يلخص العنوان الرئيسي الذي ظهر في صحيفة هآرتس قبل أيام الدلالة العميقة، التي ينطوي عليها قرار وحدة التحقيقات مع أفراد الشرطة في وزارة القضاء الإسرائيلية ماحش ، إلى ناحية تبرئة الشرطة بِشأن ما حصل من اعتداء على المواطنين العرب في أثناء هبّة أكتوبر 2000 والذي أسفر عن مقتل ثلاثة عشر منهم برصاص أفراد هذه الشرطة·
فقد جاء في هذا العنوان ما يلي: بعد خمس سنوات، أغلق ملف أحداث أكتوبر · بكلمات أخرى أغلق هذا الملف من ناحية إسرائيل· أما مسألة بقائه مفتوحًا من جانب الأقلية العربية فهي تخصّ في أقصى تعديل أبناء هذه الأقلية، أولاً ودائمًا·
في معالجة قديمة لهذا الجوهر أشرنا إلى أن إسرائيل دأبت، في الآونة الأخيرة، على الظهور في مظهر المبادر إلى خطوات ترمي من ورائها إما إلى الحؤول دون قوننة العنصرية أو إلى عدم إخضاع وجود العنصرية الشّاطة وأحكامها في الواقع إلى اختبار القانون· وعلى ما قد يبدو من تنافر بين الأمرين فإنهما موجهان في الأساس إلى عدم المساس بواقع بنيوي على الطريقة الإسرائيلية أصبحت العنصرية في ظله جزءًا لا يتجزأ منه دون الحاجة إلى مظاهر محرجة قد تستدعيها لحظات المجاهرة بهذه العنصرية·
ويسعف هذا الدأب في تقديم تفسير خاص للقرار الصادر عن ماحش على رغم تضاده مع تقرير لجنة أور ، وهو ما أشير إليه في أكثر من تعليق بما لا نحتاج معه إلى عناء التكرار·
في الواقع الذي كان سائدًا في أكتوبر 2000 والمستمر حتى يومنا هذا لا يمكن مقاربة موقف ماحش ، الذي هو موقف الحكومة الإسرائيلية، في معزل عن تاريخيته ، المحددة أساسًا بوضعية الانزياح العام نحو اليمين· وهذه الوضعية لا تنفك تغلب على إسرائيل حاليًا·
مع ذلك فإن حصر التسويغ لموقف الحكومة في تخوم هذه الوضعية هو أقرب إلى التفسير التبسيطي، لكون ذلك يفارق العامل الأهم والأبعد مدى، وهو مبلغ انغراز العنصرية في العمق لدى الغالبية الساحقة من الرأي العام الإسرائيلي، المؤدلجة بالفكر الصهيوني· ولن يكون من السهل في المستقبل ملاحظة أن بعض التعقيبات الصحافية على هذه القضية ستطوّر وسائل دفاع عن فكرة العنصرية وضرورتها لإسرائيل، الآن وهنا، في سبيل الإقناع بها، من جهة وفي سبيل توكيد أهمية قوننتها دون مواربة أو تحرّج، من جهة أخرى، وذلك عبر الاستعانة بالحجج عينها التي تردّ كذلك على عوامل توحيد خطاب المركز السياسي· فهذا ما يحدث عادة عندما تكون إسرائيل عرضة للنقد على خلفية مواقف عنصرية تبدر عنها عيانًا بيانًا، كما هي الحال في قرار ماحش ·
ومن هذه الوسائل المقولة الإطلاقية الذاهبة إلى أن اليهود ليسوا عنصريين ، التي يؤكد أصحابها أنها تكفيهم مؤونة الاستغراق في مزيد من التفاصيل·
هذا الدفاع، الذي يبدو للوهلة الأولى أنه ينمّ عن خفة لا تحتمل، يحمل في ثناياه عدة أفكار تعكس العنصرية المغروزة في العمق· لعل أهمها فكرة المحورية القومية في أحد أكثر أشكالها بدائية· ومن هذه الفكرة فإن الطريق قصيرة جدًا نحو شرعنة العنصرية دون أية غضاضة·
في دلالة طريقها هذه احتلت الفكرة السالفة، تاريخيًا، حيّزًا مركزيًا جدًا في التفكير والتخطيط الصهيونيين· ولا تنفك تنتج أسانيد لها، ليست وليد تباعد الجماعتين بمقدار ما هي وليد العلاقات التي تجمعهما·
داخل هذه الأسانيد لا يزال ثمة موقع بارز لسند التضليل، الذي يعتمد قلب الحقائق رأسًا على عقب، حسبما يتبدى الأمر في التلويح بخطر اختلال الميزان الديمغرافي لصالح الفلسطينيين (وخصوصًا فيما هو متعلق بالوضع داخل الخط الأخضر ، والذي تدحضه حتى الإحصاءات الإسرائيلية الرسمية الأخيرة حول عدد السكان·
قبل فترة قصيرة أثيرت، في نطاق التداول حول عنصرية إسرائيل، ضجة بشأن تخصيص الأراضي العمومية ، وذلك على خلفية اتخاذ الحكومة الإسرائيلية قرارًا يقضي بدعم مشروع قانون طرح في الكنيست وينص جهارًا على عدم تخصيص هذه الأراضي لغير اليهود، أي للعرب، وذلك لكبح جماح قرار صدر عن المحكمة العليا ونصّ على وجوب عدم التمييز (العنصري) في هذا الشأن· لكن الحكومة سرعان ما تراجعت عن دعمها· وحسبنا أن نشير إلى تصريح المستشار القضائي للحكومة آنئذ، إلياكيم روبنشطاين، الذي ذكر أن مشروع القانون المذكور غير ضروري بصورة جوهرية ، في إلماح صافٍ إلى كون الواقع في إسرائيل، الذي يضبط نطاق الأشياء كلها على إيقاع العنصرية المقنعة، كفيلاً كفايته بممارسة التمييز على أساس عنصري بشكل تسقط معه الحاجة لتشريع قوانين خاصة في هذا المجال من شأن تشريعها أن يسيء، كذلك، إلى سمعة إسرائيل ومكانتها الدولية·