عمّان ـ ريم البريكي:
التحديات مهما تم تصنيفها وتشكيلها تعد عقبة في طريق مواصلة رحلة النجاح لأي إنسان، وبالمثل كان طريق الإعلاميات العربيات محفوفا بالمواجهات والتحديات التي تفرضها مجتمعاتهن المحافظة، والتي تنظر إلى المرأة على أساس كونها كيانا تابعا للرجل، ومع وجود تلك التحديات وكثرتها استطاعت الإعلامية العربية فك قيود مجتمعها، وسعت لحل كل العقد، وحولت كافة التحديات إلى سلم وصول يمكنها من بلوغ غاياتها النبيلة التي تصب في خدمة مجتمعها، فأصبحت لا تبالي بالمخاطر التي قد تعترض طريقها، والتي تعيق نقل كلمتها الإعلامية بمصداقية وشفافية تامتين، كما جندت نفسها كباحثة مثابرة في سعيها للبحث عن الصورة الحقيقة للإعلامية، التي يحترمها الجميع·
في التحقيق التالي سلطنا الضوء على التحديات التي تواجهها إعلامياتنا العربيات في عدد من الأقطار العربية، والدور الملقى على عاتقها لتغير صورة المرأة العاملة بقطاع الإعلام·
تتحدث الإعلامية الأردنية إقبال التميمي عن معاناتها الشخصية بحقل الإعلام فتقول: إن المعوقات التي تواجه الإعلامية عديدة منها معوقات شخصية، ومنها معوقات عامة لها علاقة بظروف العمل وهذه النقطة تشتكي منها إعلاميات كثيرات لأنهن يتهمن بالتقصير وبضآلة تجربتهن لقلة ما ينشر لهن من مواد جادة، وهذا يحصل في أحيان كثيرة بسبب تعسف من قبل الشخص المشرف في موقع إداري أعلى حيث يرفض بعض المواد دون سبب مقنع وجيه، والذي يحرمها من فرص التدريب المتاحة، والمشاركة بالدورات والتمثيل الإعلامي لمؤسستها، أو تسخيف رأيها بطريقة تقلل من شعورها بالثقة مما يجعلها تشعر بالدونية فتفقد القدرة على المحاولة· إضافة إلى تأثير ذلك على انتمائها لمؤسستها وإخلاصها في جمع المعلومات والتقصي والصياغة حيث تجد بالتجربة أن من يجتهد ومن لا يجتهد يتساويان في المعاملة، هذا إضافة إلى انعدام التشجيع والحرمان من الترقيات والحوافز وانعدام القدوة في شخصية المدير المباشر الذي لا يعمل بما يوجه به الإعلاميات العاملات تحت إدارته من عدم انتظام بساعات الدوام وتوزيع عبء العمل بشكل غير منصف على البعض دون الآخرين وتوجيه الإرشادات التعنيفية بشكل علني يكسر حاجز الاحترام بين الرئيس والمرؤوس·
الرسالة الذكورية
تؤكد الإعلامية اليمنية رحمة حجيرة أن الإعلام أصبح اليوم واحدا من أهم الوسائل الرئيسية التي تقود الحركات الفكرية والسياسية والاقتصادية التي ظهرت في العالم بالآونة الأخيرة، وتضيف أنه لم تنج زاوية في العالم مهما كان حجمها أو موقعها من هذا الحراك وتأثيراته على أفكار الناس وقراراتهم بشكل إيجابي، وقد كان للنساء باليمن نصيب الأسد من تلك الحركات التي شملت العالم النامي حيث بدأت اليمن تتلمس خطواتها نحو المشاركة الإيجابية في التغيرات العالمية، بيد أن صورة المرأة في وسائل الإعلام انحصرت في كونها مادة أساسية للتسلية والترفيه، حيث وضعت في قالب السلعة المستهلكة للإعلام دون النظر إلى الصورة الأخرى للمرأة في كونها خبيرة و باحثة و قيادية و سياسية و مقاومة، كما أن وسائل الإعلام أخذت على عاتقها تحقيق أهداف الساسة والاقتصاديين ورجال الدين الذين بدورهم قاموا باستغلاله كأداة سحرية لتغيير المواقف وقناعات الآخرين وشحذ الهمم، دون أن يوظف ذلك الإعلام في الاستثمار الجيد من قبل نشطاء وناشطات الديمقراطية وحقوق الإنسان على الرغم من أنه الأكثر تأثيرا بعد رجال الدين·
وعن تأثير الإعلام اليمني في إبراز دور المرأة الإعلامية تقول رحمة: في اليمن الرسالة الإعلامية ذكورية وتخدم المجتمع الذكوري كما أنها في الكثير من الوقت تعد الوسيلة الأقسى ضد المرأة فترسخ المفاهيم التقليدية والمتخلفة تجاهها وتنشر الآراء الدينية الأكثر تشددا خاصة وأن النساء في اليمن ما يزلن مغيبات عن صناعة القرار الإعلامي من جهة المادة الإعلامية المنشورة في وسائل الإعلام اليمنية، كما لا توجد مساحة بالأصل تتناول قضايا المرأة بالتركيز على القضايا الحقيقية والرئيسية للمرأة في اليمن، كما تقف الظروف الاقتصادية والاجتماعية حائلا أمام ابتعاث وسفر الصحفيات اليمينات خارج اليمن وذلك بهدف التأهيل واكتساب خبرات جديدة بينما يشكل غياب الحرفية العالية بين أوساط الصحفيات السبب الرئيسي في غيابهن عن صناعة القرار الإعلامي وتقديم الرسالة إعلامية غير مؤثرة بالرأي العام، كما تواجه الإعلامية اليمنية عرقلة مجتمعية تحت غطاء الموقف الاجتماعي والذي لايجيد الفصل بين الحياة الشخصية للإعلامية،والموقف الفكري النافذ، وتتعرض الإعلامية نتيجة لذلك الخلط إلى الإساءة لأعراضهن وأخلاقهن،وهي الوسيلة الأفضل للرد على الإعلاميات المعارضات·
وعن تواجد المرأة اليمنية بالإعلام تؤكد رحمة: أن نسبة تمثيل المرأة اليمنية كقوة عمل في المؤسسات الإعلامية لم يصل حتى الآن إلى الثلث حيث تبلغ نسبة الحضور الإعلامي النسوي 32% مقابل 68% للذكور، وهذه الفجوة الكبيرة بين نسبة الحضور النسائي والرجالي بالإعلام يعود سببه إلى أنه لم تعط الإعلامية اليمنية الفرصة العادلة في التغطية والأجر والترقي والمشاركات، بالرغم من أن 46% من الإعلاميات اليمنيات تتراوح خدمتهن في مجال الإعلام من العشر إلى ما فوق الخمسة والعشرين سنة إلا أن 12% فقط منهن وصلن إلى المراكز التنفيذية والقيادية في المؤسسات الإعلامية·
مؤسسات تدريبية
الإعلامية الإماراتية لولوة ثاني إعلامية بجريدة 'البيان' تقول عن تجربتها: لقد شدني الإعلام لأكون واحدة من جنوده، وهذا بدافع موهبتي الكتابية والتعبيرية التي كان لها كبيرا الأثر في توجهي لدراسة الإعلام فيما بعد·
وعن الصعوبة التي تواجهها الإعلامية الإماراتية تقول لولوة: تتشابه الصعوبات التي تواجهها الإعلامية الإماراتية مع شقيقتها الخليجية من حيث نظرة المجتمع الدونية للمرأة العاملة في هذا المجال، والذي يتطلب الجرأة والبحث عن المتاعب والصراحة وهذه أمور مرفوضة من قبل المجتمع، بينما لا تعاني الإعلامية الإماراتية من التحديات والقضايا الكبيرة التي نسمع عنها بالوطن العربي كتعرض الإعلامية للقتل، أو التهديد، وهذا يعود للأمن والآمان المنتشر في ربوع دولتنا·
وتضيف لولوة أن الإعلامية الإماراتية هي وحدها القادرة على عرض قضاياها وقضايا مجتمعها المحلي، ولهذا يخفق الآخرون في عرض تفاصيل المشكلات التي تواجهها، وهذا يحسب للإعلامية الإماراتية ويميزها في هذا الميدان·
وعن أكثر الصعوبات التي تواجه الفتاة الإعلامية العاملة بحقل المطبوعات والنشر تقول لولوة: بداية تكون المشكلة هي مشكلة التعامل مع المصادر ونقصد بالمصادر الشخصيات التي نجري معها الحوارات، أواللقاءات الصحفية وهؤلاء ينظرون لعمل المرأة الإعلامية نظرة إعجاب واحترام، ولكنهم لا ينظرون إليها كأخت أو زوجة، أي أنه يريد أن يرى إعلامية مواطنة، ولكنه لا يفضل أن تكون أخته أو زوجته، وترى لولوة أن وعي المرأة بالدور القيادي والكبير الملقى على عاتقها يجعلها أكثر صمودا وتحملا لمتاعب هذه المهنة، وإلى رغبتها الصادقة في تغير نظرة المجتمع لعمل الإعلامية، كما يشير تفوق عدد النساء العاملات بالقطاع الإعلامي إلى هذه النقطة والتي تكون في صالح المرأة، حيث لا يستطيع الرجل تحمل ساعات العمل المتواصلة والمتعبة، والتي تلزمه بيوم عملي شاق، بعيدا عن أجواء المكاتب المريحة والمقيدة بساعات عمل محددة· وتضيف من الأمور السلبية لمهنة الإعلام هي تلك الساعات الطويلة التي تقضيها المرأة الإعلامية خارج منزلها، وهي من المشكلات التي تواجه الإعلامية الأم والزوجة والتي تنتظرها أدوار أخرى، مثل العناية بأطفالها، وتدبير منزلها، وكل تلك الأمور تحتاج من المرأة جهدا، ووقتا، ولهذا يعد استمرار المرأة الإعلامية على الرغم من تلك الصعوبات هو من الأمور الإيجابية لقدرة المرأة الإماراتية على تحمل أعباء الحياة وعدم رضوخها للواقع الصعب الذي تعيشه·
عن ما ينتقص الإعلامية الإماراتية لأداء دورها بأفضل الوسائل تقول لولوة: إن غياب الوعي بأهمية تدريب الكوادر الوطنية يأتي في مقدمة القضايا التي لا تجد اهتماما واسعا من الجهات الإعلامية، حيث لا يتم إرشاد الإعلامية المواطنة العاملة بالمؤسسات الإعلامية، ويكون الاعتماد على ما حصلته من علم ودراسة خلال جلوسها على مقاعد الدراسة الإعلامية، كما لا تقام دورات إعلامية متخصصة بهدف تدريب وتأهيل الكوادر المحلية للعمل الميداني·
وتقول لولوة إنه في الفترة الأخيرة كانت هناك بادرة جميلة هي الوحيدة في مؤسساتنا الإعلامية وهي مبادرة مؤسسة دبي للإعلام بإنشاء مركز لتدريب وتأهيل الكوادر المحلية، وهذا المركز يقوم بمد يد العون للموظف بالمؤسسة، ولطلاب وطالبات الجامعات الراغبين والراغبات في الانخراط في المجال الإعلامي، ويقوم هذا المركز بإرسال بعثات للدراسة والتدريب بالخارج وذلك للاستفادة من تجارب الآخرين·
الإعلامية والإرهاب
الإعلامية السعودية سوسن الحميدان المسؤولة عن القسم النسائي بجريدة 'الشرق الأوسط' تقول: إن الحديث عن الهموم والمعوقات الإعلامية التي تواجه المرأة العربية هو واحد، حيث لم يمر وقت طويل على الصحافة النسائية بالسعودية وبالعالم العربي، ومع ذلك فإن الشوط الذي قطعته الإعلاميات السعوديات منذ دخولهن المجال الإعلامي وحتى الآن يعتبر قياسيا ومشرفا لما حققته من إنجازات على جميع الأصعدة الإعلامية من تغطية للأحداث الهامة والحيوية والمشاركة الفاعلة في مختلف المناسبات الوطنية والرسمية، وقد لعب الاستقرار السياسي في المملكة دورا هاما في استقرار النخب العاملة في جميع المجالات الوظيفية ومنها الصحافة التي أولاها النظام السعودي اهتماما خاصا، فقد تعددت منابر الصحف بعد أن كانت هناك جريدة واحدة رسمية ينقل عنها ما يصدر من أنظمة وقرارات سياسية، وبلغ عدد الصحف 11 صحيفة مقسمة ما بين يومية وأسبوعية·
ولكن الأحداث الطارئة على الساحة الأمنية، السعودية، وظهور الحركات الإرهابية داخل المملكة جعل من الدور الملقى على عاتق الإعلامية يتفاقم ويكبر في حجمه، من حيث حاجة المجتمع إلى نقل الصورة الصحيحة لما يحدث على أرض المملكة بدون قلب للحقائق، فظهر دور بارز للإعلامية السعودية في نقل الحدث عبر قلمها وعدسة كاميرتها بحرفية مسلطة الضوء على رأي الشارع السعودي، وتتبع القضية من جوانب عدة وضحت للمجتمع السعودي فساد القضية التي سعت الفئة الضالة لتمويه المجتمع من خلالها·
كما واجهت الإعلامية السعودية إلى جانب أخيها الرجل مشكلة حصر القضايا الإعلامية والمتمثل في الحسبة التي يمكن لأي شخص رفعها على الإعلامي الذي تختلف مبادئه معه على جهة المحاكم الشرعية، وحلت تلك المشكلة بالقرار الحكيم لصاحب السمو خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز والذي يقضي بتحويل قضايا النشر من المحاكم الشرعية إلى وزارة الإعلام ، وهذا بعد قضية الحسبة التي أقامها عدد من المواطنين ضد كاتبين تحدثا عن رأيهما بصراحة كاملة وذلك عبر قنوات تلفزيونية·
وعن أكثر المشكلات الوظيفية التي واجهت الإعلامية السعودية داخل مؤسساتها الإعلامية تقول سوسن: كانت الإعلامية السعودية تعاني من عدم فتح أقسام نسائية داخل الصحف المحلية إلا أن تلك المشكلة وجدت منفذا خلال السنتين الأخيرتين حيث أصبح هناك تركيز على إعطاء مساحة كافية لقضايا المرأة·
وعن المستوى المهني والأكاديمي الذي وصلت له الإعلامية السعودية تقول: ما زالت السعودية تفتقر إلى الإعداد الأكاديمي بعد أن كان عملها يعتمد على الهواية، فعلى الرغم من أن عدد الصحفيات السعوديات بلغ 300 صحفية، إلا أن الجهود الحالية المبذولة في اتجاه تأهيلها أكاديميا تعد جهودا ضعيفة، حيث تتطلع الإعلاميات سعوديات إلى تبني جهة أكاديمية فتح كلية إعلام خاصة بالبنات، على غرار كلية الإعلام المخصصة للبنين، وبالتأكيد سيكون وجود تلك الأكاديمية حافزا لانخراط العديد من السعوديات في مجال الإعلام·