حرصت الشريعة الإسلامية، على نشر نبل الإنسان في كل صقع ووادي فنشرت رسلها من لدن آدم حتى بعثة خاتم الرسالات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، تدعو إلى الفضيلة وتنهى عن الرذيلة تحض على التراحم وتنفر من التخاصم بسطت موارد العطاء في لحظة وساعة وليلة ويوم وأسبوع وشهر وسنة، موارد سقي للروح الإنسانية، تلك الروح صاحبة الموارد السامية والأخلاق الأريحية، وإنما من عظيم النعم أن جعل الله لها أوقاتًا تتغذى منها كي تؤهل للوقوف في سرادق الحضرة لتكون من أهل الفيض والنظرة·
تقلدت تلك الروح بأداء تلك الصلوات الخمس في اليوم والليلة وأداء الفرض والنفل والواجب والمندوب تدور مع عجلة الزمن في ملك العطاء مع انتشار رحمة الحق بين قبض وبسط حتى يتحفها الكريم بكرمه من أول يوم من رجب ذلك الشهر الحرام المتميز عن الأشهر الحرم بالفردية لذا كانت مظاهره فردية فكان شهر الإسراء والمعراج خصوصية فردية تميز بها رجب وتميزت به وخص به صاحب المزية والرتبة العلية فكانت الاستغفار شعاره والإكرام مساره يختم ببزوغ هلال شهر شعبان شهر التهيئة فكان الصلاة على رسول الله ذكره ومراده والصفاء ليكون المرء مؤهل فيه لشهر التخلية والفضيلة شهر رمضان الأغر شهر القرآن الذي قال فيه الحق سبحانه وتعالى: ؟شهر رمضان الذي أنزل فيها القرآن ···؟
لذا قد ورد في الأثر عنه صلى الله عليه وآله وسلم ((خيرة الله من الشهور شهر رجب وهو شهر الله عز وجل من عظم شهر رجب فقد عظم أمر الله ومن عظم أمر الله أدخله جنات النعيم وأوجب له رضوانه الأكبر وشعبان شهري فمن عظم شهر شعبان فقد عظم أمري ومن عظم أمري كنت له فرطا وذخرا يوم القيامة وشهر رمضان شهر أمتي فمن عظم شهر رمضان وعظم حرمته ولم ينتهكه وصام نهاره وقام ليله وحفظ جوارحه خرج من رمضان وليس عليه ذنب يطلبه الله به)) فقد تجلى عظيم كرم الحق في هذا أن الله تعالى اختص قدر الثواب والجزاء للصائم لنفسه من بين سائر الأعمال كما في الحديث ، قال صلى الله عليه وسلم : قال الله عز وجل : كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ··· إن هذا الإختصاص مما يزيد المؤمن حماساً لاستغلال هذا الفضل العظيم · فشهر رمضان شهر التخلية حيث يتخلى المرء عن أكله وشربه ويفرغ أوقاته في هذا الشهر العظيم لتلاوة الكتاب العزيز حتى يظفر المسلم بالأجر العظيم والثواب العميم الذي أعده الله لمن صام نهاره وقام ليله ومن عظيم فضل شهر رمضان أن الله يضاعف فيه الحسنات ويجزل فيه بالعطيات فسبحانه قد وسع مهبط رحماته إذ جمع في هذا الشهر العظيم من الحسنات ما يعادل ما في السنة بل يزيد ولذا جاء في الأثر أن الفريضة في رمضان تعادل سبعين فريضة فيما سواه·
ومن فضائل الصوم ما روي عنه صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ' الصيام جُنَّة فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين والذي نفسي بيده لخُلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك ، قال تعالى في الحديث القدسي : يترك طعامه وشرابه وشهوته مِن أجلي الصيام لي وأنا أجزي به، الحسنة بعشر أمثالها فهو غرة السنة وسرة الشهور والأيام والساعات واليالي الطيبات المباركات فكانت السنة بنسبة لرمضان بمثابة بسط وجمع أو نشر وطي، بسط الله فيه الفضيلة وكف الرذيلة ولذا قال الشارع الحكيم (الصيام جنة) ومعنى ' جُنَّة ' : وقاية وستر سواء من الآثام أو من النار·
فقد كان سلفنا الصالح من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعين لهم بإحسان يهتمون بشهر رمضان ويفرحون بقدومه ، كانوا يدعون الله أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه أن يتقبله منهم ، كانوا يصومون أيامه ويحفظون صيامهم عما يبطله أو ينقصه من اللغو واللهو واللعب والغيبة والنميمة والكذب ، وكانوا يحيون لياليه بالقيام وتلاوة القرآن ، كانوا يتعاهدون فيه الفقراء والمساكين بالصدقة والإحسان وإطعام الطعام وتفطير الصوام ، كانوا يجاهدون فيه أنفسهم بطاعة الله، فليس شهر رمضان شهر خمول ونوم وكسل كما يظنه بعض الناس ولكنه شهر جهاد وعبادة وعمل ينبغي علينا أن نستقبل هذا الشهر الكريم بالعزيمة الصادقة والنية الخالصة على صيامه وقيامه إيمانا واحتسابا لا تقليدا وتبعية للآخرين ، وأن تصوم جوارحنا عن الآثام من الكلام المحرم والنظر والاستماع والأكل المحرم لنفوز بالمغفرة والعتق من النار فما علينا إلا أن نشمر عن ساعد الجد ونعمل بهمة ونشاط لنكون من الفائزين بتلك السعادة العظيمة التي أعدها الله تعالى لمن صام رمضان·
د· عيسى بن مانع الحميري
عميد كلية الشريعة والقانون بدبي