مصطفى دقاق:
لم يكن في البيت العربي القديم غرفة خاصة للطعام، فقد كان أهل البيت يتناولون وجباتهم في غرف المعيشة شتاءً وفي حوش الدار المفتوح الى السماء صيفاً، أما اذا كان هناك ضيف فإن غرفة الضيوف هي مكان الوجبة، حتى ان الإبريق والإناء يأتيان الى مكان جلوس الضيف ليغسل يديه من دون ان يتحرك·
مع تحول البيت وفق تطور المجتمع العربي، بدأت تظهر علامات التأثير الغربي التي كان من بينها غرفة الطعام·
هذه الغرفة شهدت بدورها مراحل تحول، فبعد ان كانت خالية الا من سماط يفرش على سجاد الغرفة ووسائد مبثوثة في انحاء الغرفة للاتكاء، دخلت الطاولة والكراسي التي كانت بسيطة جدا ووظيفية جدا في البداية، ثم ما لبثت ان تحولت الى قطع للزينة واستعراض الفخامة والذوق الرفيع فيما بعد·
العالم الغربي كان هو مصدر التحول والعالم العربي لم يكن الا مستقبلا للتصاميم المتجددة مع محاولة استخدام وسائل تزيين تلائم البيئة الشرقية، مثل الأرابسك على سبيل المثال·
اقتصرت مادة تصنيع أثاث غرف الطعام على الخشب فكان الخام الوحيد المستخدم في مجمل صناعات الأثاث، والأكثر شعبية طوال القرن العشرين على الرغم من غلاء ثمنه وتضرره بسهولة، سيطرة الخشب لم تحصر التصميم في قالب واحد، إذ شهد القرن الماضي تصاميم جريئة وخلاقة مثل أعمال جوزيف هوفمان وتشارلز رينية ماكنتوش، إذ أنتج هذان المصممان قطعا حديثة تفوقت على الامكانيات التصنيعية للخشب·
ومن المتغيرات التي أثرت في تطوير القدرة التصميمية للخشب، دخول الآلة طرفا في التنفيذ فكان كارلو مولينو أحد أهم المصممين الذين استخدموا الآلات وطوروا هذا الاستخدام حتى وصلوا الى ما يعرف اليوم بالخشب المضغوط الذي عالجوه بوسائل ميكانيكية من اجل تقديم الاثاث المميز في غرف طعام القرن العشرين·
بعد هذه المرحلة، دخلت المعادن بأنواعها ثم الألياف الزجاجية والبلاستيك، الأمر الذي وفر حلولا بديلة أعطت أوسع الامكانيات للمصممين فوصلوا إلى أبعد نقاط خيالهم غير المحدود·
في هذه الحلقة من تصميم، نقدم للقارئ أهم تصاميم قطع أثاث غرف الطعام من كراسي وطاولات والتي كان لها الأثر في رسم المسار التصميمي الذي شهده القرن العشرون لهذا النوع من الأثاث·
كرسي بوركرسدورف 1905
تتداخل في تصميم هذا الكرسي أشكال هندسية مختلفة، الكروي والمستطيل والمربع، وقد أعطت هذه الأشكال شخصية مميزة لهذا الكرسي الذي صممه جوزيف هوفمان·
الكمية التي صنعت من هذه القطعة كانت محدودة، وقد صُنَّع من قبل الاخوة تونيت، وهو جزء من غرفة طعام صممت في العاصمة النمساوية فيينا تحت اسم (بوركرسدورف) ومنها أخذ الكرسي اسمه·
امتازت هذه القطعة ببساطتها وبعدها عن التزيين والزخرفة والخطوط المستقيمة·
كرسي الخشب المنحني 1952
هذا الكرسي هو واحد من نسختين صنعتا من الخشب المضغوط ذي اللون الترابي، صممه كارلو مولينو الذي عرف بخطوطه القوية الدقيقة التي يطغى عليها التناسق الواضح، والتي استطاع هذا المصمم ان تكون طابعا مميزا لكل أعماله·
هذا الكرسي صُنع من قبل ابيلي وفارسيو·
الكرسي ذو الظهر العالي 1990
الأثاث الشعبي المستخدم لأمد طويل، وكان من اختصاص المصمم تشارلز رينيه ماكنتوش، وهذا الكرسي ذو الظهر العالي هو إعادة انتاج لأحد أعمال هذا المصمم·
صنع هذا الكرسي للمرة الأولى من قبل شركة انجرام ستريت تي رووم في غلاسكو (اسكتلندا)·
عرف عن ماكنتوش قدرته الفائقة على ان يجمع في تصميماته بين الخطوط المنحنية والمستقيمة متأثرا بحركة الفن الحديث التي ظهرت في أوروبا، وفي هذا العمل استخدم أسلوبا هندسيا بحتا·
الطاولة والكراسي 1949
هذا الطقم المكون من طاولة وكراسي، هو أحد أعمال المصمم هانز فاغنر التي صممها لحساب شركة فرتيز هانسن الدنماركية·
استخدم في تصميم هذا العمل طريقة النجارة التقليدية، الأمر الذي طغى على شكل العمل على الرغم من ان بعض القطع صنعت بواسطة المكائن ولكن بمهارة حافظت على روح الصناعة اليدوية التي تتجلى في صقل الخشب وتداخل أجزائه، كما ان تنسيق أرجل الكراسي أعطى ميزة أخرى وهي سهولة الحركة وحريتها·
زهرة الخزامى 1956
صمم هذه المجموعة وأطلق عليها اسم زهرة الخزامى المصمم الشهير ايروسارنين لحساب شركة كول·
كان هدف المصمم تشكيل كرسي كامل من البلاستيك، لكن الساق الحاملة للكرسي لم تكن بالقوة الكافية لحمل الجالس عليها، الأمر الذي اضطره الى تقويتها بقضبان الألمنيوم لتقويتها من الداخل·
غرفة طعام تيسي كونيتا 1986
هذه الطاولة وكرسياها صنعا من الفولاذ وقطع الأسلاك والزجاج فعكست بوضوح الحداثة الايطالية التي مثلها المصمم ماريوبوتا مطلقا على الطاولة اسم (تييس) وعلى الكرسي اسم (كونيتا)·
استخدم ماريو بوتا صفائح الحديد والفولاذ المخرم ليصل الى اكبر قدر ممكن من روح التكنولوجيا المتقدمة معتمدا على اضافة جديدة هي الظلال التي تصنعها الفراغات والفجوات التي تتخلل مساحات القطع المكونة لغرفة الطعام الحديثة هذه·