حقوق الزوجة
مثلما كرم الإسلام المرأة بحفظ حياتها ومنحها حق الميراث والتملك والتصرف بالبيع والشراء من خلال ذمة مالية منفصلة ومستقلة وغيرها من الحقوق، فقد كرمها الإسلام أيضاً أيما تكريم فى بيت الزوجية، وشرع لها العديد من الحقوق التي تحفظ كرامتها وتصون عزتها وتديم رباط السكن والمودة والرحمة الذى شرع الزواج فى الإسلام من أجله·
وأولى تلك الحقوق التي فرضها الإسلام للزوجة على زوجها 'المهر'·· حيث جعل الإسلام هذا الحق خالصاً لها وحدها، وليس لأبيها أو أقرب الناس إليها أن يأخذ منه شيئاً إلا برضاها واختيارها، فقال تعالى: 'وآتوا النساء صدقاتهن نحلة، فإن طبن لكم عن شيئ منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً'·
ومن حق الزوجة على زوجها أيضاً أن يجهز البيت بكل ما يحتاج له من الأثاث والفرش والأدوات، بغض النظر عما دفعه من مهر، وحتى لو كان قد زاد في المهر من أجل الأثاث، لأن المهر تستحقه الزوجة مقابل انتقالها إليه·
ويأتي بعد ذلك حق الإنفاق عليها بما يتضمنه من توفير الطعام والمسكن وكل ما هو متعارف عليه في الشرع، ودون تفريط أو إفراط، حتى لو كانت الزوجة غنية وذلك مصداقا لقوله تعالى: 'وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف، لا تكلف نفس إلا وسعها'·
ومن حق الزوجة كذلك أن تشترط على زوجها في العقد ألا يتزوج عليها، فإذا ما قبل الزوج هذا الشرط ثم لم يف به كان من حق الزوجة أن تطلب فسخ عقد الزواج، وألا يسقط أى حق من حقوقها بسبب هذا الفسخ إلا إذا أسقطته هى طوعاً واختياراً، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: 'إن أحق الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج'·
ويأتي حسن المعاشرة ليمثل بدوره حقاً آخر من حقوق الزوجة، مصداقاً لقوله تعالى :'وعاشروهن بالمعروف، فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً'، ومن ضمن حسن المعاشرة أن يكون المرء رقيقاً مع أهله، وفى ذلك يقول صلى الله عليه وسلم : 'أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم'·
وللزوجة أيضاً على زوجها ألا يبغضها إن كره منها خلقاً، وإنما يجب عليه فى المقابل أن ينظر إلى حسناتها وخصالها الحميدة مثلما ينظر إلى عيوبها ومساوئها، وفى ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: 'لا يفرك - أى لا يبغض - مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر'·
ومن حق الزوجة على زوجها أن يحفظها من كل ما يخدش شرفها ويمتهن كرامتها ويعرض سمعتها لمقالة السوء، فهذا كله مما يدخل تحت باب الغيرة التي يحبها الله، فعن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: 'ثلاثة لا يدخلون الجنة أبداً: الديوث، والرجلة من النساء، ومدمن الخمر، قالوا يا رسول الله: أما مدمن الخمر فقد عرفناه، فما الديوث؟ قال الذي لا يبالي من دخل على أهله، قلنا فما الرجلة من النساء؟ قال : التي تتشبه بالرجال'·
ويشكل الجماع حقاً أصيلاً من حقوق الزوجة على زوجها، وأقل عدد لمرات الجماع هو مرة في كل طهر ما دام قادراً على ذلك ولا يحول بينه وبينها عذر شرعي كالمرض، فإن كان قادراً على ذلك ولم يفعله فهو عاصٍ لله تعالى، بدليل قول الله عز وجل: 'فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله'·
ويرتبط بهذا الحق أيضاً حقها فى ألا يغيب زوجها في السفر عنها أكثر من ستة أشهر إن لم يكن هناك عذر يمنعه من الرجوع، فإن لم تطق الزوجة فراق سفره بعد مضي هذه الأشهر الستة تكتب إليه كي يرجع، فإذا أبى أن يرجع فرق الحاكم بينهما خوفاً من وقوعها فى الفتنة واقتراف الرذيلة، ولذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحدد للمغازي ستة أشهر، بحيث يسيرون شهراً ويقيمون أربعة أشهر ويسيرون عائدين شهراً·
ومن بين الحقوق التي اقرها الإسلام للزوجة كذلك حقها في ألا يفشي الزوج أسرار جماعهما لأي أحد، حفاظاً على كرامتها وصيانة لسيرتها، فعن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: 'إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي على المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها'، فإن استدعت الحاجة الماسة كشف أسرار الجماع فلا حرج عليه في ذلك، فقد ادعت امرأة أن زوجها عاجز عن إتيانها، فقال: 'يا رسول الله: إني لأنفضها نفض الأديم'·
ومما اثبته الإسلام أيضاً من حقوق للزوجة، حقها في طلب الطلاق إذا كان الزوج قد غرر بها، فإذا ما تزوج مثلاً رجل عقيم امرأة ولم يخبرها بعقمه، يكون من حقها آنذاك نقض العقد وفسخه، إلا إذا ارتضت هي ذلك بعد علمها به، فقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لرجل تزوج امرأة وهو لا يولد له : 'أخبرها أنك عقيم وخيرها'·
أما إذا كان الزوج يجمع بين أكثر من زوجة، فقد ألزم الإسلام الزوج في هذه الحالة بضرورة العدل بين أزواجه في الطعام والكسوة والمبيت من غير تفرقة بين غنية وفقيرة ، أو عظيمة وحقيرة، فعن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: 'من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقه مائل'، والعدل المطلوب هنا هو العدل المقدور عليه وليس العدل في المودة والمحبة·
كما أعطى الإسلام أيضاً للزوجة الحق في أن تخلع نفسها من زوجها إذا ما اشتد الشقاق بينهما وصعب العلاج واستحالت المعاشرة بالمعروف بينهما، شريطة أن ترد للزوج كل ما أخذته منه باسم الزوجية، والأصل في هذا ما رواه ابن عباس رضي الله عنه فقال: 'جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة'·
عماد محجوب