واشنطن-(رويترز): بعد أربعة عقود من إعلان رئيس أميركي الحرب على الفقر مازال 37 مليونا من سكان أغنى دولة في العالم يصنفون رسميا على أنهم فقراء بل وتزايدت أعدادهم على مر السنين· وتظهر إحصاءات حكومية أن 1,1 مليون أميركي سقطوا تحت خط الفقر في العام الماضي، أي ما يعادل عدد سكان مدينة كبرى مثل دالاس، ومنذ عام 2000 تزايدت أعداد الفقراء سنويا بنحو 5,5 مليون إجمالا·
وحتى المتفائلون لا يرون أملا يذكر في أن تتقلص الأعداد قريبا على الرغم من تجدد النقاش بشأن الفقر نتيجة مشاهد صورها التلفزيون أظهرت للعيان حقيقة عن الحياة الأميركية نادرا ما تعرض على العالم· وكان ليندون جونسون هو الرئيس الذي أعلن الحرب على الفقر، وقال 'للأسف يعيش العديد من الأميركيين على هامش الأمل· بعضهم بسبب الفقر وبعضهم بسبب اللون ومعظمهم بسبب الاثنين، وتعلن هذه الإدارة حربا غير مشروطة على الفقر في أميركا· كان ذلك في عام ،1964 وفي ذلك الوقت كان 19 بالمئة من سكان الولايات المتحدة يعيشون تحت خط الفقر الرسمي· وتراجعت هذه النسبة في الأعوام الأربعة التالية حتى عام 1968 لتبلغ 12,8 بالمئة، ومنذ ذلك الحين لم تتغير النسبة كثيرا، وفي العام الماضي بلغت النسبة 12,7 بالمئة فيما يثبت أن الفقر أصبح مرضا مزمنا·
وكان رئيس أميركي آخر رونالد ريجان على حق عندما قال في عام 1988 'الحكومة الاتحادية أعلنت الحرب على الفقر·· فانتصر الفقر!
ويقيس مكتب الإحصاء السكاني حالة الفقر في الولايات المتحدة مرة كل عام· وتقريره المزدحم بالبيانات والذي يقع في 70 صفحة أو أكثر عادة ما يوفر البيانات اللازمة للباحثين لكنه نادرا ما يثير جدلا عاما أو يمس وترا حساسا أو يبرز في وسائل الإعلام·
لكن الحال اختلف هذا العام فقد تزامن صدور التقرير مع إعصار كاترينا المدمر الذي تسبب في موت أكثر من 1100 في لويزيانا ومسيسبي·
وأظهرت التغطية التلفزيونية التي شملت صورا صادمة للمشردين والقتلى في نيو اورليانز لقطة مقربة مفزعة لما لا يمكن لصفحات تقرير مكتب الإحصاء السكاني أن توضحه· وصدمت الصور العالم وأحرجت العديد من الأميركيين وأثارت مقارنات مع أوضاع في دول نامية من الصومال وانجولا إلى بنجلادش· وأظهرت صور نيو اورليانز سودا فقراء يستجدون المساعدة· أما أغلب عمال الإغاثة الذين وصلوا أخيرا فكانوا من البيض·وتبلغ نسبة الأميركيين السود الذين يعيشون تحت خط الفقر 24,7 بالمئة أي ما يعادل ضعف النسبة الإجمالية·
وفي نيو اورليانز التي تقطنها أغلبية من السود ظهرت الفوارق جليا عندما فر أصحاب المال والسيارات وكلهم تقريبا من البيض بينما بقي أكثر من مئة ألف من السود ممن لا سبيل لهم لامتلاك سيارات محاصرين في المدينة التي غمرتها المياه·
وتساءل بعض المعلقين عما إذا كانت الأزمة قد أظهرت أن التمييز السياسي -وهو التعبير الأميركي لوصف التفرقة العنصرية- الذي انتهى رسميا بصدور قانون الحقوق المدنية في عام 1964 قد استبدل بتمييز اقتصادي·
وانقسمت المدينة إلى قسم يسكنه السود الفقراء وآخر يسكنه البيض الأغنياء، وتظهر مثل هذه التقسيمات في العديد من المدن الأميركية الأخرى منها نيوارك وفيلادلفيا وديترويت واتلانتا وبالتيمور وسانت لويس واوكلاند وميامي والعاصمة الأميركية ذاتها، ففي حين تقطع السيارة المسافة بين البيت الأبيض واناكوستيا، أفقر أحياء المدينة في عشر دقائق لكن يبدو أنهما ينتميان لعالمين مختلفين·
وعلى العكس مما يتصوره الكثيرون، فإن المشاهد التي أظهرت أن لون البشرة الأسود يعني الفقر في نيو اورليانز لا توضح الصورة كاملة، فعدد الفقراء البيض يزيد عن ثلاثة أمثال عدد الفقراء السود في الولايات المتحدة ومعدل الفقر بين البيض يرتفع أسرع من معدله بين السود وذوى الأصول الأسبانية· ويقول الخبراء كذلك إن بيانات الحكومة لا تظهر الحجم الحقيقي للفقر لأنها لم تخضع لتعديلات منذ فترة·
ووضعت صيغة مستوى الفقر في عام 1963 على افتراض أن ثلث ميزانية الأسرة المتوسطة ينفق على الطعام، ولم يعد ذلك صحيحا الآن،
فالإسكان أصبح أكبر عنصر إنفاق منفرد وعشرات الآلاف من 'العاملين الفقراء' وهو التعبير الذي يطلق على من يعملون مقابل الحد الأدنى للأجور أو ما يقترب منه مجبرين على النوم في سيارات أو شاحنات أو فنادق رخيصة أو مراكز إيواء· وقال ديفيد برادي، الأستاذ بجامعة ديوك والمختص بدراسة الفقر 'كل أغسطس نكذب نحن الأميركيين على أنفسنا'· وأضاف: 'معدل الفقر صمم بحيث يظهر نطاقا أقل من الحقيقي لان الحكومة تريد أن تثبت إحراز تقدم في حربها على الفقر'·
وتابع: 'عند أخذ كل العوامل في الاعتبار يبلغ المعدل الحقيقي 18 بالمئة أي 48 مليون نسمة· الفقر في الولايات المتحدة أكثر انتشارا بكثير منه في أي دولة صناعية أخرى'· والفقر مشكلة عالمية وكذلك التمييز، إذ تشير الإحصاءات إلى أن أغنى 500 شخص في العالم يملكون ثروة تعادل دخل 416 مليون نسمة من أفقر سكان العالم·
وكانت مشاهد الفقر التي عرضت بعد الإعصار مذهلة بالنسبة لأغلب سكان العالم بسبب الاعتقاد السائد عن الولايات المتحدة باعتبارها ارض الأغنياء والفرص غير المحدودة· ولا تنفق أي دولة أخرى كل هذه المليارات لإبقاء الأجانب الباحثين عن فرص عمل خارج البلاد ولا تجري دولة أخرى قرعة سنوية يشارك فيها الملايين للحصول على 50 ألف بطاقة إقامة دائمة ولا تضم أي دولة أخرى كل هذا العدد من المهاجرين بشكل مشروع أو غير مشروع جميعهم اجتذبهم حلم الثراء، الذي يظل مجرد حلم بالنسبة للعديد من الأميركيين·
وفي حين يثور الجدل حول طريقة قياس الفقر يقول المحافظون إن مكتب الإحصاء السكاني يبالغ فيه لأنه لا يأخذ في الاعتبار حصص الغذاء وأشكال الدعم الأخرى·
وهناك إجماع على أن الحد الأدنى للأجور الذي ارتفع بمقدار 15 سنتا إلى 6,35 دولار في الساعة في الأول من أكتوبر لا يكفي لإبقاء صاحبه فوق خط الفقر· غير أن الحد الأدنى للأجور دون تأمين صحي أو عطلات يمثل فرص العمل الوحيدة المتاحة للملايين الذين لم يتلقوا سوى التعليم الأساسي·
فالأعمال التي لا تحتاج لمهارات وذات الأجور الكبيرة في الصناعات الثقيلة والتي رفعت الطبقة العاملة الأميركية في وقت سابق إلى الطبقة المتوسطة تختفي والتراجع مستمر· ومنذ عام 2001 فقد أكثر من 2,7 مليون عملهم في قطاع الصناعة التحويلية في الولايات المتحدة، ويجري 'تهجير' العمل الإداري المنخفض الأجر إلى الدول النامية·