عبد الوهاب حامد:
الدكتور عز الدين العراقي شخصية بارزة على خريطة العمل الإسلامي، شغل منصب الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي لفترة طويلة ، وقد ساهم بجهود ملموسة في ميدان العمل الإسلامي، من خلال قيادته للمنظمة التي ظلت ومازالت ذات صوت مسموع ومؤثر علي الخريطة العالمية سياسيا وثقافيا واقتصاديا، ويعرفه الكثيرون من المهتمين بقضايا الحوار والتعايش بين الحضارات والأديان وله ثقل علمي كبير في الأوساط العالمية·
أكد في البداية أن الإسلام قد أرسى قواعد بناء عالم تظلله العدالة، وأعرب عن تطلعه للتعاون الكامل مع الغرب، لإزالة ما تبقى من سوء الفهم، مؤكدا الترحيب بكل دعوة لتلاقي الحضارات والثقافات والتعايش معها من مبدأ الأخذ بالحوار سبيلا للتعاون بين الشعوب ·
؟ سألت الدكتور عز الدين العراقي: أراك متحمسا للحوار مع الآخر ما أسباب هذا التحمس وماذا تأملون منه؟
؟؟ فأجاب قائلا: الهدف من الحوار مع الغربيين هو التواجد الإسلامي على الساحة الدولية خاصة في المحافل والمؤتمرات العالمية التي تعقدها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الاخرى لوضع الأسس والمعايير الحديثة للمنظور الجديد للعالم· فالإسلام ليس دين جمود غير قابل للتطور كما يتصور الغرب بل انه مسموح فيه بالاجتهاد لمسايرة التطور في العصر الحديث دون المساس بالأسس الراسخة التي لا تقبل التعديل والتي تحدد اطر الفكر الإسلامي· كما ان الدين الاسلامي لا يتعارض مع المواثيق والقوانين الدولية ولكنه يثريها بما فيه من مفاهيم وروحانيات الغرب في مسيس الحاجة اليها· والفكر الإسلامي يرتكز على ثوابت دينية لا يمكن لأي مسلم ان يحيد عنها فالإسلام دين عالمي يصلح لكل مكان ولكل زمان والرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء لم يرسله الله إلى قوم بالتحديد فقد خصه الخطاب القرآني بتعبير استثنائي ولم يلصق اسمه ابدا باسم قومه أو بلدته أو مدينته بل ذكر اسمه دائما مقترنا بكلمة الناس أي البشر جميعا· لذا فان على المسلمين العمل على تطوير عرض هذه الأسس والمبادئ والقيم التي أقرها الاسلام منذ 14 قرنا والثابتة في الفكر الاسلامي ولكن لا يعرفها الغربيون عنا خاصة صانعي القرارات السياسية والاقتصادية على مستوى العالم·
وقال نحن نعتقد ان التجديد في عرض الفكر الإسلامي في الغرب لن يتحقق الا بتصحيح صورة الاسلام المشوهة عندهم، فعلينا أن نبدأ بمساعدة الأوربيين على التخلص من اثر الموروث التاريخي في وعيهم وعقلهم عن الاسلام وعن المسلمين·
وهذه مهمة ليست سهلة لأنها تتطلب كثيرا من الوقت والصبر ونحن نعتقد ان المسلمين المقيمين في الدول الغربية هم اقدر على ذلك من غيرهم حيث انهم بأخلاقياتهم ومعاملاتهم ومعاشرتهم للغربيين يمكنهم تقديم صورة بديلة مشرفة لما يجب ان يكون عليه الإنسان المسلم·
ضوابط للحوار بين الأديان
؟ ألا تتفق معي في أن الحوار لابد له من ضوابط لنجاحه فما هي؟
؟؟ نعم: إن أسس الإسلام الدينية ومبادئه الأخلاقية متينة راسخة بحيث يمكن عرضها باطمئنان، إلا أننا نرى تحاشي البحث في الأمور العقائدية منعا للحرج وإثارة المشاعر إلا حين يقع تهجم على الإسلام أو مساس بمبادئه فإن الرد الحكيم والعلمي يصبح واجبا ولابد من الاستعداد له·
و يجب أن يتركز الحوار على تحديد النظرة للأمراض الصحية والخلقية التي تهدد المجتمع المعاصر، ورسم الخطط المشتركة لمواجهتها، مثل الإلحاد، والتفكك الأسري، والمخدرات، والفقر ، والمرض ، والشذوذ، وغيرها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن العالم الإسلامي هو الطرف المتلقي، وأن اكثر هذه الأوبئة نبتت في الغرب، ولذلك يصبح من الحكمة التعاون مع المفكرين ورجال الدين في الغرب لمواجهة هذه العلل·
من جهة أخرى مشكلة الأقليات الدينية والعرقية أصبحت سببا لمنازعات وحروب كثيرة، تؤثر ـ سلبا ـ على الجاليات والجماعات الإسلامية، ولما كانت الأقليات في ديار المسلمين تتمتع بضمانات وحقوق كفلتها الشريعة الإسلامية، فإن الحال غير ذلك بالنسبة للأقليات الإسلامية، ومن المفيد إحاطة الأقليات الإسلامية، بجو من الألفة، والتسامح حتى تستطيع ان تستقر وتصبح جزءا من المناخ المحيط·
كما أن الحملة المعادية للإسلام ،سواء كانت دوافعها الجهل أم سوء النية ،فهي تحيط الأقليات الإسلامية في الغرب بجو من الكراهية والرفض تبدو آثاره السلبية في مجالات كثيرة، وقد تبين ان أي جهد لإزالة الشبهات من خلال الحوار مع القيادات الدينية والفكرية يساعد في تنقية تلك الأجواء ومساعدة الأقليات الإسلامية على أداء دورها في توطين الإسلام، ونيل الحقوق التي تتبع ذلك·
ويضيف أنه على الرغم من أن الحوار يجري بين التيارات الفكرية والاجتماعية التي تمثل الحضارات الإنسانية إلا أنه يجب ان يراعي وضع ضمانات شرعية وأن تشرف المراجع الشرعية المعتبرة على الحوار·
الأخلاق في عصر السماوات المفتوحة
؟ في ظل تدفق المعلومات بلا حدود وفي عصر السماوات المفتوحة ، كيف يمكن للمسلم حماية نفسه من الأخطاء الأخلاقية؟
؟؟ الطريق الوحيد للحيلولة دون هذه الحالة يكمن في تدعيم الرقابة الذاتية، وتعزيز علاقة العبد بربه ـ جل وعلا ـ وتحفيز الإرادة الخيرة في الناس· وهذا الحل وإن كان مكلفا على المدى القريب· فإنه سفينة نوح على المدى البعيد!·
ولابد أن نكون على يقين من أن تيار الشهوات والنزوات لا يمكن ان يقابل إلا بتيار روحي متدفق من المشاعر والأحاسيس الإيمانية، فوظيفة الفكر الدلالة على الطريق، وعلى الأساليب والأدوات المناسبة للعمل، لكن الذي نستمد منه الطاقة على الاندفاع في طريق الخير، والطاقة على كبح جماح الشهوات هوالإيمان العميق، ورصيدنا من المشاعر الحميمة!· وان كثيرا من الشباب الذين جرفهم تيار الجنس والمجون والخلاعة لم يكونوا بحاجة إلى أدلة على فضل العفة والاستقامة، وإنما كانوا بحاجة إلى شيء من المعاني التي تفيض على القلب بسبب تذوق طعم العبودية الحقة لله، والإحساس الصادق بمعية الله ـ تعالى ـ لهم واطلاعه عليهم·
؟ وكيف يمكن مواجهة الهجمة الشرسة التي تستهدف قيمنا عبر الفضائيات وبخاصة الأجنبية؟
؟؟ قال: أعتقد ان التواصل والحوار الحضاري الايجابي البناء يعتبر من أهم الوسائل ليرى كل منا الآخر ويتعرف على خصائصه وهو أيضا من أحسن الأساليب للتعريف بالاسلام ونشره وتبشير الشعوب البشرية برحمته، ولابد من استخدام كل الوسائل الحديثة مثلما يفعل الطرف الآخر ولابد ان نقول لدعاة العولمة إن الإسلام يدعو إلى التعاون الإنساني على أساس عبودية الإنسان لربه لا لإنسان مثله، وهو دين يدعو إلى العلم والعمل والتعاون والأخذ بكل أسباب القوة،وعندئذ نكون قد نجحنا في إيصال رسالتنا للآخر·وينبه إلى أن الدعوة للانغلاق التي يطلقها البعض، تعد دعوة سلبية تضر بالإسلام والمسلمين وتتعارض مع عالمية الإسلام ،ومن هنا يجب ان يكون للمسلمين بوصفهم أمة ذات رسالة عالمية وجود إسلامي في هذه المجتمعات الغربية، باعتبار ان الغرب هو الذي اصبح يقود العالم ويوجه سياساته واقتصاده وثقافته، وهذه حقيقة لا نملك أن ننكرها، فلو لم يكن للإسلام وجود هناك لوجب على المسلمين ان يعملوا متضامنين على تحقيق هذا الوجود ليقوم بالمحافظة على المسلمين الأصليين في ديارهم، ودعم كيانهم المعنوي والروحي، ورعاية من يدخل في الإسلام منهم وإمدادهم بما يلزمهم من حسن التوجيه والتثقيف بالإضافة إلى نشر الدعوة الاسلامية بين غير المسلمين، ولا يجوز ان نترك هذا الغرب القوي المؤثر للنفوذ المعادي للإسلام، وحده يستغله ويوجهه لحساب اهدافه وأطماعه، ويؤثر في سياسته وثقافته وفلسفاته ويترك بصماته عليها ونحن المسلمين بمعزل عن هذا كله قابعون في أوطاننا تاركين الساحة لغيرنا، في حين نحن نؤمن بأن رسالتنا للناس جميعا وللعاملين قاطبة ونقرأ في كتابنا' وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين' وقوله تعالى:' تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا'·
وكالة الأهرام للصحافة