الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

هؤلاء وسطاؤنا للتعرف إلى متصوفة الشعراء

هؤلاء وسطاؤنا للتعرف إلى متصوفة الشعراء
3 يونيو 2019 00:15

ساسي جبيل (القيروان)

التأمت، ببيت الشعر بالقيروان، مسامرة رمضانية خُصصت لتطارح أثر التصوف في الشعر العربي، قديمه وحديثه. وأدار الجلسة الدكتور حاتم الفطناسي، مدير مركز تونس الدولي للحضارات، حيث مهد للمسامرة ببسطة تاريخية عن المضامين المميزة للخطاب الصوفي وباستدعاء أهم الأعلام الذين صاغوه.
ثم تدخل الدكتور المعز الوهايبي، أستاذ فلسفة الجماليات بجامعة القيروان، فكانت مداخلته بمثابة التأصيل النظري لمحور المسامرة. فذكر بأن التصوف لئن كان وثيق الصلة بالدين، بل مشروطاً بضرب من الاستفاضة في الإيمان إلى درجة تحويله من طقوس وعبادات إلى احتفالية هائلة؛ فإن ما يعنيه هو ما يتعلق منه بالقول الشعري لدى العرب قديماً وحديثاً.
وأشار إلى أن التصوف يلج إلى دائرة الشعر العربي الحديث، منذ أواسط القرن العشرين، عبر وسطاء؛ أعلام الصوفية رهن بمكتشفيهم: الحلاج، وسيطنا إليه ماسينيون. والنفري، وسيطنا إليه أدونيس. وربما جاز القول أيضاً إن ابن عربي لم تتعزز مكانته إلا عبر هنري كوربان كوسيط إليه. ثم أشار إلى أن الاقتضاء المنهجي يدفعه إلى الاحتكام إلى نموذجين هما الحلاج ونزعته الحلولية وابن عربي ونزعته الفيضية. وقارن بين منجزهما الشعري وبين منجز الشعراء المعاصرين لهما، خالصاً إلى أنهما لم ينشدا أن يكونا شاعرين. وإنما تجربتهما هي التي مثلت إمكاناً شعرياً للقصيدة العربية الحديثة. وقد تمثل بنماذج من شعر أدونيس والبياتي وعبد الصبور.
وكانت المداخلتان المواليتان بمثابة الاختبار التطبيقي لبعض النصوص الشعرية لدى المتصوفة العرب. فتدخل الدكتور سالم بوخداجة، أستاذ الحضارة والآداب العربية بجامعة سوسة. وقد تناول قصيدة لواحد من كبار كتاب العربية باعتباره قد ترك تراثاً ضخماً، مبيناً أن اللافت في عمل ابن عربي هو مزاوجته بين الكتابة النثرية والكتابة الشعرية التي تجلت خاصة في ديوانه المعروف «ترجمان الأشواق». وهذه المزاوجة هي التي دفعت للبحث عن السبب الذي جعل هذا المتصوف يلجأ إلى الشعر إلى جانب النثر. فهل لأن النثر عاجز عن أداء ما يمكن للشعر أداؤه من المعاني؟ أم هل أن اللغة الشعرية أنسب للتصوف وأعلق به؟ وقد سعى من أجل الإجابة عن ذلك إلى تفحص قصيدة من «الترجمان»؛ إذِ استوقفه إيقاعها المتميز وشعريتها المخصوصة ومطلعها. وهي القصيدة التي مطلعها:
وزاحمني عند استلامي أوانسُ
أتين إلى التطواف معتجراتِ
وهي قصيدة معارضة لقصيدة شهيرة في الشعر العربي القديم لأبي عبدالله النميري، الشاعر الأموي الذي تغزل بأخت الحجاج ابن يوسف في قصيدة له شهيرة مطلعها:
تضوع مسكاً بطن نعمان إذ مشت
به زينب في نسوة عطراتِ
ونوه الدكتور بوخداجة بالتعالق النصي بين القصيدتين، من حيث هو يكشف عن سر من أسرار الكتابة الشعرية الصوفية التي لا تنطلق كما قد نعتقد من تجربة وجودية ذاتية يعيشها الشاعر فيعبر عنها. وإنما هي كتابة متولدة من كتابة سابقة عليها تترسمها وتبني على منوالها وتحتذيها؛ مستخلصاً من ذلك أن الشعر الصوفي لا يمثل، بالضرورة، قطيعة تامة مع الشعر الدنيوي (هذا إذا اعتبرنا التجربة الصوفية تجربة تقطع مع الدنيوي وتغرق في الديني فقط).
أما الدكتور المهدي المقدود، أستاذ النقد الأدبي بجامعة القيروان، فقد أكد أن أعلام التصوف كتبوا الشعر وغير الشعر ولم يقصروا جهودهم عليه وحده إلا مفرداً واحداً منهم أو يكاد هو عمر بن الفارض. وليس يعود الأمر إلى ما خلف من آثار فحسب، وإنما يعود خاصة إلى صورته عند القدماء ومجرى سيرته في كتبهم. فإذا كانت صفات الآخرين معقودة خاصة على المذهب، فإن صفته في هذه التصانيف تولي الشعر منزلة غير تلك التي تعودنا عليها عند غيره.
ولفت الباحث إلى عناية ابن الفارض بتجويد الصياغة وإيلائه للانتظامات الصوتية منها خاصة منزلة سامية، ولكن هذه العناية تثير إشكالية مربكة من إشكاليات قراءة الشعر. فقد اعتُبر البديع، ولا سيما إذا كثر وتشبعت الأقوال به، علامة على التكلف وقرينة على التفات الشاعر إلى اللفظ دون المعنى، بل على تضحيته بالمقاصد من القول من أجل موازنة مناسبة مثلا. فهذه الأساليب، متى أكثر منها الشاعر وتعمد الإتيان بها، قيود لا تسمح بالحرية التي ينشدها ولا بالانطلاقة التي يرتجيها من أجل بوح حقيقي وتعبير صادق عن النفس وأحوالها. وقد أثار تبعاً لذلك جملة من الإشكاليات، من بينها: كيف إذا كان الشعر صوفياً يناجي الذات الإلهية ويُجهد النفس على أن تقرُب إليها وتحل فيها أو تتحد بها؟ وكيف تستقيم الكناية عن حبها بالمرأة مرة وبالخمرة أخرى مع هذا الذي قد يستدعيه الإفراط في البديع من خروج عن السمت وعقْد معانٍ لم يقُدْ إليها إلا اتفاق اللفظ؟ بعبارة وجيزة: كيف للشاعر أن يكون في الآن نفسه متكلف العبارة عفوي الدلالة؟

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©