الأحد 2 ابريل 2023 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
عربي ودولي

أيام العرب في طليطلة أصبحت طي النسيان

8 أكتوبر 2005
طليطلة - الاتحاد خاص:
عندما تلوح لك مناديل المرمر في الأندلس··
لعلنا أمام الشاعر الفرنسي الشهير 'لوي آراغون' وهو يتحدث عن 'ذاكرة الوردة' في قرطبة واشبيلية وطليطلة· قال: 'لا أحد يرث التاريخ مثل·· الورد'· هذا اذا كان التاريخ جميلاً وفيه 'ابن زيدون' و'ولادة' وفيه 'زرياب' الذي قال أحد الأمراء ان لصوته النكهة نفسها التي لنكهة ضوء القمر·
وانك لفي طليطلة· اذا استبقيت جرحك القديم فلسوف يصدمك هذا المكان الذي قبل ان يأخذه الاسبان من أهلنا أخذه البرابرة والصقالبة، حتى لنذكر لقطة ما من تاريخ ملوك الطوائف، ونتوقف عند صاحب طليطلة 'اسماعيل بن ذي النون' الذي كان من أشد المعارضين لوحدة الأندلس تحت الخلافة الاموية· قال: 'والله لو نازعني سلطاني هذا الصديق لقاتلته، ولما سلمت له فكيف أسلم سلطاني لمن يدين اليه من بني أميّة ممن لا يوجب الله طاعتهم'·
زهرة النسيان
مع هذا الكلام بدأ الانهيار· اذا دخلت الى المدينة الآن، فلسوف تلاحظ ان الملوك الذين حلّوا محل العرب عمدوا الى تغيير الزمن· صنعوا زمناً آخر ليقولوا ان الايام العربية هناك هي ايام النسيان· عندما تزورون طليطلة اسألوا احدى الطاعنات في السن عن زهرة كان يقال لها زهرة النسيان· زهرة مزاجية تأخذ ألواناً مختلفة وتموت حيث تشاء· قيل لنا انها اختفت، تقريباً، منذ نحو نصف قرن، قد تكون زهرة النسيان لا الناس هي التي قررت، مزاجياً، ذلك·
رغم كل تلك القصور والقلاع الهائلة، قد تسمع صوت الأذان آتياً من بعيد· اجل الاذان في عيني طفل· كتب هكذا 'الطاهر بن جلون' وهو يلاحق 'سرفانتس' في أزقة المدينة: ماذا تفعل أيها الرجل؟ وقال 'سرفانتس' ان التاريخ مجرد مهرج· امن أجل هذا صنع 'دونكيشوت' ليقول لنا ان الناس كل الناس، انما تقاتل طواحين الهواء· هل نفعل شيئاً آخر فعلاً؟ على الأقل، لم يكن 'سرفانتس' سوداوياً مثل 'صمويل بيكيت' و'اوجين يونيسكو' وهما يعلنان 'ان الحلم هو نوع من الطعام يقدم للقطط'·
الرحيل إلى السراب
لا بد ان تعثر على ذلك الرجل العتيق الذي يبيع في دكانه الكوفية والعقال· يؤكد لك انه يتحدر من اسرة عربية حكمت هذه البلاد ثم ارتحلت، إلى أين؟ ربما ذهبت الى السراب· ألا تلاحظون فعلاً، ان أهل الأندلس ذهبوا الى السراب، وان غصّت الشواطئ الغربية بالأحداث والمعارك والرجال والخيانات··
غابة من القلاع· هنا قلعة الايمان· ولكل كلمة دلالتها هنا· لماذا يفترض ان تسمع قرقعة السلاح عندما يكون بإمكانك ان تشاهد 'سرفانتس' وهو يعتمر قبعة تذكرك بدراويش القاهرة او دمشق او فاس أو حتى صنعاء··
يقول لك الدليل ان تركيز الضوء على القلاع لا يتوخى أبداً استعادة التاريخ· قليلون هم أولئك الذين ما زالوا مبهورين بالماضي او الذين يحاولون اعادة تشكيله بشيء من الكراهية وشيء من الحنين· قد تجد ذلك الملياردير الاميركي وهو يسأل الدليل عما اذا كانت الحكومة الاسبانية قد فكرت بأن تبيع الالكازار 'القصر العربي' الذي دمّر اكثر من مرة ثم أعيد بناؤه· يسألون بجدية، والدليل يجيب بجدية: 'أتصور ان الحكومة لا تزال بحاجة الى·· التاريخ'·
نقوش مذهلة: النسر ذو الرأسين، رأس للقوة ورأس آخر للقوة 'أين الحكمة إذاً؟' ثمة دويّ للحجارة في اي لحظة قد نفتح هذه الابواب العسكرية المحفورة بشكل آسر· القادة بخوذاتهم وبعيونهم الهائلة· لا، لا، ليست الباسيونارا هنا لتقول: 'لن يمروا'· ومع ذلك فقد تجد ذلك العازف العبثي الذي يغني احدى قصائد 'غارسيا لوركا' بإيقاع سريع· كل شيء هنا يخضع لمنطق التناقض: هذه معمارية العظمة أم معمارية الروح؟
نطرح السؤال ما دامت معظم النقوش تحاول ان توحي بأنها تخضع لنصوص ما ورائية معينة· الافضل ان تتعاطى مع التاريخ او ان تهرب منه· كعربي حاول ان تنظر الى تلك القلاع كما لو انها ظهرت فجر اليوم· قلنا ان ذاكرتك فيها جراح كثيرة· اتركها وراء هذه الأبواب وادخل··
الكاتدرائية التي أخذت الكثير من الفن القوطي بُنيت، بشكل سمفوني، وبالصورة التي تظهر بما لا يقبل الشك، ان توليدو حلّت محطة طليطلة، انتهت 'يا زمان الوصل' لتحل محلها اغنية سريعة للفلامنكو تتحدث عن ليلة، مجرد ليلة، في الريح، وعاشقين··
يقال لعبة 'سلفادور دالي' امتزجت مع لعبة 'لوي بونويل'· انك لا تعثر الا على القليل القليل من العصر في المدينة· لكن 'دالي' الذي نجح في تسييل الوقت لا يخضع لميكانيكية الزمن·
ليست طاعنة في السن، هل تشيخ القصائد لكي تشيخ المدن· لا نجد طليطلة في عيوننا، سوى·· طليطلة، كانت السيدة القصيدة فأضحت السيدة الحجرية!
أورينت برس
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الاتحاد 2023©