عبد الوهاب حامد:
الداعية الاسلامي الدكتور عبدالله عبد الشكور عالم يتمتع بحس عال وفهم متطور للإسلام بسماحته نظرا لتجربته الشخصية من خلال عمله كمدير لعدد من المراكز الاسلامية بأوروبا واميركا اللاتينية طوال اكثر من أربعين عاما، ومن خلال الاحتكاك المباشر بكل نوعيات وفصائل الاقليات الاسلامية، تحورنا معه حول عالمية الإسلام والعلومة، وكيف التعامل معها، وتأثيرها على الثقافة الإسلامية وواجب الدعاة، وقضايا الأقليات الإسلامية في الغرب·
يرى أن مشكلات الأقليات الإسلامية تتنوع حسب البلد الذي يعيشون فيه،ولكن هناك العديد من المشكلات المشتركة التي يمكن التلاقي على مواجهتها بحكمة وتعاون، مؤكدا أن حل مشاكل الاقليات لا تقع مسؤوليتها على جهة أو مؤسسة واحدة وإنما في رأيه قضية تضامنية على جميع دول العالم الاسلامي بما يملكه من مقومات اقتصادية ومالية وثقافية وحضارية ويرى ضرورة تنظيم مؤتمرات اقليمية بدول الاقليات تمهيدا لعقد مؤتمر عام وعالمي لمناقشة اوضاعها والوصول الى صيغة مقبولة لآيات حلها بما يتماشى مع التحديات التي توجه المسلمين في الغرب هذه الأيام·
هناك دعوات سلبية تضر بالاسلام والمسلمين وتتعارض مع عالمية الإسلام ومن هنا يجب ان يكون للمسلمين وجود فعال في المجتمعات التى أصبحت تقود العالم وتوجه سياساته واقتصاده وثقافته، لو لم يكن للإسلام وجود هناك لوجب على المسلمين ان يعملوا متضامنين على إنشاء هذا الوجود ليقوم بالمحافظة على المسلمين هناك، ودعم كيانهم المعنوي والروحي،ورعاية من يدخل في الإسلام بالإضافة إلى نشر الدعوة الإسلامية بين غير المسلمين، ولايجوز ان نترك هذا الغرب القوي المؤثر للنفوذ اليهودي وحده يستغله ويوجهه لحساب أهدافه وأطماعه ويؤثر في سياسته وثقافته وفلسفاته ويترك بصماته عليها ونحن المسلمين بمعزل عن هذا كله قابعين في أوطاننا تاركين الساحة لغيرنا في حين نحن نؤمن نظريا بأن رسالتنا للناس جميعا وللعالمين قاطبة ونقرأ في كتابنا:' وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين' وقوله تعالى: 'تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا'
ويحذر الدكتور عبدالله عبد الشكور من دعوات الانعزال مشيرا إلى أنه لا مجال للسؤال عن جواز اقامة المسلم في بلد غير المسلم ولو منعنا هذا كما يتصور البعض لأغلقنا باب الدعوة إلى الإسلام وانتشاره في العالم ولظل الاسلام في جزيرة العرب ولم يخرج منها، وأدعو هؤلاء إلى قراءة التاريخ جيدا ليجدوا ان انتشار الإسلام في البلاد التي تسمى الآن العالم الغربي ، انما كان بتأثير افراد من المسلمين تجار أو شيوخ طرائق ونحوهم ممن هاجروا من بلادهم إلى تلك البلاد في آسيا وأفريقيا واختلطوا بالناس في بلاد الهجرة وتعاملوا معهم فاحبوهم لحسن أخلاقهم وإخلاصهم وأحبوا دينهم الذي غرس فيهم هذه الفضائل فدخلوا فيه طواعية أفواجا وفرادى·
؟ ما هو مفهوم فضيلتكم للعولمة من منظور اسلامي وكيف يتم يتعامل معها؟
؟؟ إن هناك مفهوما آخر، يختلف عن المفهوم الغربي للعولمة ، فلدينا عالمية الإسلام تدعو إلى التكافل بين الإنسان وأخيه الإنسان، والتعاون على الخير وإلغاء كل مظاهر التمييز العنصري ومقاومة كل دعوة إلى إقليمية ضيقة أو قومية متفوقة أو عصبية جاهلية، ويضع الإسلام معيارا واضحا للتميز والتفاضل يقوم على أساس العمل النافع، وفعل الخير، والتنافس فيه والتضامن بين الأغنياء والفقراء، والتعاون بين الشعوب والقوميات لكي تكون كلمة الله هي العليا، ينهى عن عولمة التنافس والتناحر التي تغذيها المصالح الفردية للأقوياء، وتنميها روح السيطرة والعنصرية والاستعلاء، فهذه عولمة مذمومة، وتكرس حالة الانقسام والتمزق بين الدول والشعوب، وتقود إلى حروب ونزاعات وصراعات بين الشمال والجنوب، وتزيد من حدة الفجوة بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة، وتوجد الشعور النفسي بالاستعلاء والهيمنة، وتعطي للأقوياء من الدول والشعوب شرعية التدخل في شؤون الدول المستضعفة، والوصاية على سياساتها الاقتصادية والإنمائية ومواقفها السياسية، وهذا المفهوم للعولمة لن تقبله الشعوب ولن ترتاح إليه، وسترفضه، لأنه يفقدها شعورها بالسيادة، ويجعلها في حالة من التبعية المذلة التي تتنافي مع حق الشعوب في الدفاع عن هويتها الثقافية وايضا استقلالها السياسي··
وحول تأثيرات آليات العولمة على الثقافة الإسلامية، يؤكد الدكتور عبدالله عبد الشكور أن هذه التأثيرات، على خطورتها، فإنه يمكن التعامل معها بوعي وحكمة ، موضحا أنها تستخدم حاليا لهيمنة ثقافة واحدة على شعوب العالم، بما يلغي مساهمات الآخرين في تاريخ تقدم الإنسانية وجعلت الكثير من الشعوب عرضة للاختراق الحضاري والايديولوجي والسياسي والاقتصادي الرهيب·
وقال لمواجهة مثل هذه الأخطار لابد من إجراء تحول نظري في مشاريعنا التي تتبناها مراكزنا البحثية، حتى تكون نموذجا ومثالا متقدما وفاعلا بحسن مواكبتها اليومية للمتغيرات الدولية وتوظيف ايجابياتها الكثيرة ودراسة تأثير سلبياتها علي هيكلية مجتمعاتنا التي تتعرض إلي هزات عميقة· ولعل أول ما ننادي به هنا، هو العمل على إرساء منظمة إسلامية مستقلة لتكون منبرا حرا لدراسة هذه التأثيرات، بحيث يلتقي في إطارها أهم المتخصصين في هذه العلوم ويتدارسون، بهدوء وبشكل معمق، هذه المتغيرات ليقدموا ، حصيلة رؤاهم إلى القيادات السياسية والبحثية للعمل على تنفيذها على مستوى مؤسساتنا ومراكزنا وجامعاتنا· فلدينا تحديات حضارية وثقافية واقتصادية ، ولا يحق لنا بأي شكل من الأشكال، الهروب من تحمل مسئولياتنا·
ويشير الى أن الحضارة الإسلامية كانت دائما عطاء نابضا بالحياة وهي ثمرة تاريخ الأمة وإبداعها وعبقريتها،وهي تعني فن العمل وصناعة الأشياء بدقة، وفن التعامل مع الناس جميعا والتعارف بين البشر أيا كان لونهم وجنسهم ودينهم ، وتولي اهتماما كبيرا بمختلف العلوم والمعارف· فما أحوجنا الى استلهام هذه القيمة في واقعنا المعاصر·
؟ كيف تستطيع الأمة أن تلحق بالركب وتشارك فى صياغة المستقبل مع الحفاظ على هويتها ؟
؟؟ نمثل جانبا كبيرا ومهما من عالمنا المعاصر، ولدينا موقع فريد ومتميز بين القارات الخمس، ويملك العالم الإسلامي من مصادر القوة المادية والمعنوية ما يجعل لشعوبه مكانة متميزة في حضارة الإنسان المعاصر، ولكن اعتقد أن أهم مصادر القوة في حياة الشعوب الإسلامية، هو إسلامها، الدين الخاتم، وشريعتها التي تعلي من شأن الإنسان، وتفتح له باب التقدم والرقي ماديا وروحيا، وقد أقام المسلمون في سنين قليلة حضارة إنسانية مبنية على عقيدة الإسلام وشريعته، وخلفت لنا تراثا علميا وحضاريا باذخا، يحق لنا أن نستلهمه ونحن نستشرف المستقبل·
و لابد للعالم الإسلامي أن يكون جزءا حقيقيا من العالم المعاصر، وأن يشارك بفاعلية في مواجهة قضاياه ويقدم حلولا تسعد الإنسانية وتحقق الأخوة المنشـــــــــود وتعلي من قيم العدل والخير لجميع الشعوب·