الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«الإضاءة» ثقافة إنسانية واجتماعية

«الإضاءة» ثقافة إنسانية واجتماعية
5 يونيو 2019 01:07

نوف الموسى (دبي)

الثقافة في مجتمعنا المحلي، تحتاج إلى مناقشات تفصيلية، أمام الكم الكبير من الأطروحات العامة. الدخول في المعنى الجزئي للأشياء، وصولاً إلى التكوين الكليّ للفكر والإبداع، ما يجعلنا نتجاوز مسألة اتخاذ منظور «الثقافة»، كونه منتجاً إبداعياً، إلى اعتباره ممارسات تأملية يعيشها الفرد بشكل يومي. السؤال عن «الإضاءة» من حولنا سواء في الشوارع، أو المكاتب، أو المنازل، أو الحدائق والأسواق وغيرها، ليس مجرد فعل فكري هامشي، وإنما يدخل في صلب تشكيل العلاقات الاجتماعية في المجتمعات الحضرية، بل ويعتبره متخصصو تصميم الإضاءة، إبرازاً لأحد أهم الموضوعات الإنسانية وهي (اللامساواة)، خاصةً عند دراسة مجالات «الضوء» المتاح، بين البيئات المتباينة في المدن والأرياف وغيرها، وكيف أن كمية الضوء المتوافرة، وماهية مستوى انفتاحها بين المساحات، يُحدد حركة الفرد واندماجه، وربما استفزازه لخلق الحوار. طوال السنوات الماضية، ناقش الحراك الثقافي، آليات لإرساء الحوار بين مختلف الثقافات، انطلاقاً من توسيع القراءات باتجاه العناصر المحفزة في تشكيل تلك الحوارات، في الأماكن العامة، والانتقال بـ«ثقافة الإضاءة»، باعتبارها معنى اجتماعياً.

تخيّل الإضاءة
المنتج الإبداعي، (الكتاب، المقطوعة الموسيقية، الرؤية التاريخية، المسرحية، الأمسية الشعرية، اللوحة التشكيلية، الزيارة المتحفية)، جميعها توفر قاعدة إبداعية، للحراك الإنساني، والاشتغال على عناصره التفصيلية مثل اللون والضوء والصوت، وتحويلها إلى تجربة في النقاش الفكري، والممارسة اليومية، يمثل تعميق الوعي بتجربة المنتج الإبداعي نفسه، وتوسيع خياراته التأويلية، من قبل المتلقي. فمثلاً يتم النقاش حول مجالس الأحياء السكنية، وأهميتها الثقافية، وأثرها على الهوية، إلا أن طبيعة الإنارة داخل تلك الأحياء، والتي يشبه الكثير منها الإضاءة الرسمية الجادة المحافظة الشبيهة بإنارة الشوارع العامة، لا يُطرح كسؤال إن كان يناسب ما يمكن تسميته بـ«Meeting Point»، مكان الالتقاء والتجمع. وفي مقابلة مع مجلة «Lighthinking» أوضح عالم الاجتماع في كلية لندن للاقتصاد ومدير برنامج الأبحاث «تكوين الضوء/‏‏‏ التدريج الاجتماعي»، دون سلاتر كيف أن نقاش «الإضاءة» وتصميمها بدأ يتخذ مناقشات سياسية واقتصادية إبداعية، ولكنها لا تكفي، ونحتاج الكثير لرفع الوعي اللازم لفهم الإضاءة وانتقادها وإعادة تخيلها.
يتحدث دون سلاتر كيف أن السلطات تنظر لـ«الإنارة» أحياناً على مستوى المعايير والقوانين، بينما يذهب المقيم إلى رؤيتها كونها شيئاً «مشرقاً» أو «خافتاً»، ورغم وجودها في كل مكان، لا يعرف المستخدمون/‏‏‏ المستفيدون تقريباً أي شيء عنها، لذلك اعتمد دون سلاتر، أثناء عملهم على البحوث الاجتماعية، واكتشاف كيفية استخدام الناس لمساحات المدينة، خلال إجراء مقابلات مع الأشخاص في المواقع المختلفة، على معرفة ما يفعلونه، والاطلاع على قصصهم في استخدام الضوء، ورؤية ما يلاحظه الناس حول الإضاءة، ومراقبة مشاعرهم أثناء المشي في الشارع. كما سعى سلاتر وفريقه إلى توثيق الدراسة عبر تصوير المناطق بأكملها في أوقات مختلفة، وملاحظة من هم الأشخاص الذين يكونون موجودين، ومعرفة من هم غير الموجودين، ولماذا هم غير حاضرين؟!

تدوير الضوء
من بين الورش البحثية التي تم الاشتغال عليها، من قبل دون سلاتر وفريقه، واحدة أقيمت في موقع «سوق السيب» في سلطنة عُمان، وجاءت بالتعاون مع الجامعة الألمانية للتكنولوجيا في عمان، واللافت في الورشة، أن المشاركين أغلبهم طلاب. فشكلت الرحلة الميدانية لهم، كما أوضح سلاتر، استكشافاً للسوق الشعبي الذي يتشكل من عدد من المواقع، يروي كل منها قصة مغايرة، وفهماً جديداً لنوعية الحياة في تلك الساحات الداخلية والمخارج الخارجية. وكشفت مخرجات الورشة كيف كانت المجموعة المشاركة متحمسة لتصميم أجسام الإنارة من المواد الموجودة، سواء علب زيت الزيتون المعدنية الكبيرة، والفوانيس وصناديق التعبئة البلاستيكية والخشبية، كما لو كان السوق يتم إعادة تدويره ضوئياً.
اللافت في دراسة الورشة، ما توصل له الباحثون عبر قصص وحكايا الناس وارتباطها الملهم بالسوق، والتي رواها الأشخاص من مختلف الفئات والأعمار، التي عادة ما تكون مرتبطة بالحنين للماضي، والتجربة الحسية للسوق، وفعل الشعور بالملل لدى الأطفال مثلاً عند انتظار آبائهم لإنهاء عملية التسوق، إلى جانب قصص الأشباح في الأشجار التي قد تكون استيقظت عن طريق الإضاءة. وأوضحت الورشة التأثيرات المختلفة لنسب الضوء وتفاعلها مع السوق الشعبي، ومنها مثلاً اختفاء معالم المبنى في السوق ليلاً رغم ميزته المعمارية، بسبب طبيعة الإضاءة، إلا أن جمالية البحث تكمن في التداخل العميق للإرث العماني مع المكان على مستوى صوت الساحل، خاصة أن السوق يمتد على بعد حوالي 30 كم غرباً على طول الامتداد الساحلي من مسقط، وكيفية فهم الإضاءة عبر دراسة روح المكان، ما يعكس التداخل بين الأجناس والطبقات والعادات والتقاليد.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©