت من الأفكار الابسينية مثار مناقشة وجدلاً نقدياً على مدى عقود من الزمان. الواقعية نهجاً لقد أطاح هنريك ابسن بالمسرحية التي سميت بالمتقنة الصنع، وأقام على أنقضاها المسرحية التي تتسم أحداثها بالتسلسل الطبيعي والمنطقي، وتنقل للمتفرجين صورة واقعية للحياة البشرية، ولعل الواقعية وهي الصفة التي تميز مسرح ابسن عن مسرح معاصريه هي التي ساعدته على أن يعبر صراحة عن مأساة الإنسان حين يربط نفسه بعجلة مبادئ ومثل عليا ليس من طبيعته أن يحيا بمقتضاها، فالإنسان في نظره يحيا حياتين: حياة كلها رياء وتظاهر يفرضهما عليه المجتمع. وحياة حقيقية تنبع من العواطف والانفعالات الحقيقية التي يحسَها في مواقف بعينها. فالتجربة إذا هي النبع الذي يستقي منه ابسن موضوعاته وشخصياته، ولكنها في الواقع تجربة من نوع خاص جداً. انه يرفض “تلك التجربة الشخصية أو الواقعية” ذات الصلة الخارجية البعيدة عن أحداث حياته هو (كان ابسن على نقيض الكاتب السويدي أوجست سترندبرج قلما يستغل سيرة حياته في مسرحياته)، وكان يستلهم بدلًا منها تجربة حياته الباطنية والقوى التي كانت تصوغ تطوره الذهني والعاطفي والروحي، فعن طريق تحليل هذه الحياة الباطنة في خبيئة نفسه بحثاً عن النقائض والفضائل وتعريض شخصيته هو لنقد وامتحان عسيرين، كان يستمد أبعاد جميع شخصياته الثورية الكبرى. وعندما يكتب ابسن أعماله الملحمية لا يتردد في الإقرار بصلته الوثيقة بشخصياته الرئيسية فهو يقول عام 1870: “إن براند هو أنا في أحسن أوقاتي، كما أن من المؤكد أنني بتحليلي لنفسي أخرجت إلى النور كثيرا من صفات كل من بيرجنت وستنسجارد”. اتساع الأثر كتب ابسن عدداً كبيراً من المسرحيات أبرزها على الإطلاق مسرحيته الشهيرة (بيت الدمية 1879) علاوة على (أعمدة المجتمع 1877) و (الأشباح 1881) و (عدو الشعب 1884) و (البطة البرية 1884) و (هيداجبلر 1890). وبعض مسرحياته تعرف بالمسرحيات ذات التحليل الرجعي Thedrama of resropective وهي أن المسرحية تتعرض لتحليل حادث معين تم حدوثه بالفعل قبل أن يبدأ العمل المسرحي، ويظهر هذا الحادث شيئاً فشيئاً أثناء أحداث المسرحية، وقد اهتم بالفكرة وفضلها على القصة، وقد قضى على التقسيم القديم للمسرح فأصبحت المسرحية لديه بثلاثة فصول بدلاً من خمسة فصول، ملتزم بناؤها بالوحدات الثلاث (عرض – عقدة – مناقشة) بدلا من (عرض، أزمة، انفراج، حلَ). وقد أثارت نقطة المناقشة في مسرحياته أوروبا كلها، حتى تبنى البعض ما يسمى اليوم بالنهاية المفتوحة، وغير ذلك فقد ثار على الموضوعات التقليدية، فاستمد موضوعاته من حياة المجتمع المحيط به (مجتمع الطبقة المتوسطة) فتناول أفكارهم من زواج وبؤس وفضيلة، مركزاً على خصوصية العلاقات الزوجية التي لم تذكر أو تطرق من قبل بشكل بارز، منادياً بقوة باستقلالية المرأة، وألا تكون وبالًا على نفسها على نحو ما وجدناه في مسرحيته (هيداجبلر) بفطرتها وشهوتها وطموحها. إن جميع مسرحياته هي نتاج هذا التأرجح بين اندماج المؤلف وابتعاده، بين الذاتي والموضوعي، الأخلاقي والجمالي، الثائر والمرتدع، هذا التأرجح في الدراما يزود كل واحدة من مسرحياته بمستوى مزدوج تتعايش فيه مسرحية الأفكار مع مسرحية الفعل، بحيث تكون شخصياته التي تعمل بالفكر وبالفعل ذات حياة فكرية خصبة إلى جانب وجودها الدرامي. ففي مسرحية بيت الدمية مثلا نرى تحول البطلة (نورا) من عالة تكاد تكون طفولية وفي حاجة إلى الحماية، إلى شخصية تتكلم بحزم بلسان الدعوة إلى الحرية الفردية. وقد يكون هذا التحول مناسباً في مسرحية الافكار، لكنه أبعد ما يكون عن الإقناع في مسرحية الفعل، ولكن عندما يتقن ابسن هذه الطريقة تصبح واحدة من الأيادي الأصيلة التي أسداها إلى المسرح الحديث وتسبغ على أعماله بعداً مزدوج المستوى يصعب أن يبلغه أي كاتب مسرحي حديث آخر. ولهذا نجد مدى التأثير الكبير الذي أحدثه على مسارح أوروبا، فقد قام برناردشو بعد عرض مسرحية بيت الدمية بالمناداة بالإصلاح عبر الأفكار الجريئة التي اقتبسها عن أبسن. أما في فرنسا فقد قام المخرج الفرنسي الشهير اندريه أنطوان بإنشاء المسرح الحر وافتتحه بعرض مسرحي لابسن هو الأشباح، كما قوبلت نورا بطلة مسرحية بيت الدمية بالترحاب بعد عرض المسرحية في باريس. وفي ألمانيا فقد قام (هويتمان) بالدفاع عن عمال ألمانيا من استبداد أصحاب المصانع بهم، وعلى إثر ذلك قامت جماعة برلين المسرحية بإنشاء مسرح حرَ آخر، وقدَم أعمالًا كانت تسبقها كتابات الشكر لأبسن على خلاص ألمانيا على يده من كابوس الأدب الفرنسي والأخذ بيد المسرحيين والكتاب والمخرجين نحو الواقعية الاجتماعية. أما في أميركا فقد جاء الكاتب المسرحي أوجين أونيل وصبَ اهتمامه في مسرحياته على ما يصادف الطبقة المتوسطة من عقبات مادية ومشكلات اقتصادية، كما أدت الثورة الأبسينية إلى نشر مدارس تعليم البنات وقيام الجمعيات النسائية، وفي إيطاليا عالج براتشو المسائل الاجتماعية وكتب كثيراً عن الواقعية، أما في روسيا فقد تأثر انطون تشيخوف في أغلب مسرحياته بمنهج ابسن، ويبدو ذلك واضحاً في مسرحيتيه: الشقيقات الثلاث وبستان الكرز. لقد جلبت مسرحية براند إلى هنريك أبسن شهرة عمَت العالم كله، فلما انتشى بذروة نجاحه، قرر أن يقوم بمحاولة أخرى في مجال المسرحية الشعرية ذات الأحداث فكتب مسرحية “بيرجنت” وإذا كانت شخصية براند تعبر عن ابسن في أحسن حالاته كما ذكرنا، فإن (بير) يعبر عن ابسن في أقل حالاته شعوراً بالمسؤولية – أي في أشد حالاته المعنوية تراخياً، ومع ذلك فإن (بير) يأسرنا بشخصيته الظريفة المحبوبة. ومن المحتمل أن يكون ابسن – بعد أن انزل العقاب بمثاليته المتعصبة – قد حاول هنا أن يخضع الجانب المسموح به من طبيعة نفسه، جانب من يسعى إلى البهجة في شمس ايطاليا. فالمسرحية – بصفتها الشعبية ولمساتها الهجائية، وما فيها من جو استوائي - قد تبدو نقيضاً لمسرحية براند تماماً، ولكن الواقع أنها تدور حول الموضوعات نفسها من زاوية كوميدية ساخرة. فإن (بير) الذي تتجسد فيه روح التراضي والمهادنة والرياء وعدم المسؤولية وخداع النفس ذو شبه كبير بهؤلاء الناس الخائبين الذين جاء براند لكي يصلح من حالهم. من القمة الى القاع في مرحلة ما من تاريخ حياته الكتابي انصرف ابسن عن المسرحية الخلاصية بعد أن كتب مسرحية (الإمبراطور والجليلي)، فبعد أن أخذ نصيبه من الكتابة عن (فن المستقبل) قرر ألا ينشئ ملاحم مستفيضة عن الإنسان فوق قمة العالم، بل مسرحيات نثرية واقعية محكمة عن الإنسان في أعماق المجتمع وصحب هذا الاكتشاف تحوله إلى النموذج الكلاسيكي الموضوعي. بمعنى آخر لقد نجح ابسن في الخروج إلى مرحلة جديدة في التعبير والبناء والحوار ورسم الشخصيات من خلال جملة مسرحياته: الأشباح وأعمدة المجتمع وبيت الدمية، محققاً من خلالها تزاوجاً تاماً بين الشكل والمضمون. إن مسرحية الأشباح خالية من الانتكاسات المثيرة والمناقشات غير المقنعة، فهي لا تتضمن زيجات مفاجئة كما في مسرحية رابطة الشباب، أو بواخر الموت التي تمنع من الإبحار في آخر لحظة كما في مسرحية أعمدة المجتمع، أو خطابات اتهامية تصلك من صندوق البريد كما في بيت الدمية، وبدلًا من ذلك نرى، كما لاحظ “فرنسيس بيرجسون”، أن المسرحية مكتوبة على منوال مسرحية “أوديب” لليوناني سوفكليس، إذ تبدأ قبل الكارثة تماماً، ومن ثم البدء باستخراج الأدلة من الماضي حتى تصل إلى نهاية حتمية مفزعة. وبسبب هذا الإتقان لم نعد نحس تعارضاً تكوينياً بين مسرحية الافكار ومسرحية الفعل كما نجد مثلًا في بيت الدمية حيث تدور مناقشة طويلة بعد أن تكون المسرحية قد وصلت إلى ختامها. أبسن والمرأة وجد ابسن المرأة في عصره وقد ألغيت شخصيتها تماماً في مجتمع هو بكل المقاييس مجتمع الرجال، قوانين ونظام قضائي يحكم على سلوك المرأة من وجهة نظر مجتمعية يقف على رأسها الرجال، والمرأة في المنظور العام فشلت في تكوين شخصية موازية لشخصية الرجل، وقد حمَل المرأة جزءاً كبيراً في فشلها، ومع ذلك خرج ليدافع عنها كإنسان وليس كامرأة فقط ، فطالب بتحريرها ودفعها إلى خوض المعركة لتحس بفرديتها وشخصيتها المتكاملة، لأنها لا تقل كفاءة عن الرجل .. وبهذه النظرة التحررية إلى المرأة كان يجب تغيير آخر هو تغير المجتمع الذي يجب أن يغيَر نظرته للمرأة، وبالتالي يغيَر في بعض أنظمته وشرائعه الرجعية وإلا دفع المرأة لأن تكون وبالاً على نفسها وعلى الآخرين. وحين قدمها ابسن في مسرحه جاءت أكثر نشاطاً وأوضح هدفاً وأقوى إرادة من بعض الرجال.. والبطلة نورا هي مثال وأنموذج جديد في مسرحية بيت الدمية. لقد بذلت قصارى جهدها أن تكون مخلصة، وأن تتعذب بالحب من أجل الآخر (الزوج أو الأبناء) ولكنها في النهاية قوبلت بالغدر، وكان يجب أن تتخلص من هذا العالم المزيف بأن تتركه إلى حياة جديدة أخرى. أما في مسرحية الأشباح فنرى السيدة الفنج، امرأة من صميم الحياة، امرأة رجعية ظلت مع زوجها رغم مغامراته النسائية وانحرافاته حفاظاً على القيم الاجتماعية المتوارثة، وهي هنا شخصية على النقيض تماماً من شخصية نورا، أو قل هي نورا قبل اكتشاف ذاتها وزيف الحياة مع زوجها. أما البطلة هيداجبلر فقد تزوجت رجلاً اقل منها اجتماعياً من حيث نظرة المجتمع، وهي تسخر من الجميع حتى لا تكون مدانة لأحد، وهي امرأة على عكس نساء الطبقة المتوسطة اللاتي يدرن شؤون البيت ويشاركن الرجل في مختلف مناحي حياته، وقد جسدها ابسن على أنها تمثل ترسبات تقاليد مجتمع بال. ابسن والرمز إن أهمية ابسن في تاريخ المسرح العالمي هي أنه أول من نجح في إدخال إحساس مطلق بالواقع في مسرحياته من خلال الرموز، فشقَ بذلك الطريق لكتاب المسرح الحديث في بلورة الحياة الإنسانية من خلال الترميزات والإيحاءات لكشف غموض النفس الإنسانية، ونستعرض هنا استخدامات عديدة لهذا العنصر الفني من خلال بعض أعماله المسرحية خاصة (الأشباح) وهي مسرحية طبيعية بفعل عنصري البيئة والوراثة، ويتجسد الرمز فيها من خلال القسَ (براند) الذي بنى كنيسة بعد وفاة زوجته، وأعجب الناس بشكلها الخارجي وتصميمها دون أن يهتموا بالمحتوى العام أو غرض العبادة التي أنشأت الكنيسة من أجله. وهذا جزء من الرمز الذي قصد إليه المؤلف وهو تمسك الناس بالتعاليم الشكلية والماديات دون تعمق في الروح والعقيدة، وفي وسط هذا الانهيار نجد القسَ براند يجلس في مقبرة ويسمع من بعيد صوتاً لموسيقى تصافح خيالاته وأحلامه، فإذا هي في الحقيقة موسيقى إنشاد جنائزية تنذر ببعض الزوابع والعواصف التي ترى فيما بعد في مشاهد تكشف للمتفرج عن تطورات جديدة في الحدث المسرحي وحالات الشخصيات. وتعالج مسرحية (سيدة البحر 1888) مشكلة تحرير المرأة من ربقة الخضوع لقيم المجتمع واعتمادها على إرادتها الحرة في تقرير مصيرها. البطلة (اليدا) متزوجة من رجل ناجح، ولكنها تشكَ في انه تزوجها حبَاً في ذاتها، وهي لا ترى فيه إلا ذلك الزوج الذي فرضته عليها تقاليد المجتمع. وفي سياق الأحداث نعرف أنها تهرب منه كل ليلة إلى (البحر) وهو رمز الاتساع والحرية والانطلاق، تنتظر بحاراً قابلته في صباها، وكانت تتوهم أنه حبيب قلبها والذي لا بدَ وأن يربطها القدر به.. وحين يأتي هذا البحار بالفعل تتحطم كل آمالها وأحلامها إذ تجده (سكيراً، عربيداً) لا يحقق مثلها العليا، وزيادة في تأكيد الرمز يعرض عليها زوجها اختيار من تريد، وحين تجد فرصة حقيقية للاختيار تختار زوجها، ولك من خلال هذا التناقض أن تكتشف حجم المفارقة الدرامية التي خلقها أبسن من خلال رمز البحر والخيال الذي يبعثه في النفس البشرية. وفي مسرحية (هيداجبلر) وهي من أكثر الشخصيات النسائية أنانية في مسرح ابسن، نتعرف إلى بطلة المسرحية وهي امرأة جامدة العواطف، خاضعة للتقاليد العمياء، ذكية، حساسة. يقول عنها المؤلف: (إنها كشخصية نذكرها على أنها ابنة أبيها أكثر من زوجة زوجها) وهي واحدة من شخصيات ابسن التي تذهب ضحية للتقاليد والمثل التي يفرضها المجتمع والتي يعجز الفرد عن وقف تيارها. وإذا كانت لـ (نورا) الشجاعة الكافية لتحطيم قيودها، فإن (هيداجبلر) الجزء الساكن في نورا، ولعل في هذا التناقض رمزاً آخر على مدى النتائج الخطيرة للتمسك بالتقاليد البالية. مأساة البرجوازية يقول ابسن في ملاحظاته على مسرحية الأشباح: “إن الجنس البشري كله يسير في الدرب الخاطئ”، موضحاً بذلك أن “أشباح” لم تكن مأساة بين ألفنج فحسب، بل مأساة أوروبا البرجوازية في القرن التاسع عشر، لأن غرضه المستتر هنا هو أن يوضح كيف يمكن لسلسلة من التقاليد البالية التي أبقينا عليها دون تفكير، أن تؤدي إلى إبادة العالم الحديث كله وليس أسرة تقليدية فحسب، وعلى ذلك فإن ضعف بطلة المسرحية مسز آلفنج ومرض أوزوالد، وتهتك الكابتن آلفنج، ونفاق انجستراند، وغباء الأب ماندر، كل هذا ليس إلا مجرد براعم مصابة نبتت من جذور المجتمع الحديث الآخذة في الموت. ومن ثم فإن مسرحية الأشباح التي صيغت وفق مأساة سوفوكليس، تفتقر إلى أحد الأمور الجوهرية عند سوفوكليس وهو التقبل الجوهري لدينونة البشر، إن سوفوكليس الإغريقي يعزو هلاك أبطاله إلى ارداة الآلهة، بينما يعزوه أبسن إلى غباء الإنسان وعدم إنسانيته جيلاً بعد جيل، وهكذا نجد أن تضمينات ابسن مناقضة تماماً لقدرية الإغريق، وحتى إيمانه بالحتمية ينطوي على إيمان بالإرداة، وقد نجح أيما نجاح في أن يكشف لنا عن الفساد الذي يصيب الحياة الحديثة من خلال رؤيا مسرحية حققت ثورة ابسينية في المسرح مازالت ماضية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©