القاهرة ـ محمد عز العرب:
تدخل مصر اختبارا سياسيا جديدا يوم التاسع من نوفمبر القادم من خلال انتخاب أعضاء برلمان ،2005 وهو اختبار صعب لأنه سيحدد ملامح المرحلة المقبلة خاصة ما يتعلق بالتعديلات الدستورية، والنجاح فيه يتطلب إجراء انتخابات نزيهة تحت إشراف قضائي كامل والبعد عن ممارسات العنف والبلطجة ووضع حد للانفاق المالي على الدعاية، بحيث يخرج إلى النور برلمان معبر عن الشعب المصري وممثل لإرادته ويختفي من الساحة نائب القروض والنقوط، والتجنيد ومزدوج الجنسية ويسترد النائب صورته التي 'عفا عليها الزمن'·
وفي ندوة 'الانتخابات البرلمانية المصرية المقبلة' التي نظمتها كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة قال عميد الكلية د· كمال المنوفي ان المصريين لم يتفاعلوا مع انتخابات برلمانية منذ عقود مثلما حدث في الانتخابات البرلمانية عام 2000 فقد كانت المرة الأولى لاجراء الانتخابات تحت إشراف قضائي كامل، ولذلك اهتم كثير من المواطنين بمتابعة تأثير هذا الإشراف على نزاهتها، وذهب بعض الناخبين إلى صناديق الاقتراع لأول مرة مستبشرين بدور القضاء·
وذكرأن الانتخابات البرلمانية القادمة من العلامات الفارقة في تاريخ الحياة البرلمانية المصرية لانها أول انتخابات تجرى بعد تعديل المادة 76 من الدستور وإجراء انتخابات رئاسية، وهو ما يتطلب تغييرا وتطويرا في بنية واداء المؤسسات السياسية المختلفة وعلى رأسها البرلمان الذي يقوم بوظيفتي التشريع والرقابة بشكل 'متواضع' مما يجعل التغيير ضرورة ملحة حتى يستعيد البرلمان مصداقيته وشعبيته·
وأضاف ان هذه الانتخابات تأتي في ظل عجز الاحزاب السياسية عن تقديم مرشحين يغطون كافة الدوائر باستثناء الحزب الوطني لدرجة ان احد الأحزاب أعلن عن حاجته لمرشحين في انتخابات البرلمان، وهو ما يؤكد غياب الكوادر السياسية في هذه الاحزاب·
وأشار إلى أهمية الدين في الحملات الانتخابية للمرشحين حيث يلتقون بالناخبين بعد الصلاة خاصة -صلاة الجمعة- لاستثارة الوازع الديني وربط المشاركة الانتخابية بمفاهيم الدين·
وأكد ظهور عدد من المكاتب الاستشارية قبل الانتخابات البرلمانية بهدف تقديم الخدمات للمرشحين ولكنها لم تلق القبول واقتصر تقديم خدماتها على بعض المرشحين في عدد من الدوائر ذات المستوى الاقتصادي المرتفع، كما برزت ظاهرة 'سماسرة الانتخابات' في انتخابات برلمان 2000 من خلال تنظيم اللقاءات الانتخابية للمرشح، ومرافقته في جولاته الانتخابية والقيام بعملية التربيطات داخل الدائرة·
النظام الفردي
وقال ان الأخذ بنظام الانتخاب الفردي في الانتخابات البرلمانية المقبلة له ما يبرره، لانه الاقرب الى تحقيق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص المنصوص عليه في الدستور دون تمييز، ويتماشى مع الروح الليبرالية التي ترتبط بالنظام الديمقراطي التعددي، مشيرا إلى ان نظام الانتخاب بالقوائم الحزبية بما يضعه من شروط يحرم غير المنتمين للأحزاب من فرص الترشيح ويفترض وجود درجة عالية من الالتزام الحزبي، الذي لا يوجد إلا في النظم ذات التاريخ الطويل في الممارسة الديمقراطية·
وقال د· علي الصاوي -مدير برنامج الدراسات البرلمانية بجامعة القاهرة- أنه في مصر، يتم شغل العديد من المناصب بالانتخاب، فيما يتم شغل مناصب اخرى مهمة بالتعيين، ومن أهم المواقع التي يتم شغلها بالانتخاب عضوية البرلمان ومجلس الشورى، والمجالس الشعبية المحلية، وفي مجال الاقتصاد والأعمال: الغرف التجارية، والنقابات المهنية، وفي الحياة الاجتماعية: مجالس إدارات الأندية الاجتماعية والرياضية ومراكز الشباب، ومجالس إدارات الجمعيات الأهلية·· وكذلك في المؤسسات الأكاديمية، كان يتم شغل منصب عمداء الكليات بالانتخاب لكنه أصبح بالتعيين الآن· وأشار إلى ان الانفاق المالي في الانتخابات البرلمانية من أهم العوامل المؤثرة، والمبالغة في هذا الانفاق تؤثر بشدة على تكافؤ الفرص بين المرشحين، لما تتيحه من قدرة للمرشح على التمتع بدعاية انتخابية فعالة واستخدام عناصر قادرة على ممارسة البلطجة والعنف في مواجهة المنافسين وانصارهم، مطالبا بوضع ضوابط للانفاق المالي تحد من تأثيره السلبي على العملية الانتخابية، بحيث لا يتجاوز مبلغا معينا· وأوضح ان الواقع اثبت ان أكثر المرشحين جلبا للأصوات هو من تكون لديه القدرة على تأدية خدمات مباشرة لأفراد الدائرة، بدرجة تفوق أهمية الخدمات التي يقدمها المرشح على المستوى القومي، مطالبا بان تكون افكار المرشح مركزة بشكل شبه كامل على القضايا المحلية، وان يكون لدى المرشح القدرة على حل بعض المشاكل الفردية بالدائرة·وذكر ان هناك أسلوبين للوعود الانتخابية، هما الوعود الطويلة المدى والوعود الوقتية والأولى لا يمكن تحقيقها في الأمد القصير كأن يتعهد المرشح برصف الطرق الترابية في القرية أو يدعو إلى محاربة الرذيلة بين الناس أو يهدف إلى حل مشكلة البطالة في الدائرة· أما الوعود الوقتية فهي تلك التي يمكن للمرشح تحقيقها قبل الانتخابات أو خلالها لأن تنفيذها هو حجر الأساس للدعاية الانتخابية·
وأكد ان القيادة السياسية في مصر مقتنعة بجدوى الاصلاح السياسي والتحول الديمقراطي، لأن التجارب التاريخية توضح ان هذا التحول يحدث في الحالتين انكسار الداخل أو ضغط الخارج·
وقال د· عمرو الشوبكي -الخبير بمركز الأهرام للدراسات- ان انتخابات برلمان مصر 2005 تجري في مفترق طرق زمني في مسيرة النظام السياسي المصري، حيث تأتي في ظل حديث عن أولوية التغيير واعادة تشكيل النخبة السياسية، التي يمثل البرلمان احد المصادر الرئيسية لتكوينها، متوقعا ان يفرز البرلمان القادم تنوعا في الاتجاهات السياسية والخلفيات العلمية والخبرات المهنية لاعضائه، بحيث يكون مليئا بالحيوية والجدية·
وأكد ان التحدي الحقيقي امام قوى الاصلاح في مصر هو استعادة دور النخبة السياسية والاحزاب، موضحا ان معركة الاصلاح السياسي ليست فقط حول مضامين مجردة لتعديل بعض مواد الدستور انما هي لبناء منطق سياسي مختلف يقرأ بصورة نزيهة الواقع السياسي ويسعى بصورة خلاقة لتغييره واصلاحه·
واشار إلى اتساع الهوة بين نخبة تتحدث في السياسة والإصلاح، والجمهور الذي انصرف عن الشأن العام لعجز النخبة عن التواصل معه ويرجع ذلك إلى القوانين المنشئة للأحزاب وغياب الديمقراطية الداخلية بها وحالة الجمود الفكري والتنظيمي التي اصابتها، وهو ما افرز ظاهرة 'المستقلين' في الحياة السياسية المصرية· كما أشار إلى طغيان ظاهرة 'المستقلين' في الانتخابات البرلمانية المصرية· فهناك التكتل الأكبر من هؤلاء المستقلين ويشمل المنشقين عن الحزب الوطني والمستبعدين من قوائمه، وهؤلاء الأكثر تعبيرا عن غياب المؤسسية والتقاليد السياسية في التجربة الحزبية في مصر· وهناك من اضطروا إلى الترشيح كمستقلين لعدم انتمائهم لأحزاب شرعية كنواب جماعة الاخوان المسلمين المحظورة· وهناك مستقلون اختلفوا مع احزابهم أو رفضوا الانضمام إلى الاحزاب القائمة رغم تكوينهم السياسي وهو ما ينسحب على 6 نواب ناصريين نجحوا كمستقلين في انتخابات 2000 وانضم احدهم فقط إلى الهيئة البرلمانية للحزب الناصري وهو حيدر بغدادي· ثم تم فصله من الحزب مؤخرا·
وقال ان ظاهرة المستقلين في الانتخابات التشريعية الأخيرة امتداد لمجموعة من الظواهر الاجتماعية التي يعرفها المصريون في حياتهم اليومية وابرز سماتها 'الفوضى' حيث عبرت الفوضى العارمة في الشارع المصري عن قدرات خارقة لكل فرد ان يفعل ما يشاء وأن يصل بفرديته إلى أقصى الحدود دون الحاجة لأي قاعدة اجتماعية أو قانونية تضبط حركته·
نواب الفوضى
وأوضح ان احد الأسباب الرئيسية وراء صعود نواب الفوضى من المستقلين هو تراجع كفاءة جهاز الدولة وغياب معايير موضوعية في تعيين الموظفين والكوادر العليا والمتوسطة بمسابقات تعتمد الكفاءة خيارها الأساسي· فباستثناء وزارة الخارجية لا توجد مؤسسة أو وزارة في مصر تعتمد أسلوب المسابقات في اختيار كوادرها وكل ذلك ساعد على تحول نائب البرلمان من نائب حزبي له تصور سياسي للدائرة وللمجتمع إلى نائب خدمي هدفه الأساسي الحصول على استثناءات وفرص عمل لأبناء دائرته·
وأكد ان استفحال ظاهرة المستقلين في مصر يعبر عن حالة استسهال يعيشها المجتمع المصري حيث لا توجد قيمة عليا موجهة لحركته، وبدا قيام مرشح مستقل بعد نجاحه بتغيير انتمائه وانضمامه إلى الحزب الحاكم امرا عاديا، فهذا التحول يعني أولا، فشلا في المعايير التي حكمت اختيارات الحزب الحاكم لمرشحيه حيث حصل المستقلون على نسبة كبيرة من المقاعد، كما يعني غياب أي دور للمؤسسة الحزبية، أو المؤسسة كقيمة ومعنى في الحياة السياسية المصرية· وقال: ان الغالبية الساحقة من رجال الأعمال 'المستقلين' تعاملت مع العمل السياسي والمؤسسات السياسية باعتبارها مسائل يمكن شراؤها أو بيعها عند الضرورة، حيث تم توظيف المال في العملية الانتخابية وفي عمليات شراء أصوات الناخبين بمعزل عن أي رقابة قانونية من قبل الدولة، أو الأحزاب السياسية·
وذكر انه من الصعوبة ان نجد حزمة معايير موضوعية تتم على أساسها اختيار النخبة المصرية سواء داخل السلطة التشريعية أو قيادات السلطة التنفيذية، فالخبرة السياسية ليست مجرد شعارات تشترى بالمال ولا مجرد خدمات أو استثناءات تقدم لابناء دائرة انتخابية، انما هي خبرات تكتسب من التواجد داخل المؤسسات الحزبية وعبر علاقة تفاعلية طويلة مع الجماهير تعمقها خلفية علمية من خلال الدراسة في معاهد متخصصة تقدم التكوين العلمي لهذه النخبة السياسية· لكن هؤلاء المرشحين المستقلين اعتبروا الانتماء الحزبي من مخلفات 'الشمولية'، وان الفكر السياسي انتهى عصره، والتكوين السياسي ترف لا لزوم له، واحترام القانون والسعي نحو امتلاك تقاليد مؤسسية تحكم الشارع والانتخابات قيد لا يتناسب مع عصر الخصخصة الجديد·
وأوضح ان انتخابات برلمان 1995 كانت البداية لصعود المستقلين، وجاءت انتخابات 2000 لتعلن انتصارا كاسحا للمستقلين ليس فقط من زاوية اعدادهم الهائلة، انما أيضا بسبب حصولهم -ولأول مرة منذ بدء تجربة التعددية الحزبية في مصر عام 1976- على عدد أكبر من المقاعد التي حصل عليها الحزب الوطني· فقد حصل المستقلون في انتخابات 2000 على 232 مقعدا، وجاء الحزب الوطني في المركز الثاني وحصل مرشحوه الرسميون على 172 مقعدا، وجاء التيار الإسلامي في المركز الثالث وحصل على 17 مقعدا، والتيار الناصري ليقبع في المركز الرابع إذ حصل الناصريون على سبعة مقاعد ثم حزب الوفد سبعة مقاعد، واخيرا التجمع 6 مقاعد· ثم انضم 216 مستقلا إلى الحزب الوطني عقب انتقالهم من مواقع المرشحين إلى مقاعد النواب ليرتفع عدد نواب الحزب الوطني الحاكم إلى 388 مقعدا من أصل ،444 دون حساب 10 مقاعد يعين نوابها رئيس الجمهورية·
وخلص الشوبكي إلى ان ظاهرة المستقلين في الحياة السياسية المصرية 'مركبة' وذات أسباب مختلفة، وهي في مجملها ظاهرة سلبية ترجع لحالة الفوضى واللامبالاة داخل النظام الاجتماعي والسياسي في مصر، أو إلى أزمة الاحزاب السياسية وعجزها عن طرح خطاب سياسي يستقطب الناشطين سياسيا، وأخيرا فهي نتاج غياب الشرعية عن بعض القوى السياسية وعلى رأسها الاخوان المسلمين·
الناخبون ·· وحالة التذيذب
وقال د· صفوت العالم -استاذ الاعلام السياسي بجامعة القاهرة- ان قطاعا عريضا من المصريين لا يرى في الانتخابات البرلمانية والمشاركة السياسية أي فائدة ترجى وان الأمور لا تتغير سواء أدلى بصوته أم لا، وذلك نتيجة ميراث الحكم الشمولي وترسيخ الشخصانية وغياب معنى المؤسسية وان 'الذي نعرفه أفضل من الذي لا نعرفه'، وهو ما أدى إلى اختفاء النائب البرلماني الذي يعشق خدمة المواطنين وتفضيل المصلحة العامة على الخاصة، والذي يقدح زناد فكره للخروج بأحسن التشريعات وأفضل القوانين التي تخدم المواطن البسيط، ويسهر على رقابة الحكومة ومساءلة الوزارة، كما ضاعت أيضا أسس المنهج السليم الذي يطبقه الناخب ليصل بنائب برلماني مؤهل وقادر على رفع اداء جودة البرلمان· ويرى ان مصر تواجه اختبارا ديمقراطيا في الانتخابات البرلمانية المقبلة لانتخاب نواب البرلمان، الذي سيشارك في تعديلات الدستور والتشريعات الجديدة التي ترسخ مفاهيم المواطنة وحقوق الإنسان وتزيل اثار العدوان على الحريات، وان النجاح في هذا الاختبار مرهون بان يدرك كل مواطن ان صوته له قيمة ويحدد نوعية البرلمان بحيث يكون معبرا عن الشعب وممثلا لارادته ومؤهلا للقيام بمسؤولياته التشريعية والرقابية وان تجد الاحزاب والقوى السياسية فرصة متكافئة في هذه الانتخابات بحيث تمثل كافة الاطياف السياسية· وأوضح ان الهاجس الأمني هو الذي يؤرق الناخبين والمرشحين معا، فالشرطة تمنع المواطنين من الادلاء بأصواتهم في بعض الدوائر الانتخابية لصالح مرشح الحزب الحاكم، في حين يحتاج المرشح المستقل إلى 'مقاتلين' لأنه يحتاج إلى 2000 مندوب في لجان الفرز ويتعرضون أحيانا للخطف والقتل·
وأشار إلى العلاقة الخفية بين مديري إدارة الانتخابات ومرشحي الحزب الوطني بحيث يعطونهم شعاري 'الهلال والجمل' للفئات والعمال وهو ما يحقق مركزية الدعاية الانتخابية لصالح مرشح الحزب الحاكم، الأمر الذي يبرهن على افتقاد الحياد والنزاهة والموضوعية·
وذكر ان اغلبية الناخبين المصريين يمكن وضعهم في خانة 'التذبذب'، فلا توجد لديهم توجهات سياسية والتزامات حزبية، وإنما تحكمهم المنفعة الذاتية والمصلحة الشخصية، وان الناخب المصري لا يهمه النائب المثقف أو النزيه أو صاحب الانجازات السابقة وإنما ينتخب النائب الذي يقدم له وظيفة ويدخل اقاربه الكليات العسكرية·
وأكد ان الجاني هو لجنة شؤون الاحزاب السياسية التي حجبت قوى سياسية حية عن نطاق الشرعية واخرجت احزابا عقيمة، داعيا إلى إجراء اصلاح سياسي حقيقي يشمل المؤسسات الرسمية والاحزاب السياسية والنقابات المهنية وان تكون الانتخابات البرلمانية المقبلة طريقا للديمقراطية بدلا من كونها منحدرا للديكتاتورية والتخلف·