صنعاء - أحمد الجبلي:
بالرغم من أن صندوق النقد الدولي اعتبر أن الوضع السياسي الحالي في اليمن مستقر لكنه قال في تقرير له صدر أخيراً ان الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في شهر سبتمبر 2006 تلقي بالغموض على مستقبل الوضع السياسي اليمني، ورأى أن 'إعلان الرئيس صالح الذي يحكم منذ 27 سنة بعدم الترشيح للانتخابات اليمنية جلب بعض الشكوك حول مستقبل قيادة السياسات اليمنية'·
وكان الرئيس علي عبدالله صالح قد أعلن في 17 يوليو الماضي بمناسبة مرور 27 عاماً على توليه مقاليد الحكم انه لن يترشح لانتخابات الرئاسة القادمة تجسيداً لمبدأ التداول السلمي للسلطة وإتاحة الفرصة أمام الشباب، ولكن وبعد يوم واحد من ذلك الإعلان أكد نائب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ان المؤتمر العام للحزب الحاكم والمقرر أن ينعقد في شهر نوفمبر المقبل سيعلن عن تمسكه بالرئيس صالح كمرشح عن الحزب للرئاسة، وهو ما يعني بأن الحزب ليس لديه مرشح بديل حتى الساعة في حال إصرار صالح وتمسكه بموقفه الذي أعلنه أمام الملأ وسمعه الكثيرون عبر شاشات التليفزيون وهو يعلن ذلك، بل وشاهده وهو يزجر من حاولوا أن يعبروا عن رأيهم ممن كانوا داخل القاعة التي كان يتحدث فيها عندما أشار إليهم بالجلوس قائلاً 'لسنا في مجال للمساومة'·
احتمالات التراجع إزاء الوضع
يرى المراقبون ان الرئيس كان جاداً وهو يعلن قراره خاصة وانه استطاع خلال فترة حكمه التي امتدت لأكثر من 27 سنة أن يؤسس لبناء ديمقراطي، ولذلك فهو يريد أن يضيف الى ما حققه من نجاحات نموذجاً آخر أكثر إشراقاً تتغير من خلاله الصورة التي التصقت بالحكام العرب بعدم تركهم لكرسي الرئاسة إلا مكرهين· غير أن هؤلاء يرون أن الرئيس صالح بالرغم من ذلك كله، قد يتعرض لضغوط من حزبه الذي تلقى إعلان الرئيس كالصدمة، وحينها فقط قد يتراجع عن قراره ويقبل بالترشيح لدورة رئاسية ثانية حسب نص الدستور اليمني الذي كان الرئيس هو الذي طالب بتعديله بإدخال مادة الى نصوصه تؤكد على انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من المواطنين وتحديد مدة الرئاسة بدورتين فقط·
ذهول المعارضة
وفي المقابل، ومثلما كان إعلان الرئيس صدمة لحزبه، فقد كان مفاجأة غير متوقعة بالنسبة لأحزاب المعارضة التي أصابتها هي أيضاً حالة من الذهول رغم أنها ما انفكت تتهم النظام بالفساد والالتفاف على الديمقراطية وتطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية وتعارض بشدة الإصلاحات الاقتصادية التي تنفذها الحكومة، وكأن كل ذلك لم يكن إلا من قبيل المكابدات السياسية والدعاية الإعلامية·· وهو ما يبدو واضحاً في فشل المعارضة حتى الآن في تسمية مرشحها للرئاسة يحظى بقبول الشارع اليمني·
في هذا الصدد يقول الدكتور محمد عبدالملك المتوكل أحد قيادات المعارضة: أخشى ما أخشاه أن المعارضة اليمنية لا يكون لها مرشح وهذا شيء مخجل· لكنه يستدرك: 'هذا استحقاق تحاول المعارضة ألا تناقشه الآن وربما لها وجهة نظر بأن يؤجل الى مرحلة لاحقة·· لكن المعارضة ملزمة بالترشيح وإلا فهي ستحكم على نفسها بأنها ليست أكثر من ديكور'·
يؤيده في ذلك الدكتور فارس السقاف رئيس مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية بقوله إن المعارضة لم تتفق حتى الآن على المشاركة في الانتخابات، أما بالنسبة للرئيس صالح فهو يرى إما أن يكون جاداً في قراره وبذلك يقدم صورة جديدة 'لأن الحكام لا يتركون مواقعهم'، وإما أن تكون مناورة أو لحظة عاطفية غير مدروسة ثم أصبحت إلزامية·
ومهما يكن الأمر، فكما يبدو فإن الانتخابات الرئاسية القادمة برغم ما يحيط بها من غموض لكنها ستكون أكثر سخونة من سابقتها، ذلك أن حزب الإصلاح الإسلامي - أكبر أحزاب المعارضة - الذي كان قد أعلن في الانتخابات السابقة ترشيحه للرئيس صالح حتى قبل أن يعلن الحزب الحاكم ذلك نتيجة 'للعلاقة الاستراتيجية' التي كانت تربط بين الحزبين، غالباً ما ستتخذ موقفاً مغايراً تماماً في الانتخابات المقبلة لعدة أسباب، أهمها أنه يجد نفسه ملزماً أخلاقياً وسياسياً لتنفيذ ما ستتخذه أحزاب ما يسمى بـ 'اللقاء المشترك' والذي يعتبر الإصلاح أكبرها ويضم أبرز أحزاب المعارضة وفي مقدمتها الحزب الاشتراكي اليمني، وقد ألمح الى ذلك صراحة بعض قادة حزب الإصلاح، مشيرين الى أن علاقتهم بالحزب الحاكم لم تعد استراتيجية، بل ان أحد أقطاب الحزب اعتبر أن ترشيح قيادة حزبه للرئيس صالح في الانتخابات السابقة كان عبارة عن 'مبايعة'، وقال إنه من حق كوادر الحديث الذي أغضب الحزب الحاكم معتبراً أنه لا مجال للمبايعة في ظل التعددية والانتخابات الحرة التي ينتخب فيها الناخبون بإرادتهم من يريدون·
أسماء متداولة
من هنا يتضح بأن حزبي الإصلاح والاشتراكي وبقية أحزاب اللقاء المشترك وإن كانت حتى الآن لم تحسم موقفها أو تكشف عن اسم مرشحها للانتخابات الرئاسية أغلب الظن - كما يرى المراقبون - أنها بانتظار ما سيسفر عنه المؤتمر العام للحزب الحاكم في نوفمبر المقبل والمقرر أن يُسمي فيه مرشحه للرئاسة، لكنها بالتأكيد ستحاول خوض المعركة الانتخابية بمرشح يستطيع المنافسة بقوة أمام الرئيس صالح في حالة العدول عن قراره، وقد يحقق الفوز إذا أصر صالح على موقفه من عدم الترشيح·
وحتى الآن هناك آسماء متداولة في أوساط المعارضة منها فيصل بن شملان والدكتور ياسين سعيد نعمان أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني والدكتور فرج بن غانم رئيس الوزراء الأسبق وحيدر العطاس رئيس الوزراء الأسبق أيضاً وعلي ناصر محمد الرئيس السابق لليمن الجنوبي، وكما يقول الدكتور محمد عبدالملك المتوكل 'فهناك عناصر ممتازة ولكن هل ستوافق على الترشيح؟'·
على كل حال، الوقت لا يزال فيه متسعاً لما يمكن أن تحمله الأيام القادمات من مفاجآت ، وما علينا إلا الانتظار لنرى، وحتى ذلك الحين ليس هناك ما يمنع من القول إن كل شيء ممكن عدا ما أشار إليه القيادي الإصلاحي محمد قحطان قبل أيام ودعا الى ترشيح امرأة للانتخابات الرئاسية وهو ما استبعده الكثيرون واعتبروه نوعاً من المزايدة السياسية كون حزب الإصلاح لم يحسم حتى الآن مسألة انتخاب المرأة في هيئاته القيادية ومنها مجلس الشورى!
مكايدة سياسية
مثلما كان إعلان الرئيس صالح بعدم الترشيح للانتخابات الرئاسية القادمة صدمة لحزبه، فقد كان مفاجأة غير متوقعة بالنسبة لأحزاب المعارضة التي أصابتها هي أيضاً حالة من الذهول برغم أنها ما انفكت تتهم النظام بالفساد والالتفاف على الديمقراطية وتطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية وتعارض بشدة برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه الحكوكة وكأن كل ذلك لم يكن إلا من قبيل المكايدات السياسية والدعاية الإعلامية'·
حزب الإصلاح·· واللقاء المشترك
مهما يكن الأمر، فكما يبدو فإن الانتخابات القادمة برغم ما يحيط بها من غموض لكنها ستكون أكثر سخونة من سابقتها، ذلك لأن حزب الإصلاح الإسلامي أكبر الأحزاب المعارضة الذي كان قد أعلن ترشيحه للرئيس صالح في الانتخابات الماضية غالباً ما سيتخذ موقفاً مغايراً تماماً في الانتخابات المقبلة بعد أن أصبح الحزب ملزماً بما ستتخذه أحزاب المعارضة المنضوية تحت ما يسمى بـ 'اللقاء المشترك، ثم بعد أن أعلن قادته ان علاقتهم بالحزب الحاكم لم تعد استراتيجية كما كانت في السابق'·