ملف من إعداد - أيمن جمعة:
من يطالع أخبار سوق النفط قد يعتقد للوهلة الأولى أن مسا من الجنون قد أصاب العالم فهناك طلب دولي عنيف على النفط وبمعدلات غير مسبوقة، والدول المنتجة تضخ بطاقتها القصوى، والأسعار تتسابق نحو مستويات لم يكن أحد يتوقعها على المدى المنظور· ووسط الذعر الغربي مما يقولون إنه 'أزمة سعرية'، بدأنا نتحدث عن انتهاء عصر 'النفط الرخيص' والوصول إلى مستوى 80 دولارا للبرميل، وهو بالمناسبة يقل عن الأسعار الحقيقية للنفط في الثمانينيات!
وبعيدا عن جدل الأسعار، والطاقة الإنتاجية، ومستقبل الاحتياطيات التي يحاول الغرب إقحامنا فيها على أنها هي الأسباب الحقيقية للأزمة، فإن نظرة سريعة على أوضاع السوق وآلياته تكفي لكي ندرك أن تقلبات السوق الحالية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بصناعة النفط أو العوامل الأساسية لتجارة النفط وفي مقدمتها التوازن بين العرض والطلب· الأسباب الحقيقية للازمة كلها قادمة من الغرب بداية من ضرائبه الباهظة على استخدام مشتقات النفط مرورا بعجز الطاقة الإنتاجية لمصافي التكرير ووصولا إلى ألاعيب المضاربين في البورصات العالمية تحت سمع وبصر وكالة الطاقة الدولية التي خرجت للوجود بهدف أساسي هو تحويل النفط إلى مصدر ثانوي للطاقة· وتكمن المفارقة الساخرة في أن المستفيد الرئيسي من ارتفاع الأسعار هي الدول المستهلكة وليست المصدرة، فقد كشف تقرير لقسم الأبحاث في منظمة 'أوبك' أن الدول الصناعية السبع الكبرى تجمع إيرادات من خلال ضرائب النفط تصل إلى 320 مليار دولار سنويا، ما يعادل أربعة أمثال مكاسب دول 'أوبك' من صادرات النفط·
ويحاول الغرب التملص من مسؤولياته، فيسارع لإلقاء اللوم على الدول المنتجة مطلقا تحذيراته من خطورة ارتفاع الأسعار على مستقبل النمو الاقتصادي العالمي، وهذه واحدة من 'الأكاذيب الكبرى' التي يحاول الغرب ترويجها، وذلك لسببين: الأول انه لا توجد 'علاقة مباشرة' بين النفط ومعدلات النمو، والثاني انه لم يحدث على مدى التاريخ الصناعي أن تسببت أسعار 'الذهب الأسود' في ركود اقتصادي خاصة أن الزيادة الحالية ليست الأعلى على الإطلاق·
سجل النفط عدة قفزات سعرية مفاجئة، وسط توقعات بان هذه 'الفورة النفطية' ستستمر لبعض الوقت وتدفع الأسعار نحو حاجز 80 دولاراً للبرميل، وذلك لعدة عوامل في مقدمتها المخاوف من تناقص الطاقة الإنتاجية، والطاقة المحدودة لمصافي التكرير، وتراجع مستويات المخزونات الدولية بصورة غير طبيعية، وصعوبة التوسع في البنى التحتية النفطية مثل منصات الحفر، اضافة إلى الطلب العنيف من الأسواق الآسيوية الناشئة وفي مقدمتها الصين التي تجاوزت اليابان لتصبح ثاني اكبر مستهلك للنفط في العالم، مرورا بحالة عدم اليقين في دول رئيسية منتجة للنفط مثل فنزويلا ونيجيريا، ووصولا إلى توقعات صندوق النقد الدولي بنمو اقتصادي عالمي بنسبة تتراوح بين 4 و5% خلال عام ·2006
ويرى بعض الخبراء أن سعر 80 دولاراً للنفط ليس 'صعباً ولا مستحيلاً '، لان هذا السعر يقل عن الأسعار الحقيقية للنفط في أوائل الثمانينيات، وهو أيضا سعر 'عادل' لأنه ضعف السعر النقدي الذي كان عليه النفط قبل 21 عاماً مع الوضع في الاعتبار أن أسعاراً كثيرة من المواد الخام تضاعفت خلال تلك الفترة· وينتاب الغرب هلع شديد مع أي زيادة سعرية، رغم انه لم يحدث على مدى التاريخ الصناعي أن أدى ارتفاع أسعار النفط إلى حدوث ركود اقتصادي، كما انه لا توجد 'علاقة مباشرة' بين ارتفاع الأسعار وآفاق النمو العالمي بل هي 'علاقة غير مباشرة' تنبع من دائرة أن ارتفاع أسعار النفط يؤدي - في حالة فرض ضرائب باهظة على استخدامه- إلى ارتفاع التضخم وارتفاع أسعار المواد الخام وبالتالي ارتفاع أسعار السلع المنتجة مما يؤدي الى تراجع الطلب وتقلص انخفاض طفيف في معدلات النمو لكن ليس بالدرجة التي تؤدي إلى حدوث ركود· وما زلنا نتذكر تحذيرات البنك الدولي من أن ارتفاع سعر برميل النفط بقيمة 10 دولارات في عام واحد، يؤدي لتقلص معدل النمو العالمي نصف نقطة مئوية، وفي ضوء هذا التحذير لابد أن يكون الاقتصاد العالمي قد أصيب بانتكاسة مروعة بالنظر إلى القفزات المتتالية في الأسعار منذ عام ·2000 وهو ما لم يحدث· ويخلص المراقبون من ذلك إلى أن الربط بين النمو الاقتصادي في الغرب وسعر النفط الخام أصبح واهياً للغاية، وأبسط دليل على ذلك أن بعض الدول الغربية حققت ازدهاراً والبعض الآخر ركوداً اقتصادياً، دون وجود اختلاف ما بين أوضاعها فيما يرتبط باستيراد النفط الخام ·
سلعة استراتيجية
هناك عدة عوامل دفعت النفط للتحول من مجرد مصدر أساسي للطاقة، إلى 'سلعة استراتيجية'، ستظل - ولفترة طويلة- العمود الفقري للاقتصاد العالمي، ما دام إنتاج بدائل طاقة صديقة للبيئة سيستغرق أمداً ليس بالقصير· وفي مقدمة هذه العوامل تزايد الطلب الدولي على مشتقات النفط بنسبة 3,4 %، بفضل الزيادة الحادة في الطلب الصيني على النفط لتوليد الطاقة ووقود السيارات· أضف إلى ذلك ما تشهده أميركا، المستهلك الأول للنفط عالمياً، من أنماط استهلاك مدعومة بارتفاع متوسط الدخل، بما في ذلك استمرار الهوس بامتلاك السيارات ·
لكن هذا لا ينفي أن السنوات الأخيرة شهدت اختلالاً في التوازن السوقي، فقد زاد الطلب والإنتاج، وارتفع أيضاً وفي نفس الوقت الأسعار لتصل إلى حد لم يكن أحد يتوقعه على المدى المنظور· وهنا يشير المراقبون إلى انه رغم الذعر العالمي من الزيادة الحالية فإنها ليست الأعلى على الإطلاق، فقد قفزت في الثمانينيات إلى 70 دولاراً بسبب الحرب العراقية الإيرانية، قبل أن تنهار إلى سبعة دولارات، وفي النصف الثاني من التسعينيات ارتفعت بشدة ثم تداعت إلى عشرة دولارات، ما يكشف مدى هشاشة سوق النفط التي تتأثر بنطاق لا نهائي من العوامل يشمل الحروب والمواجهات العسكرية مروراً بالمضاربات والمخاوف النفسية وحتى أحوال الطقس· وبمعنى آخر فهو السلعة الوحيدة التي تتأثر بكل شيء·
وتفيد الاحصائيات الدولية أن أوبك رفعت إنتاجها من 23,5 مليون برميل يومياً في ابريل 2004 إلى 28 مليون برميل في يوليو الماضي، ومع ذلك فإن سعر البرميل قفز أكثر من 29 دولاراً للبرميل خلال عام ،2004 ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يرتفع السعر مجددا بنسبة 43,6 % ليصل إلى ما متوسطه 54,23 دولار للبرميل يومياً في عام ،2005 وان يصعد بنسبة 13,9 % إلى 61,75 دولار في ·2006 ورغم هذه الزيادة فإن النفط سيظل 'المصدر الرئيسي' الذي يوفر 38% من احتياجات الطاقة الدولية، وأن يزداد الطلب الدولي عليه بنسبة 1,9 % سنوياً·
ويعزو الخبراء عدم استقرار السوق حالياً بما في ذلك الارتفاع المستمر في الأسعار إلى جملة من العوامل تبدأ من تحليل أوضاع العرض والطلب مروراً بالاعتبارات السياسية والأمنية والتقدم التكنولوجي في علميات الاستكشاف والإنتاج وصولاً إلى الظواهر الطبيعية لكن الخبراء وفي مقدمتهم كلود مانديل، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية يستبعدون أن يكون السبب الرئيسي هو نقص المعروض في السوق العالمية، أي أن الكرة ليست في ملعب المنتجين ·
وفي الحقيقة، لا يمكن للمنتجين القيام بخطوات جوهرية لتهدئة الأسواق، فمعظم دول أوبك، ما عدا السعودية، تنتج بطاقتها الكاملة منذ بداية ·2004 والمساعدات التي تبرّعت بها بعض دول المنظمة لمساعدة أميركا خلال أزمة إعصار كاترينا تم توفيرها من خلال تحويل بعض المبيعات من آسيا إلى أميركا، أو بشرائها من السوق الآسيوية وتحويلها إلى السوق الأميركية· وبالنسبة لمطالب زيادة الإنتاج، فهي تصريحات سياسية وإعلامية في الأساس لأن المشكلة لا تكمن في زيادة إمدادات النفط الخام، بدليل انه رغم استعداد بعض الدول المنتجة لزيادة صادراتها فإن الشركات عموماً، لم تبدِ رغبتها في شراء كميات نفط إضافية·
وحدث الأمر نفسه مع المخزون الاستراتيجي الأميركي، فرغم أن الحكومة الأميركية، دعت شركات النفط إلى السحب من المخزون، فإن الكميات التي سُحبت كانت محدودة جداً· لماذا؟ لأن مصافي التكرير الأميركية تعمل منذ أكثر من عامين بطاقة تصل لنحو 95 %· ومع اغلاق العديد من هذه المصافي نتيجة اعصاري كاترينا وريتا، لم تعد هناك فائدة من شراء نفط خام اضافي في ظل عدم توافر المصافي الكافية لتكريره· فالمشكلة اذن كانت في طاقة مصافي التكرير لا في المعروض من النفط ·
تيار غربي
وفي خضم هذه الصورة، نجد أنفسنا أمام 'تيار غربي' يحاول تصوير الأزمة على أنها مجرد علاقة بين العرض والطلب وصولاً في نهاية الأمر إلى إلقاء المسؤولية بالكامل على المنتجين ومحاولة تصويرهم بأنهم عقبة كؤود في وجه النمو الاقتصادي العالمي بل والتنمية البشرية بأسرها· وهذا هو السيناريو المعتاد في كل مرة ترتفع فيها الأسعار حيث توجه أصابع الاتهام بشكل فوري نحو الدول المنتجة للنفط وخاصة منظمة أوبك بوصفها السبب الرئيسي في الارتفاع· وهذا التبسيط أو التسطيح في العرض يغفل أن الأسعار الحالية هي 'الضريبة' التي يدفعها العالم مقابل النمو الاقتصادي المطرد الذي أدى لزيادة استهلاك النفط والطلب عليه في عدة مناطق خاصة الدول الآسيوية الناشئة وفي مقدمتها التنين الصيني ·
وقد أخذ هذا الطلب المرتفع الجميع على حين غرة بما في ذلك أعلى خبراء السوق النفطية خبرة وعلماً· هذا رغم أن الأصوات الجديرة بالاستماع إليها بما في ذلك الدول الكبيرة المستهلكة للنفط، تؤكد أن تأثير الارتفاع على الاقتصاد العالمي محدود جداً· كما أن الدول المنتجة تؤكد أن القفزات السعرية لا تخدمها بشكل مطلق، لأن تجارب الماضي أظهرت أن مثل هذه الأسعار المرتفعة سوف تؤدي عاجلاً أو آجلاً إلى حدوث انهيار، ومن ثم فإن من مصلحة المنتجين الحفاظ على طلب عالمي صحي على النفط عبر مستوى أسعار منصفة لا يؤثر سلبياً على الطلب ·
ويقول كثيرون ومنهم روجر ديوان، المدير الإداري لمجموعة الأسواق والبلدان بشركة 'بي اف سي انرجي' إن هذا التيار يقف من ورائه سياسيون يستهدفون تحقيق سياسات معنية دون مراعاة لحساسية السوق النفطية ومحدودية احتياطياته· ولا ينسى المتابعون ما حدث في اجتماع وزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية لدول مجموعة السبع في أكتوبر عام 2004 عندما حذروا من أن 'ارتفاع أسعار النفط يشكل تهديداً للاقتصاد العالمي'، وطالبوا الدول المنتجة برفع سقف الإنتاج لأن زيادة الأسعار تهدد الاقتصاد الأميركي تحديداً والاقتصاد العالمي بصورة عامة· لكن رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي آلان جرينسبان سارع بالتقليل من شأن التأثيرات السلبية لارتفاع أسعار النفط على الاقتصاد ونفى أن تتسبب مستويات الأسعار المرتفعة في حدوث ركود اقتصادي ·
وحاول البعض أن يصف هذه التصريحات بأنها تستهدف دعم الرئيس جورج بوش عشية فوزه بفترة رئاسية ثانية، وهو أمر لا يمكن أن ينكره أحد لكن تبين فيما بعد أن جرينسبان كان يقول الصدق تماماً من الناحية الاقتصادية· فعندما اجتاح إعصار 'كاترينا' مجمع الطاقة الاستراتيجي الاميركي على خليج المكسيك لترتفع أسعار النفط ومشتقاته، خرج المسؤولون الاميركيون ليؤكدوا أن الكارثة الطبيعية لن يكون لها تأثير كبير على النمو بل إن جهود اعمار المنطقة المنكوبة ستقدم دفعة يحتاجها الاقتصاد بقوة ·
ويرى كلود مانديل، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، أن تخفيف تعطش العالم إلى النفط يتطلب استثمار أموال ضخمة في تقنيات حديثة تتيح تحويل الاحتياطيات غير المثبتة إلى مثبتة، موضحاً أن استمرار المؤشرات الحالية يعني تضاعف الطلب على النفط بنسبة تزيد على 50 % بين عامي 2002 و،2030 وان الإسراع بتطوير التكنولوجيا هو الحل الرئيسي لإمداد العالم بما يحتاجه من كميات بأسعار لا تعرقل نمو الاقتصاد العالمي ·
وتزايد الطلب على النفط ، يستلزم البحث عن وسائل مبتكرة لرفع الطاقة الإنتاجية الدولية بمقدار 42 مليون برميل عن مستوياتها في 2002 (80 مليون برميل يومياً) حتى نستطيع تلبية الطلب العالمي في عام ·2025 وتتعلق الأنظار بدول أوبك لتقديم الجانب الأكبر من هذه الزيادة وسط توقعات بأن المنظمة تستطيع تقديم 60% من الزيادة المطلوبة· والسوق تدرك جيداً أن هذه المنظمة التي تسيطر على احتياطيات ضخمة تستطيع زيادة إنتاجها بنسبة 2,7 % سنوياً ليصل إلى 46,8 مليون في 2015 وإلى 52,7 مليون برميل يومياً عام ·2025
نضوب تدريجي
هناك تقديرات بأن يصل إنتاج النفط إلى ذروته عام 2010 ليبدأ بعد ذلك رحلة 'النضوب التدريجي' لكن عبارة 'نفاد النفط' تواجه بانتقادات عنيفة من بعض خبراء الطاقة الذين يستدلون على ذلك بالتزايد المستمر في الاحتياطيات الدولية التي يمكن استخراجها، فقد ارتفعت من 0,6 تريليون برميل في الأربعينيات إلى تريليوني برميل في الستينيات والسبعينيات وعلى 3,3 تريليون برميل حسب أحدث بيانات المسح الجيولوجي الاميركي· ويعزى هذا الارتفاع بشكل أساسي إلى تحسن البيانات المتاحة وتطور تكنولوجيا أنشطة المنبع التي أدت اكتشافات كبيرة خاصة في أعماق البحار والمحيطات· ويرى أنصار هذا الرأي أن معدل الإنتاج مقارنة بالاحتياطي مستقر عند 30 % تقريباً منذ الثمانينيات·
وعلى الجانب الآخر هناك كثيرون يرون مشكلة حقيقية في الاحتياطيات التي من المتوقع في ضوء معدلات الإنتاج الحالية أن تنفد خلال 100 عام تقريباً في حين يحذر البعض من أنها قد تندثر قبل ذلك بكثير، ويشيرون إلى أن 77% من الاحتياطيات الحالية لا يمكن الوصول إليها باستخدام التقنيات الحالية، أي أنها احتياطيات مثبتة لكن يصعب استخراجها· كما يرفض خبراء جيولوجيا النفط العالميون ما يردده البعض من أن احتياطات النفط ارتفعت خلال السنوات العشرين الماضية ويصفون الزيادة بأنها وهمية بل يؤكدون أن العالم لم يتمكن من تعويض ما استخرج من الزيت الخام على مدى السنوات العشرين الماضية· ويفيد تقرير لمجموعة (IHS Energy Group)- أن 12 دولة مسؤولة عن إنتاج ثلث الإنتاج العالمي من النفط لم تستطع خلال عشر سنوات (من 1992 إلى 2001) تعويض ما نضب من احتياطياتها إلا بنسب ضئيلة· وتكون المحصلة أن العالم قد يواجه بحلول عام 2020 عجزاً قدره 19 مليون برميل يومياً · ويشير الخبراء إلى انه في ضوء حقيقة أن إمدادات النفط 'محدودة' فإن ثقل منظمة أوبك سيتركز في منطقة الخليج العربي خاصة الإمارات والسعودية والكويت، ما جعل البعض يطالب 'أوبك' بأن تبدأ فعلياً في نقل مقرها إلى أبوظبي· وبدأت هذه الصورة تكشف عن نفسها في صورة تراجع الاستثمارات الموجهة لتوسيع الطاقة الإنتاجية للنفط، إذ يشير تقرير حديث لمؤسسة (Merrill Lynch) إلى أن تكلفة العثور على النفط وتنميته ارتفعت منذ منتصف التسعينيات بمعدل 10% سنوياً في المتوسط·
وفي جميع الأحوال لابد من الإشارة إلى أن معدلات الاستكشاف تراجعت من 353 مليون برميل في السبعينات إلى 107 ملايين برميل سنوياً منذ عام 2000 حتى الآن حسب تقديرات مورجان ستانلي· وينصب الاهتمام اليوم على تطوير حقول في دول مثل أنجولا ونيجيريا وترينيداد أو جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق لكن الانتقال إلى مواقع إنتاج جديدة يرتب تكاليف إضافية، فالمنطقة النفطية الواقعة في بحر الشمال أو خليج المكسيك مثلاً عبارة عن شبكة من الآبار المتباعدة تشترك معظمها في المحطة نفسها ومعمل التكرير والمعالجة وخط الأنابيب وغيرها من المعدات باهظة التكاليف، وفي بحر الشمال تحاول شركة مثل توتال الحفاظ على مستوى إنتاجيتها من خلال ضم حقول جديدة تم اكتشافها بالأقمار الاصطناعية إلى شبكتها الراهنة من الحقول والآبار·
لا غنى عن النفط
وربما يكون من أهم نتائج القفزات السعرية النفطية، القناعة التي توصل إليها العالم من انه لا غنى عن النفط· فقد شهد الغرب محاولات جادة للحد من استعمال الطاقة الهيدروكربونية وترشيدها، بما في ذلك مشاريع استعمال سيارات اقتصادية في استهلاك الوقود، وسن قوانين لترشيد استعمال المنتجات البترولية، وصولاً إلى توفير اعتمادات ضخمة لدراسات استغلال طاقة الهيدروجين وغيره من المصادر المتجددة· لكن هذه المحاولات لم تنجح حتى الآن في توفير بديل يمكن استخدامه على نطاق واسع بشكل تجاري· كما أن محاولات الإدارة الأميركية تنويع مصادر إمدادات النفط وتقليص الاعتماد على منطقة الخليج بما في ذلك إيجاد مصادر نفط داخلية خاصة في منطقة آلاسكا ومن دول الجوار (كندا وفنزويلا والمكسيك)، اضافة إلى منطقة بحر قزوين، لم تحقق سوى نجاحات محدودة وضيقة النطاق· يبدو إذن أن أسعار النفط المرتفعة تحولت إلى واقع يجب أن يتعايش معه العالم سواء أضرت بالنمو الاقتصادي أو لم تضر·