الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

أبوظبي وقمم مكة والرؤى المشتركة

أبوظبي وقمم مكة والرؤى المشتركة
27 مايو 2019 05:58

علي بن سالم الكعبي

لم يكن غريباً على الإطلاق أن تكون أبوظبي، أول عاصمة عربية تعلن ترحيبها وتلبيتها للدعوة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عاهل المملكة العربية السعودية لعقد قمتين إحداهما خليجية، والأخرى عربية قبل يوم من القمة الإسلامية المزمع عقدها نهاية الشهر الجاري في مكة المكرمة.
الدعوة للقمتين، التقت مع رؤية وتصريحات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة التي جاءت في ختام زيارته السريعة للقاهرة، حيث قال سموه «إن التحديات والمخاطر التي في المنطقة تحتاج إلى تحرك عربي فاعل ونشط». وهذه التصريحات التي أطلقها ولي عهد أبوظبي من على ضفاف نهر النيل العظيم وفي ذلك مغزى كبير، حيث مصرُ أرض الكنانة وقلب العروبة النابض، والتي جاءت عقب اللقاء التشاوري مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد توافقت ورؤية خادم الحرمين الشريفين الذي دعا إلى عقد القمتين، وهو ما يعني أن أمر القمة قد جاء بالتشاور والتنسيق بين القادة الثلاثة على وجه الخصوص (ورابعهم بالقطع الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين الشقيقة، والذي قام بدوره في وقت لاحق بزيارتين إلى القاهرة وأبوظبي).
القمتان العربية والخليجية تشكلان محاولة لبناء موقف قومي تضامني مع دول الخليج، ومنع قمة الدول الإسلامية من الانزلاق نحو حالة استقطاب جديد يفاقم الخلافات القائمة حالياً داخل المنظمة الإسلامية، ويزيد من حدتها، ويعتقد أنه من السهل الوصول إلى موقف مشترك - يمثّل الحد الأدنى من التضامن مع دول المنطقة إزاء الاستفزازات التي تتعرض لها تجارتها والملاحة في الخليج، خاصة وأن معظم الدول العربية أصدرت بيانات إدانة لما تعرضت له الموانئ والناقلات والمنشآت النفطية من عدوان، وحسناً فعل العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بزيارته السريعة إلى أبوظبي التي باتت قبلة الزعماء والقادة الساعين بجدية إلى حفظ أمن واستقرار المنطقة سعياً إلى إنقاذها من المخاطر المحدقة بها.
إن المشاركة العربية في القمة الإسلامية تدعم الخطوات التي سيتم اتخاذها في القمّتين الخليجية والعربية وبما يخدم مصالح الأمتين العربية والإسلامية، كما أن هذه المشاركة تأتي كحائط صدٍ صلبٍ وقويٍ في وجه الخطاب السياسي الإيراني الذي بات مطالباً باستيعاب وفهم رسائل قادة المنطقة جيداً، فالتمسك بالنهج الدبلوماسي لا يعني إطلاقاً العجز عن مواجهة أو صد أيّ عدوان، وبتر الأذرع التي تحاول النيل من الأمن القومي، أو تهدد سلامة الأراضي، والضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه النيل من الأوطان.
الحقيقة تظهر بوضوح الدور الرائد الذي تضطلع به أبوظبي في التعاطي مع القضايا الإقليمية والدولية، ورؤيتها الواضحة حول مختلف قضايا المنطقة وقيادتها بذكاء لمحور خليجي عربي يبلور خطط وسياسات قادرة على مواجهة المخططات والمؤامرات التي تُحاك ضد المنطقة الخليجية، وتستهدف زعزعة أمنها واستقرارها وسلامتها، كما وتهدد مستقبل شعوبها كذلك. هذا الدور الذي يبدو واضحا من خلال تعبير رؤساء البعثات الدبلوماسية من الدول الصديقة، عن إعجابهم بالإمارات والسياسات التي ينتهجها القادة، والثناء على النهج القويم الذي ترسمه الدولة وتسير عليه في سياستها الخارجية من إعلاء لقيم التسامح والتعاون، وبث روح المحبة والسلام، كما وتحرص على حل المشكلات التي تواجهها وفق أطر دبلوماسية بعيداً عن التفكير في الانسياق نحو ساحات القتال، والتحريض على العنف من خلال اندلاع المواجهات المسلحة التي تخرج منها الأطراف المتنازعة خاسرة، فلا تربح البشرية جراءها إلا مزيداً من الضحايا واللاجئين الأمر الذي يمثل بيئة حاضنة لنمو جماعات العنف والإرهاب، وتجار الحروب الذين هم أعداء للإنسانية.
نعم هذه رسالة الإمارات التي أرسى دعائمها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» منذ تأسيس الاتحاد، زايد الخير الذي تظلّلنا روحه الغالية، وسيرته العطرة هذه الأيام، حيث تحل ذكرى وفاته في التاسع عشر من رمضان في كل عام، وعلى نهجه يسير أنجاله الكرام، صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وأخوه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويترجمها بجلاء وحنكة وذكاء مهندس السياسة الخارجية سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي.
إن القمة المرتقبة التي ستحتضنها مكة المكرمة مهد الرسالة المحمدية، وفي العشر الأواخر من شهر رمضان المعظم إنما تنعقد في ظل أزمات طاحنة تعصف بالمنطقة التي يتربص بها الأعداء، وآمل في أن تسهم هذه الأجواء في أن يستمع الإخوة في قطر إلى صوت العقل وأن يكفوا عن العبث، فلم يعد هناك مزيد من الوقت للعب بالنار، وعليهم أن يتداركوا الموقف وأن يحسنوا فهم الرسالة، وأن يلتقطوا طوق النجاة الذي ألقي لهم قبل فوات الأوان، كما أنّ عليهم تصحيح موقفهم بعد التصريح غير المسؤول الصادر عن خارجيتهم والذي يزعم عدم تلقيهم دعوة رسمية لحضور القمة التي أعلن عنها خادم الحرمين، في حين أن الدبلوماسي القطري الذي قال هذا الكلام يعلم جيداً أن جامعة الدول العربية هي المعنية بدعوة الأعضاء إلى اللقاء، وأن الدعوة تم تعميمها بالفعل وبالتأكيد، مندوب الدوحة لدى الجامعة العربية قد تسلمها.
على الدوحة أن تكفّ عن القيام بممارساتها الصبيانية، فهي تعلم أن نذر الخطر تلوح في الأفق فإذا ما اندلعت شرارتها، واشتعل فتيلها فإنها سوف تعصف بهم، ولعلهم يستوعبون كيف أن حليفهم التركي قد التزم الصمت، كما أنه صرّح وبوضوح بأنه ملتزم تماماً بقرارات واشنطن الخاصة بحصار إيران اقتصاديا، ومنع الدول من استيراد نفطها، فمتى سيفهم القطريون أن اللعب على الحبال لم يعد مجدياً ولن يفيد في مثل هذه الأوقات والمواقف الحرجة، وأن شقيقهم الخليجي وبما يجمعهم به من مصير مشترك هو الأقرب إليهم، ومن ثم لم يعد هناك مجال للمراوغات.
إن الفرصة ما زالت سانحة وقد قدمتها أبوظبي والرياض على طبق من ذهب للدوحة فهل تحسن استغلالها وتحفظ الجميل لأهله؟ لننتظر الأيام القادمة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©