الأربعاء 29 مارس 2023 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عقيد هنغاري يطارد الخيول في العراق

1 أكتوبر 2005

مؤلف هذا الكتاب عقيد في الجيش الإمبراطوري الملكي، وآمر مزرعة تربية الخيول في بابولنا في هنغاريا، وضعه إثر بعثة قام بها إلى الشرق وتحديداً العراق سنة ،1901 بهدف العثور على أنقى أنواع فصائل الحصان العربي الأصيل، وشراء أكبر عدد ممكن من الخيول في هذه البعثة التي تزور مناطق أبعد وتدوم لزمن أطول من سابقاتها·
ويكشف الكاتب في يومياته عن وقائع مهمة في زمن انتشر فيه الطاعون في الشرق، وباتت موانئه الحالمة مفاجآت للرعب والموت·
يقول العقيد في يومياته: 'لقد أنجزت هذه المهمة المشرفة التي وضعت على عاتقي· وسيقرر المستقبل مدى الفائدة التي سوف يجنيها حقل تربية الخيول في بلدنا من هذه البعثة· والأمل يملؤني بنجاح هذه الخيول التي ضربت حوافرها رمال الشرق وصخوره·
في تقديمه للتقرير التفصيلي عن البعثة التي قام بها، لا يقتصر على تناول ما يهم المتخصصين من طرق تربية الخيول العربية المستمدة من التقاليد في تلك الأصقاع الشرقية، بل يتوسع في شرح التقاليد وأسلوب الحياة والعلاقات الاجتماعية للعرب والشرقيين الجديرة بالاهتمام في عالم لا تتاح زيارته إلا للقلة بسبب موقعه الجغرافي وإمكانية التنقل· وهو في كل هذا لا ينساق وراء النظرة الذاتية للرحالة المسافر بل النية الهادفة إلى جعل كتابه دليلاً لكل أولئك الذين يقدمون على السفر لشراء الخيول في المستقبل إن دعت الحاجة، فيجدون في كتابه ما يعينهم في تحقيق مبتغى رحلتهم· لكنه علاوة على ذلك تطرق إلى ما قد يكون مهماً لمن يريد التعرف إلى طبيعة وشعب ذلك الجزء المجهول أوروبياً من الشرق وأحواله الاجتماعية المميزة· ولهذا، وبقدر المستطاع، وما يمكن أن ينم عن جندي ذهب لشراء خيول عربية جيدة وليس لتجميع الانطباعات، لم يهمل الكاتب ما يمكن أن يرتبط بمهمته لكنه لم يتطرق إلا إلى التفصيلات المجهولة أو تلك التي وردت في كتب الرحلات الغربية بشكل مغلوط· من الممكن حسب اعتراف المؤلف، أن تكون هذه المعلومات ناقصة، لكنها بالتأكيد نتيجة معاينة مباشرة·
باشر المؤلف في تهيئة مستلزمات الرحلة من دون إبطاء فور تسلمه التكليف· قبل كل شيء عاين ما هو صالح للاستعمال مما تبقى من مستلزمات بعثة هنغارية سابقة قامت سنة 1897 وكان هو نفسه على رأسها، وهدفت أيضاً إلى شراء الخيول العربية حتى لو كانت نوعيتها لا تتماشى مع جميع الشروط الصارمة· يقول المؤلف أنه اضطر لاختيار الخيول في البادية السورية لانتشار الطاعون في بلاد العرب ذلك العام، وبسبب الحرب التركية اليونانية التي أثارت الاحتقان في الكثير من الأصقاع·
وخلال جولته تفحص الضابط الكثير من الخيول في دمشق ثم في حمص وحماه وفي ريف حلب واشترى ثمانية منها· ونراه يعدد أسماء الخيل ونسلها فيذكر نسل حمدان السامري، ونسل الهدبان ويصفه بأنه جيد جداً، لكنه صغير، وفحول صقلاوي جيدة جداً لكنها لا تتكاثر بشكل كافٍ· ويقول إنه رغب في جلب افراس حسبما قررت التوجيهات التي تسلمها بمناسبة رحلته في ،1897 غير أنه لم يجد أفراساً جيدة وملائمة للتكثير، فلم يشتر يومها شيئاً· أما في هذه البعثة الحالية التي لم توضع لها شروط، فقد قرر من أجل تحقيق الهدف أن يجتاز الصحراء ويتوجه نحو ذلك الجزء الذي لم تصله بعثات شراء خيول مجرية وحيث توقع الضابط العثور على الخيول المناسبة، ويقصد بذلك العراق· ولهذا الغرض اختارت البعثة، الملازم أول جولا هالاتشي، وإشتفان سنتكيرايي الذي سافر على نفقته الخاصة وبموافقة الوزير لاهتمامه بهذا الأمر، والعريف لايوش بويتار الذي شارك في بعثة سابقة مشابهة وخادمه يانوش بينزش، وقد انطلقت الرحلة في 30 أيلول (سبتمبر) 1901 في اتجاه تريست أولاً، وهناك وجد المسافرون مفاجأة صغيرة في انتظارهم· فقد حجرت السفن التي تعبر الساحل الإفريقي لمدة عشرة أيام في بيروت بعدما بدأ مرض الطاعون الذي يفتك بشعوب الشرق بالظهور في بعض المناطق الساحلية· في هذه الأحوال سعد العقيد المجري لسماع مدير شركة لويد وهو يعد بتسيير سفينة إلى بيروت مباشرة وكانت يومها أحسن موانئ سورية·
ويصف الرحالة مشهد ميناء يافا بقوله: مر وقت على نزول رفاق سفرنا من القوارب واختفائهم في زحمة ساحل يافا· أما نحن الذين بقينا على ظهر السفينة ننظر إلى شعب ساحل الشرق الملون، كنا نتخيل وصول زملائنا إلى باب القدس عند سوق يافا الكبير: عندها رأيناهم مجدداً على الساحل منزعجين يتزاحمون على القوارب التي ركبوها وتوجهوا نحونا· تكاثرت التساؤلات في مخيلتنا، ما الذي حصل؟ عندها أجابوا على أسئلتنا بمرارة قائلين إن السلطات قلقة بسبب صحتهم· بهذا لم يفحص الطبيب المبعوث ألسنة أولئك الراغبين في النزول إلى الساحل وتحسس نبضهم لوحدهم، بل فحصنا نحن في السفينة أيضاً· بعد كل هذا تركنا رفاق السفر ونزلوا إلى الساحل بالسلامة·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الاتحاد 2023©