ما زلت في معرض الحديث عن أولياء الأمور الذين يلقون مسؤولية متابعة شؤون أبنائهم الدراسية على عاتق الشغالات والسائقين·· فهذا ولي أمر أحد الطلاب، تلقى في الأسبوع الثاني من بدء العام الدراسي رسالة من إدارة المدرسة، تفيد بعقد اجتماع تعريفي للهيئة التدريسية والإدارة مع أولياء الأمور·· ولأنه حريص على تلبية مثل هذه المناسبات، حرصا منه على متابعة شؤون أبنائه بنفسه، فقد شد الرحال إلى المدرسة مساء اليوم المحدد للاجتماع·
وقبل وصوله إلى المدرسة، تذكر أن عدد الطلاب فيها يبلغ حوالى 220 طالبا، فحرص على الوصول قبل الموعد المحدد ليكون في مصاف أولياء الأمور الذين يلبون هذا النداء التربوي·· ولكن حين وصل، تبدلت الرؤية أمامه شيئا فشيئا·
في البداية لاحظ تدفق الشغالين والسائقين مع الطلاب، فظن أن فترة الدراسة قد تغيرت من الصباح إلى المساء!·· وأخذ يبحث بين هذا الحشد المتدفق عن أولياء الأمور المصاحبين لأبنائهم، فلم يجد إلا ولي أمر واحداً فقط!؟·· تقدم إليه ليدردش معه قليلا لحين بدء الاجتماع·· طال انتظار وصول أولياء الأمور، ومع مرور الدقائق كانت أعداد السائقين والشغالات تتزايد مصطحبين معهم الأبناء!
ومع بدء الاجتماع، اكتشف صاحبنا أنه وصديقه الآخر فقط اللذين لبيا النداء شخصيا، في حين أرسل حوالى 218 ولي أمر الباقين سائقيهم وشغالاتهم لمرافقة الأبناء إلى اجتماع التعارف بين أولياء أمور الطلبة والهيئة التدريسية!
شعر الاثنان بالغبن وشيء من الإحراج·· وأحسا أنهما غرباء وسط هذا الحشد الهائل من الخادمات والسائقين الآسيويين الذين جاؤوا للتعرف على المدرسين والإدارة!·· وضاع الاثنان وسط هذه 'الهيصة'، حيث تحول الوقت الذي سبق موعد الاجتماع إلى جلسة نقاشية مسبقة بين الشغالات والسائقين للتباحث في أمور الأبناء الصغار الذين ألقيت مسؤولية تربوية بهذا الحجم وهذه الأهمية على عاتقهم··
حين اتصل بي لكي يسرد هذه الواقعة المخجلة التي عايشها بنفسه، كان يتكلم بحسرة·· وقال حرفيا: 'أنت تتحدث منذ أيام عن تكليف أغلب أولياء الأمور السائقين والشغالات توصيل أبنائهم من وإلى المدارس·· ولكن هل كنت تتخيل أن هؤلاء الآباء والأمهات يقومون بتكليف نفس السائقين والشغالات بحضور اجتماع مخصص لأولياء الأمور والمعلمين الذين سيقومون بتدريس أبنائهم طوال العام الدراسي؟!'
صراحة القول أنني حين سمعت هذه الواقعة، شعرت بقشعريرة تسري في بدني·· فأولياء الأمور المبجلون، الذين لم يراعوا أبسط حقوق أبنائهم التربوية، انصرفوا إلى ملذاتهم وشؤونهم الخاصة إلى درجة أنهم لم يدركوا أن مثل هذا الاجتماع مخصص فقط لتمتين أواصر العلاقة بين البيت والمدرسة، وليس بين جيش السائقين الخاصين والخادمات من جانب والمدرسة من جانب آخر!·