الأربعاء 22 مارس 2023 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجزائر تستعيد عافيتها ··وتنافس مصر على القوة الاقتصادية الثانية في افريقيا

14 أكتوبر 2005

إعداد - عدنان عضيمة:
بعد فترة مريرة امتدت لثلاثين عاماً من التطبيق الصارم للاشتراكية، والمتبوعة بفترة عشر سنوات أخرى من الحرب الأهلية التي كتب لها أن تدمر القسم الأكبر من البنية التحتية للدولة، أصبحت الجزائر في حالة من الدوران حول النفس، ودخل اقتصادها في مرحلة 'قضم الأظافر'· ولكنها بدأت الآن تتعافى من جراحها العميقة بسبب العودة القوية للهدوء والشعور بالأمن الاجتماعي مما هيأ الفرصة المناسبة لإعادة قطار الإصلاحات إلى الخط·
وقد هيأ الارتفاع الكبير الذي سجل مؤخراً في أسعار البترول والغاز، الكثير من الفرص أمام الحكومة الجزائرية لعصرنة اقتصادها والذهاب بعيداً في حملات الإصلاح الاجتماعي والقضاء على مخلفات الحرب الأهلية التي اندلعت في أعوام التسعينات وإعادة تأهيل بنيتها التحتية· كما أطلقت مؤخراً حملة لزيادة إنتاجها من النفط والغاز إلى أرقام قياسية جديدة· وقيل إن الجزائر أصبحت تنافس مصر على المركز الثاني كأكبر قوة اقتصادية في أفريقيا بعد دولة جنوب أفريقيا بسبب ارتفاع ناتجها الوطني الإجمالي بمعدل 5,5 بالمئة خلال السنوات الثلاث الماضية إلى أن بلغ 93,5 مليار دولار·
وفيما كانت الحكومة الجزائرية قد وضعت ميزانيتها لهذا العام على أساس أن يكون سعر برميل النفط 19 دولاراً، فإن مجمل عوائدها من تصدير النفط والغاز الطبيعي زاد بأكثر من ثلاثة أمثال القيم المتوقعة· وارتفع رصيد الاحتياطي من القطع الأجنبي مؤخراً إلى نحو 50 مليار دولار أو ما يكفي لتغطية قيمة كل المواد التي تستوردها الدولة لمدة عامين· وأصبحت الشركة الوطنية للبترول والغاز 'سوناتراك' تمثل نموذجاً للنجاح الجزائري في القدرة على إدارة الشركات الكبرى، ولقد أثبت خبراؤها حنكة لا تجارى في وضع استراتيجيات العمل والتعاون مع الشركات التي تستورد إنتاجها من البترول والغاز في كل من أوروبا والولايات المتحدة· وأصبحت 'سوناتراك' أكبر شركة في أفريقيا كلها حيث تشغل 120 ألف موظف وعامل وتبلغ عوائدها السنوية من تصدير النفط والغاز 32,8 مليار دولار، وظهرت مؤخراً شهيتها المفرطة للاستثمار في الدول الأخرى·
وتوقع تقرير للبنك الدولي أن يصل حجم برنامج الإنفاق الحكومي الذي بدأ عام 2004 والذي يهدف إلى عصرنة البنى التحتية العامة للدولة إلى نحو 55 مليار دولار· وأشار إلى أن الإصلاحات الهيكلية الحكومية في الجزائر انطلقت بالفعل وبزخم كبير· ويقول عضو بارز سابق في الحكومة: 'إن الحكومة الجزائرية توجد في الوقت الراهن في أفضل الظروف· ولدينا الآن أكبر فائض في الميزانية بالإضافة لمدخرات مالية تفوق بكثير معدلات إنفاقنا· وكل ما نحتاجه الآن هو البحث عن الأدوات التي تكفل لنا نجاح الإصلاحات'·
ونقلت الفايننشيال تايمز عن خبير جزائري في الأسواق قوله أنه فيما أصبحت أسواق الأسهم في أماكن أخرى من منطقة الشرق الأوسط تنعم بفترة من النشاط والازدهار، فلقد كان الجزائريون منهمكين في البحث عن من يمكنه أن يوقف 'النزف المالي' للبلاد بسبب الفساد وارتفاع قيمة الديون الخارجية· ولا يتوفر في الجزائر الآن إلا القليل جداً من الأسهم التي يمكن تداولها، كما أن سوق الأسهم هناك لا تفتح أبوابها إلا بمعدل 4 ساعات في الشهر·
ويضاف إلى كل ذلك بطء المعاملات المالية وتعقيدها الشديد· ويشير تقرير كتبه الخبير الاقتصادي وليام واليس إلى أنه يتعين على المرء أن يقضي أسابيع كاملة حتى يتمكن من تحويل أو صرف شيك عبر النظام البنكي الجزائري الذي عفا عنه الزمن وأصبح مهترئاً وفقاً للمعايير العصرية الراهنة· ومما يزيد من هذه المشكلة تعقيداً أن 90 بالمئة من المعاملات المالية التي تتم في الجزائر تتكفل بها البنوك المملوكة للدولة والغارقة حتى الآذان في عجز يعود في سببه لتقديم قروض غير مضمونة للشركات الحكومية الخاسرة بهدف نفخ الروح فيها· وهذا ما دفع الدولة لتبني سياسة خوصصة الشركات الحكومية الكبرى حيث أدرجت نحو 1200 منها في قائمة الخصخصة·
وأمام هذا الوضع المفعم بالمتناقضات، أشار اقتصادي جزائري يحتكم إلى ما يربو على ثلاثين عاماً من الخبرة في ميدان التحليل الاقتصادي الدولي، إلى أن هذه الفترة تعد مثالية بالنسبة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة لإطلاق حملة واسعة النطاق لعصرنة وتحديث البنى التحتية في عموم البلاد والانطلاق في المشروع التطوري القادر على إنقاذ هذه البلاد الغنية بمواردها الطبيعية من واقعها المحبط الراهن· وكان للعودة النسبية للاستقرار السياسي أن تحثّ بعض الشركات الاستثمارية العالمية على تجريب حظوظها في الجزائر· واستهل الأميركيون هذه الفرصة السانحة بالدخول من بوابة الاستثمار في الصناعات الدوائية والصيدلانية فيما عثرت بعض الشركات التي جاءت من جنوب أفريقيا على فرصتها المتاحة في إقامة محطات لتحلية مياه البحر· وكان الأحرى بالفرنسيين الذين استعمروا الجزائر لمدة 132 عاماً ألا يفوّتوا الفرص المتاحة للاستثمار هناك حيث قررت شركة 'ميشلان' لصناعة الإطارات والتي أغلقت مصانعها في الجزائر عام 1993 بسبب الحرب الأهلية، العودة إليها وبناء مصنع ضخم هناك ينتظر أن يشغل 500 عامل· ويمكن لزائر العاصمة الجزائرية الآن أن يلاحظ كثرة النشاطات التجارية التي يمارسها الأجانب، بما يوحي بوضوح بالسياسة الانفتاحية الجديدة التي تتبناها الدولة·
وربما كان الأهم من كل ذلك هو ظهور بعض الأفكار الاقتصادية الليبرالية عند الكثير من الوزراء وأصحاب القرار· ومن ذلك مثلاً أن وزير النفط الجزائري تقدم مؤخراً إلى مجلس الشعب 'البرلمان' بمشروع قانون جديد أطلق عليه اسم 'قانون الهيدروكربونات' الذي يهدف إلى وضع حد لاحتكار شركة 'سوناتراك' للصناعة النفطية وإفساح المجال أمام الشركات الأجنبية للإسهام في التنقيب عن حقول جديدة وزيادة الإنتاج الحالي من البترول والغاز· وفي مجال الاتصالات، أعطت الوزارة المتخصصة الضوء الأخضر لشركات تشغيل الهاتف الخليوي وفي مقدمتها شركة 'أوراسكوم' المصرية للاستثمار في الجزائر·
وعمدت الحكومة الجزائرية أيضاً إلى خصخصة اثنتين من كبريات المؤسسات المالية والخدمية هناك وهما 'بنك القرض الشعبي الجزائري' الذي يعد واحداً من أهم البنوك في الدولة، ومؤسسة الاتصالات الجزائرية· ويرى المحللون في هذا التوجّه بداية مرحلة جديدة ترفع فيها الدولة وصايتها على العديد من المؤسسات والشركات التي أثبتت عجزها عن تحقيق العوائد المرسومة لها في ظل أسلوب التسيير الاشتراكي·
ويتوقع الخبراء أن تشهد الجزائر المزيد من مثل هذه التوجهات الاقتصادية الإصلاحية وعلى مختلف الأصعدة بعد أن وعى السياسيون وأصحاب القرار أن الفرصة أصبحت مواتية بسبب توفر الاحتياطات النقدية، وأنه لم يعد أمامهم من خيار آخر سوى العمل على استغلالها·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الاتحاد 2023©