الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

إعفاءات ضريبية لصالح قطر تشحن «السترات الصفراء»

إعفاءات ضريبية لصالح قطر تشحن «السترات الصفراء»
16 يناير 2019 00:17

دينا محمود (لندن)

طالب محللون غربيون متخصصون في الشؤون الخليجية، الحكومة الفرنسية بالتخلي عن ما وصفوه بـ «الإرث المسموم» للعلاقات التي توطدت مع قطر خلال عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، وسمحت لنظامها الحاكم بالحصول على الكثير من الامتيازات، خاصةً على صعيد الإعفاءات الضريبية، ما كبد فرنسا خسائر سياسيةً وماليةً جسيمةً.
وأكد ثيودور كاراسيك، الخبير في تحليل شؤون منطقة الخليج العربي في واشنطن، أن ما قادت إليه القرارات المثيرة للجدل التي اتخذها ساركوزي قبل 11 عاماً، وتقضي بـ «إعفاء المستثمرين القطريين من الضرائب المستحقة على أي ممتلكات أو ثروات يراكمونها في فرنسا، أتاح الفرصة لأسرة آل ثاني الحاكمة في قطر تكوين محفظة أصول في باريس، تشمل مركزاً للتسوق في جادة الشانزليزيه، أحد أهم شوارع باريس.
وندد كاراسيك باستمرار سريان الإعفاءات التي يحظى بها المستثمرون القطريون على صفقاتهم المرتبطة بالقطاع العقاري في فرنسا حتى هذه اللحظة، رغم أن ساركوزي ترك الحكم منذ نحو سبع سنوات، مشدداً على أن هذه الخطوة من الأصل تمثل أحد أعراض ظاهرة منح الحكومات إعفاءات لحكومات أخرى، بناءً على العلاقات على المستوى الشخصي (في إشارة إلى الدوافع التي حدت بالرئيس الفرنسي الأسبق للإقدام على تقديم تلك التنازلات بهدف تحقيق مكاسب شخصية).
وأكد كاراسيك، في مقال شديد اللهجة على موقع «إندرا سترا» الأميركي المتخصص في تقديم المعلومات والتحليلات الاستراتيجية، أن التعامل مع النظام القطري على هذا النحو المشبوه يضر بقدرة فرنسا على الوفاء بالالتزامات الملقاة على عاتقها في إطار «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» والتي تتبنى سياسات صارمة على صعيد التعامل مع المكاسب التي يدرها إجراء صفقات عقارية، كما يوقع الحكومة الفرنسية في حرج بالغ، فيما يتعلق بـ «تفضيل أنظمة حكم عن غيرها».
وأشار الكاتب إلى أن الإبقاء على علاقات مثل هذه مع «نظام الحمدين»، يدمر كذلك قدرة الحكومة الفرنسية على التفاوض مع حكومات الدول الأوروبية المجاورة، بشأن سبل تحقيق أهداف تنظيمية أساسية على مستوى الاتحاد الأوروبي. وشدد على أن تقديم تلك الإعفاءات الضريبية للنظام القطري لا يمكن أن يستمر بسبب المتطلبات الخاصة بالميزانية في الداخل الفرنسي، وفي ظل وجود ظاهرة حركة «السترات الصفراء» (المناوئة حالياً للحكومة) في فرنسا، وكذلك بفعل تفاقم الشعور العام بالضيق الذي يزحف على أوروبا بأسرها في الوقت الراهن ويشمل الكثير من دولها.
واعتبر كاراسيك أن استمرار حصول قطر ومستثمريها على هذه المزايا التفضيلية بشكل غير مبرر وعلى نحو يلحق الضرر بالمصالح الفرنسية يشكل قيداً يطوق عنق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي ورث هذا الوضع الناجم عن العلاقات الشخصية لساركوزي. وأشار إلى أن قرارات من قبيل منح تلك الامتيازات لقطر دون وجه حق، تمثل جزءاً من السياسات التي أفضت إلى أن تشهد فرنسا تصاعداً لاحتجاجات أنصار حركة «السترات الصفراء» منذ أواخر العام الماضي.
واعتبر كاراسيك أن على فرنسا العمل على إنهاء العمل على الفور بمثل هذه المزايا الممنوحة للنظام القطري، وذلك لتحقيق صالحها من جهة، ولضرب مثال لأوروبا ككل من جهة أخرى، خاصةً في ظل التباعد بين موقفي باريس والدوحة حيال قضايا مرتبطة بملفات العلاقات الدولية (في إشارة إلى التذمر الفرنسي من مواصلة النظام القطري دعم التنظيمات الإرهابية، وإفساح المجال لدعاة التطرف والكراهية في وسائل الإعلام).
وأبرز كاراسيك الكثير من الأصوات التي تتعالى في فرنسا منذ سنوات للمطالبة بوضع حد لهذه المعاملة التفضيلية للقطريين، ومن بين هؤلاء وزير العدل الفرنسي السابق فرانسوا بايرو، الذي جاهر عام 2017 - بالتزامن مع تصاعد الغضب حيال السياسات الاقتصادية لحكومة بلاده - بالقول «إن مثل هذه الإعفاءات الضريبية الممنوحة للصفقات العقارية، والتي تحظى بها قطر يجب أن تتوقف».
ولم يكن بايرو وحده الذي تبنى هذا الموقف، بل أعرب عنه كذلك الرئيس ماكرون خلال حملته الانتخابية، عندما أكد أنه يريد إنهاء التنازلات الضريبية المقدمة لقطر، والسعي لإضفاء قدر أكبر من الشفافية على المعاملات التجارية التي يجريها مستثمرون قطريون داخل فرنسا، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
وأبرز الكاتب الدور الغامض الذي اضطلع به ساركوزي لتدعيم العلاقات بين بلاده والنظام الحاكم في قطر منذ أكثر من عقدين من الزمان، مشيراً في هذا الصدد إلى أن هذا الرجل ساعد - عندما كان وزيراً للمالية عام 1994 - على توقيع اتفاقية للتعاون بين البلدين، وذلك خلال عهد الرئيس جاك شيراك الذي زار قطر تسع مرات. وألمح إلى أن دور ساركوزي أسهم أيضاً في ما شهدته العلاقات بين باريس والدوحة من تنامٍ على الصعيد العسكري خلال السنوات التالية للتوصل إلى تلك الاتفاقية، وهو ما أعقبه انخراط رجال الأعمال القطريين في موجة استثمار محمومة اجتاحت القطاع العقاري للكثير من الدول ومن بينها فرنسا، وهو ما شمل شراء فنادق وقصور، بل وجزيرة بأكملها تقع في نهر السين الذي يمر بباريس، وتحمل اسم سان لوي.
وأوكل «نظام الحمدين» عمليات الشراء هذه لصناديق الثروة السيادية التابعة له، والتي تعاني حالياً نزفاً مالياً حاداً جراء استقطاع جزء كبير من ميزانيتها خلال الشهور الـ 19 الماضية، وذلك لتعويض الخسائر الفادحة التي تلحق بقطر بسبب المقاطعة المفروضة عليها من جانب الدول الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) منذ يونيو 2017.
وضرب كاراسيك مثالاً على ما شهده عهد ساركوزي من إعطاء امتيازات انتقائية مثيرة للجدل للنظام القطري، قائلاً إن الرئيس الفرنسي الأسبق قرر عام 2008 جعل كل الاستثمارات العقارية التي تجري في فرنسا، وتخص قطر والكيانات العامة المملوكة لها، معفاةً من الضرائب. وأوضح أن ذلك الإعفاء الذي تقرر خلال زيارة ساركوزي للدوحة في يناير عام 2008 شمل بطبيعة الحال أفراد أسرة آل ثاني.
وذكَّرَ الخبير بأن المسؤولين الفرنسيين في ذلك الوقت، أشاروا إلى الأسباب التي ربما تكون قد حدت بساركوزي لتقديم كل هذه التنازلات للنظام القطري، ومن بينها إقدام هذا النظام على دفع فدية لإطلاق سراح ممرضات بلغاريات احتجزن في ليبيا، خلال حقبة العقيد الراحل معمر القذافي، بعد انتشار حالات للإصابة بفيروس الإيدز في مدينة بنغازي، بعد اتهامهن بالتورط في هذا الأمر.
وقال إن اضطلاع الدوحة بأدوار مشبوهة مثل هذه، لم يمنع من أن تعبر الكثير من الأوساط السياسية والإعلامية في باريس، خلال السنوات الماضية، عن غضبها إزاء ما تفاوض عليه ساركوزي مع دول، مثل قطر وما قدمه للنظام الحاكم في من تنازلات لا تزال تكبد الدولة الفرنسية أثماناً باهظةً على الصعيدين الداخلي والخارجي.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©