الرجل من المريخ··والمرأة من المريخ أيضا، وربما كان الرجل والمرأة كلاهما من كوكب الزهرة· هذه ما طلعت به دراسة حديثة تعززها أوراق عمل عديدة، وتركزت حول الفروق النفسية بين الجنسين، وخلصت إلى القول إن أكثر الجوانب الرئيسية بين الجنسين متشابهة·
أول ما يلاحظ على هذا التقرير الذي نشرته مجلة 'عالم النفس الأميركي' في عددها الأخير، أنه يخالف الرأي العام الشعبي القائل إن الجنسين مختلفان بحيث يعيشان من الناحية العملية،على كوكبين نفسيين منفصلين· وقد تجسد هذا الاعتقاد الزائف في رواية الكاتب جون جراي التي تحمل عنوان 'الرجال من كوكب المريخ، والنساء من كوكب الزهرة'·
بالنسبة لعالم النفس الأميركي الذي قاد البحث الجديد، البروفيسور شيبلي هايدي، من جامعة ويسكونس ماديسون، فإنه يقول إن جوانب التشابه بين الرجال والنساء، هي أكثر وأعظم من الفوارق بينهم· والدراسة التي قامت على أدلة بحثية وفحص دقيق، لكل شيء، بدءا من قوة التفكير والإدراك المكاني، وانتهاء بالعدوانية وحتى طريقة الابتسام ووتيرته، توصلت إلى النتيجة التالية: إن 78 بالمائة من الجوانب الفوارق النفسية، إما أنها غير موجودة، أو ضئيلة·
على سبيل المثال: الفتيات في مادة الرياضيات هن من الكفاءة كالصبيان، وإن الصبيان كالفتيات يعانون بنفس الدرجة من تأثر مستوى الثقة بالنفس لديهم في مرحلة البلوغ، (عدم الثقة بالنسبة للفتيات نتيجة الدورة الشهرية)· والفروق بين الجنسين فيما يتعلق بالتوجه الأخلاقي هي ضئيلة أيضا، وينطبق الشيء نفسه على مستويات إشباع الرغبات والسعادة في الحياة·
ومع أن الدراسة تتحمس لفكرة التشابه بين الجنسين أكثر من الفروق بينهما، غير أنها لا تجزم بأن الرجال والنساء متشابهون في كل حقل، وتشير إلى الاستثناءات الأكبر في المهارات البدنية حيث الأولاد مثلا يرمون الاشياء إلى مسافة أبعد من الفتيات، وأن الصبيان أكثر اعتداء على غيرهم من الفتيات·
الرجال والنساء يختلفون أيضا في بعض السمات وليست كلها ففي النواحي الجنسية، فإن الفروق المتعلقة بالاكتفاء الجنسي قريبة من الصفر·
ويقول البروفيسور شيبلي هايدي إن نتائج بحثه مهمة، ليس لتصحيح سوء الفهم الشائع فحسب، وإنما للتغلب على 'التكاليف الخطيرة' الناجمة عنه على صعيد العمل، والأسرة، والعلاقات، فالفكرة القائلة بأن المرأة تركز على 'الاهتمام' بالأولاد أكثر من أي شيء آخر، بينما الرجل يركز على 'العدالة' قد عزز الاعتقاد بأن الرجال أقل اهتماما في تربية الأولاد، بينما النساء اللواتي يخترقن صورة الأمومة القائمة على الاهتمام والطيبة، يمكن أن تترك آثارا وخيمة عليها في معترك العمل·
النساء اللواتي يتولين مراكز قيادية ينظر إليهن بإيجابية مثل أقرانهم من الرجال، ولكن أولئك اللواتي يصورنهن على أنهن غير مهتمات بأولادهن، إنما ينظر إليهن بعين النقد أكثر من الرجال الذين على نفس هذه الصورة، لأن هذه السمات إنما تسير على نحو مضاد 'للتصرف الطبيعي'·
الأطفال أيضا يتأثرون بمقولة الفروق بين الجنسين، فالاعتقاد لدى الآباء بأن البنات هن اقل نجاحا وتفوقا في مادة الرياضيات من الأولاد، قد أثبت عدم صحته بالنسبة للبروفيسور هايدي· ثم إن الزوجين اللذين يعتقدان إنها نادرا ما يتكلمان نفس اللغة، ونادرا ما يتفقان، قد يحجمان عن حل المشكلات بالطريقة المثلى، والتواصل البناء·