الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الأخلاق العالمية.. أرضية مشتركة لنشر التسامح

الأخلاق العالمية.. أرضية مشتركة لنشر التسامح
25 مايو 2019 03:19

طه حسيب (أبوظبي)

البعد الأخلاقي، كقاسم مشترك للإنسانية، تَبَدى بوضوح في رسالة الأديان السماوية، وكذلك الأرضية، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» رسالة موجزة توضح محورية البعد الأخلاقي في الإسلام كما في غيره من الديانات، بعدٌ يعزز وينشر التسامح بين بني البشر، كونه يرتكز على معايير يقرها الجميع، بغض النظر عن دياناتهم وألوانهم وألسنتهم. وجهود الإمارات في نشر ثقافة التسامح لامست هذه الجزئية الجوهرية من خلال وثيقة الأخوة الإنسانية، التي كانت نتاجاً هو الأهم لزيارة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية للإمارات في فبراير الماضي.

التركيز على المشتركات الإنسانية والبحث عن القيم الأخلاقية المشتركة، يشكلان جوهر أطروحة المفكر الكاثوليكي الكبير «هانز كينج» الذي أطلق عام 1991 مبادرته الداعية للحوار بين الأديان. «كينج»، وهو سويسري الجنسية، ومن مواليد 22 مارس 1922، طرح أثناء انعقاد مؤتمر عالمي للأديان عام 1993 بمدينة شيكاغو، مقولة في غاية الأهمية يرى فيها (أنه لا سلام في العالم إلا بالسلام بين الأديان، ولا سلام بين الأديان إلا بالتلاقي فيما بينها على أخلاق عالمية للسلام والعدل والحرية والتسامح). المؤتمر المذكور حضره 6500 شخص ينتمون إلى أديان عديدة ليشكلوا ما يعرف بالنسخة الثانية من «برلمان الأديان العالمية»، أي بعد 100 عام من البرلمان الأول الذي استضافته أيضاً شيكاغو، في الفترة من 11 إلى 16 سبتمبر عام 1893. وخلال النسخة الثانية، أعد «كينج» وبمشاركة خبراء من ديانات مختلفة، مسودة «إعلان الأخلاق العالمية»، الذي يتضمن مبادئ المعاملة الإنسانية لكافة البشر، وأقر بالقاعدة الذهبية للمعاملة بالمثل، واللاعنف والعدالة والتكامل والشراكة، ووقع على الإعلان ما يزيد على 200 قيادة دينية كان أبرزهما آنذاك، الدلاي لاما الرابع عشر «تينزن جياستو»، وفي عام 1995 قدم رجل الأعمال الألماني كارل كونراد فون دير جروبين تمويلاً لتدشين «مؤسسة الأخلاق العالمية» بهدف تعليم كفاءات علمية تنتمي لثقافات متنوعة كيفية نشر وترويج قيم الحوار والتعاون والسلام لدى أتباع الديانات ونشر القيم الأخلاقية، ونفّذ لهذا الغرض مشروعات بمناطق عدة من العالم. وفي عام 2012، وبتمويل من مؤسسة «كارل شليشت» تم تدشين «معهد الأخلاق العالمية» في جامعة توبنجين الألمانية، ليركز بالبحث والتدريس على العولمة والأخلاقيات في المجال الاقتصادي، ولدى المعهد الآن الكثير من الشركاء والمبادرات في شتى أنحاء العالم.

«كانط» ومحورية الأخلاق
«الاتحاد» رصدت رؤية رضوان السيد الكاتب والأكاديمي اللبناني، أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية، الذي سبق له لقاء «كينج»، ووقف على الإطار الفكري الذي انتهجه في دعوته للأخلاق العالمية. «كينج» يرى أن التنافر هو السائد في العالم بعد انتهاء الحرب الباردة، فنحن أمام نظام قديم انتهى، والمطلوب آخر جديد، ووجد أيضاً «عودة الدين» والتنافر باسم الدين بين الفرقاء الدينيين في العالم. المفكر الإصلاحي الكاثوليكي، يرى أنه يمكن الالتقاء بين الديانات الإبراهيمية الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلام) وبين الإطار الفلسفي لإيمانويل كانط، فهذا الأخير لديه قناعة بأن الدين يظل فاعلاً في المجال الأخلاقي، ويتفق في ذلك مع رؤية «كينج». كانط أيضاً لديه رؤية مفادها أن الأنظمة الفلسفية والديانات تلتقي في المجال الأخلاقي. وإذا كان أتباع الديانات السماوية يمكنهم الالتقاء على قيم أخلاقية مشتركة، فإن الفلاسفة بمقدورهم اللقاء على قيم مشتركة، خاصة الفلسفة الكانطية التي تقر بمحورية دور الأديان في التأثير على الجانب الأخلاقي.
اللافت أن «كينج» اجتهد في البحث عن القيم الأخلاقية المشتركة التي يتفق عليها أتباع الديانات الثلاث، وألّف كتباً ضخمة في هذا المجال. ووجد أن هناك مقولات عشراً يلتقي عليها القرآن والإنجيل والتوراة، وذلك في إطار ما يسمى بـ«الوصايا العشر» الموجودة في الكتب السماوية للديانات الإبراهيمية الثلاث. هذه الوصايا- من وجهة نظر كينج- أساس للقاء أخلاقي. وتابع «كينج» بحثه في الديانات الآسيوية (البوذية والهندوسية)، وألف كتاباً عن «التفسير النهائي للبوذية»، وكذلك الهندوسية، ووجد أن الديانات الآسيوية تلتقي مع الديانات الإبراهيمية في 3 قيم، أولاها: السكينة الداخلية المستندة إلى الإيمان، وثانيتها: السكينة الأخلاقية المستندة إلى قيم مشتركة، وثالثها: التأثير في النظام العالمي، بمعنى الدعوة إلى إحلال السلام والعدالة.
«كينج» استغرق 20 عاماً في البحث عن القيم الأخلاقية المشتركة، وفي عام 1991 أصدر كتاباً بعنوان «ميثاق أخلاقي عالمي»، فهو مفكر إصلاحي كاثوليكي كانت لديه ملاحظات على العقائد الكاثوليكية، وعلى العلاقات التي ينبغي أن تكون بين الفرق الكاثوليكية المختلفة، وأراد أن يجري إصلاحات على الكاثوليكية، ثم ترك هذا المجال. وطوال تسعينيات القرن الماضي وما بعدها عمل «كينج» على التأصيل للقيم التي من خلالها يمكن إرساء أرضية عالمية مشتركة، فكل ديانات العالم الكبرى يتم النظر إليها على قدم المساواة.

التسامح الأوروبي
لقد ظهر مبدأ التسامح في القرن الثامن عشر، أوروبياً، وكان هدفه- على حد قول رضوان السيد- عدم نشوب حروب بين البروتستانت والكاثوليك بسبب الاختلافات الدينية، وظهرت كتابات توماس هوبز وجون لوك، والأخير أصدر كتاباً بعنوان «مقولة في التسامح»، وبالفعل انتهت الحروب الدينية بعدما عانى الناس في أوروبا 100 عام، وكان معنى التسامح آنذاك ألا تنشب حروب جديدة باسم الدين، وظل هذا المفهوم سائداً طوال القرن التاسع عشر. وفي القرن العشرين تغيرت النظرة إلى مفهوم التسامح، فصار لا يعني فقط تجنب النزاع بسبب الاختلاف الديني، بل صار معناه الاعتراف بالاختلاف والسعي نحو قيم مشتركة واللقاء على قدم المساواة بين كافة الأديان من أجل قيم مشتركة، وهذا هو، جوهر «وثيقة الأخوة الإنسانية» الصادرة في أبوظبي، والتي كانت نتاج زيارة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف. الوثيقة تقيم نظاماً قائماً على السلام والمحبة والعدالة، أسسٌ من خلالها يمكن إيجاد حلول لسائر المشكلات العالمية، سواء نزاعات أم قضايا تتعلق بالبيئة والعلاقة بين الرجل والمرأة، وذلك انطلاقاً من أن رسالة الأديان تتمحور حول البحث عن سلام وعدل من خلال القيم الدينية والأخلاقية. جوهر الوثيقة يكمن في دعوة العالم لنظام شامل للمحبة والسلام والعدالة يعمل عليه وله سائر بني البشر ويستحثهم على ذلك كبار رجال الدين المسلمين والمسيحيين، وأيضاً كبار رجال السياسة في العالم المعاصر.

أسبقية الكرامة الإنسانية
وكما يقول معالي الشيخ عبدالله بن بيه، رئيس «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي في مقاله المنشور بالعدد الخامس من دورية «تعايش» الصادرة عن المنتدى، فإن (الآخر في رؤية الإسلام، ليس عدواً ولا خصماً، بل هو على حد عبارة الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، «أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق»، والتسامح في القرآن يُعبر عنه بأربعة مصطلحات: العفو والصفح والغفران والإحسان، التسامح، هو عفة اللسان عن الأعراض، وسكون اليد عن الأذى، والتجاوز عن الزلات، وهو «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم».) وكلها قيم أخلاقية سمحة تصون المجتمعات وتضمن استقرارها. الإسلام، حسب معالي الشيخ عبدالله بن بيه، قدم الكرامة الإنسانية بوصفها أول مشترك إنساني، مصداقاً للآية التي تقول: (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر)، فالكرامة الإنسانية سابقة في التصور والوجود على الكرامة الإيمانية، وهو ما يعتبره «أساساً متيناً للتسامح».

الأخلاقيات في «أكاديمية الفاتيكان»
بدوره، يشير محمد السماك، الأمين العام للجنة الوطنية الإسلامية المسيحية للحوار وعضو مجلس إدارة مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، إلى أن أكاديمية الفاتيكان، نظمت على مدى العامين الماضيين سلسلة لقاءات حول موضوع الأخلاقيات «Ethics» شارك فيها عدد من العلماء والاختصاصيين ورجال الدين من كل الأديان. وتناولت هذه اللقاءات موضوعات مختلفة: الحريات، حقوق الإنسان، التكافل الاجتماعي، البيئة، وسواها.. كما تناولت موضوع العلاقات بين أهل الأديان المتعددة.
وحسب السماك، كان البابا فرنسيس نفسه وراء هذه المبادرة. وكان حريصاً على الاطلاع على نتائج الأبحاث والدراسات التي تُناقَش في هذه اللقاءات، وعلى التوصيات التي كانت تعدّها حول كل قضية من القضايا الأخلاقية التي تتناولها.
ويقول السماك: شاركتُ في هذه الدراسات محاضراً ومناقشاً ومتعلماً في الوقت ذاته. إذ وجدتُ فيها تماهياً مع مبدأين من المبادئ الأخلاقية الإسلامية. يتمثل أولاهما في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعثتُ لأتمّم مكارم الأخلاق». ويتمثل المبدأ الثاني في قاعدة: «الدين المعاملة». ومع تداخل الأمم والشعوب على اختلاف أديانها وأجناسها وثقافاتها، ومع ارتفاع معدلات الإقبال على اعتناق الدين (84 بالمئة من الناس تؤمن بدين ما)، فإن الاهتمام بأخلاقيات التعامل بين مختلفي الأديان، وحتى بين أهل الدين الواحد، بات يشكل قاعدة أساسية للسلام العام وللاستقرار المجتمعي.
وثيقة الأخوة الإنسانية التي صدرت يوم الرابع من فبراير 2019 في أبوظبي عن البابا فرنسيس، والشيخ الدكتور أحمد الطيب، عكست الجوامع المشتركة إسلامياً ومسيحياً لإقامة قاعدة أخلاقية للتعامل بين المسلمين والمسيحيين، وأيضاً على مستوى الإنسانية كلها، وهو ما أعطى الوثيقة اسمها «الأخوة الإنسانية». فقد استهلّت الوثيقة التأكيد على هذه الأخوة، من خلال الإشارة إلى أن الله خلق الناس جميعاً متساويين، وأنه سبحانه وتعالى دعاهم إلى العيش كأخوة وأخوات على أساس قيم الخير والحب والسلام.

الثوابت الأخلاقية دينية أيضاً
تحدثت الوثيقة باسم الفقراء والمشرّدين والمهمّشين والمحتاجين الذين أمرنا الله سبحانه وتعالى بمساعدتهم، «وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم»، تحدثت باسم الشعوب التي حُرمت نعمة الاستقرار والأمن والسلام والعيش معاً، أو التي تعاني من آثار التهجير والتدمير والحروب. وكل هذه اللفتات الإنسانية العميقة- يراها السماك- تتجاوز مجرد العلاقات بين الإسلام والمسيحية، لتتعامل مع الإنسانية كوحدة، وكأسرة واحدة. غير أن أهم ما في هذه الثوابت الأخلاقية أنها ثوابت دينية أيضاً. وإنها تتماهى مع ما ورد في القرآن الكريم، وفي الإنجيل المقدس، وفي أحاديث النبي محمد عليه الصلاة والسلام، والمسيح عيسى ابن مريم.
ويقول السماك: إذا بحثنا في الكتب الدينية للمعتقدات الأخرى في أقوال بوذا أو فشنو مثلاً، فإننا نقف أمام دعوات صريحة وواضحة وصارمة لاحترام كرامة الإنسان وحقوقه، وللدعوة إلى السلام والعمل في إطار وحدة الإنسانية، بحيث إن ما يصيب شعباً ما من ظلم أو من مآسٍ، فكأنه يصيب شعوب العالم جميعاً.
من هنا فإن وثيقة أبوظبي حول الأخوة الإنسانية وإن انطلقت من قاعدة إسلامية – مسيحية، وعلى أعلى مستوى، فإنها في الأبعاد الإنسانية التي تناولتها وأكدت عليها، تبني على تلك القاعدة صرحاً إنسانياً يشمل كل جماعة وكل إنسان، مما يعطيها أهمية استثنائية.

الأخلاق العالمية
ويتساءل الأب د. رفعت بدر، مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن: ما الذي يجمع البشر اليوم، لنقول إنهم «أسرة واحدة»، حسبما يأتي في المواثيق الدولية وبالأخص من منظمة الأمم المتحدة التي أطلقت مصطلح «الأسرة الدولية» في عالم السياسة والاقتصاد، وهو كذلك أيضاً في عالم الأخلاق؟ يجمع بين البشر الكثير، كما يفرق بينهم أشياء كثيرة أيضاً، ومثال على هذا- أو العنصر المفرق- هو الروح الفردانية والمصالح الشخصية الضيقة والآنية، والنظرة المنحرفة نحو «الحرية» بمعنى أن تعمل ما تريد، وما تشاء وقتما تريد وتشاء. وهو بلا شك نظرة مشوهة للحرية التي في أساسها اختيار أنسب الطرق للخلاص الأبدي والحصول على المكافأة العادلة في السماء، كونها – أي الحرية- عطية من الله تعالى، وهي برهان لمحبته للبشر الذين هم أثمن ما خلق.
أما ما يجمع، فهو المقدرة على العبادة، في الدين السليم، وهي كذلك من أثمن ما خلق الله تعالى في قلب الإنسان، ومن العبادة إلى المحبة، وهي ملخص شامل وكامل ومستحب للدين في أن يحب الإنسان باتجاهين: أولاً أن يحب الله تعالى معبوداً أول ومشكوراً ومحبوباً.
أما الشق الثاني- حسب بدر- فهو محبة القريب، وهو كل إنسان، وليس محصوراً في إثنية أو ديانة أو طائفة أو عشيرة أو حزب سياسي. وللوصول إلى ذلك هنالك أخلاق وشرعة أدبية، وهي قبل الحديث عن التعاليم الدينية، لأنها متأصلة في قلب الإنسان وهو ما ندعوه بـ«الضمير» الذي يحث على المعروف – أو الخير – وينهي عن المنكر – أي الشر النابع من إغراءات إبليس. والأخلاق الأدبية الطبيعية تتجمل بالأخلاق الدينية، ومنها الإلهي ومنها الوضعي، أي ما تسنه وتقوننه المؤسسات الدينية الرسمية. ومن الأخلاق العالمية ما يتفق عليه من شرعات حقوق الإنسان وأصول التعامل بين الناس وبين الشعوب وبين الدول والتنظيمات الكبرى.
ويشير إلى أنه مع بداية العام، وفي أبوظبي، تم التوقيع على واحدة من أهم الوثائق الإنسانية الكونية، أي التي تشمل جميع بني آدم في كل الأزمان والأماكن، وهي تذكر بالقيم العالمية المنطبعة في قلب الإنسان، والمشتركة بين الأديان، وهي الأساس المتين الذي تبنى عليه أنشطة الحوار الديني والإنساني والأخلاقي، وصولاً إلى تأسيس شراكة حقيقية، بل ثقافة مشتركة بين الجميع، هي ثقافة المحبة واللقاء والتآخي والرحمة والنبل وطيب المعشر والتسامح والحرية الدينية. بلا شك هنالك مؤسسات كبرى في أوروبا وخارجها، ولدينا كذلك في الشرق الأوسط، وكلها تهدف إلى تعميق الوعي بهذه الثقافة والانفتاح نحو الآخر المختلف. فالاختلاف ليس خلافاً وليس جفاء وليس عداء، بل هو مناسبة لخلق أجواء أكثر سلاماً وعدلاً بين الشعوب، من أجل تأسيس مستقبل أكثر أماناً للأجيال المقبلة.

تضامن الأديان بعد «كرايستشيرش»
ثقافة التسامح التي تحض عليها الأديان كافة تزداد الحاجة إليها كلما تقع جريمة إرهابية أو تطفو على السطح حركة أو تيار يدعو للكراهية وينفخ في نار الشر، ويكون الارتكاز إلى القيم الإنسانية المشتركة والأخلاق العالمية درعاً ضد التطرف والإرهاب بشتى صنوفه ومصادره، وهنا تظهر حرمة النفس البشرية كقيمة أخلاقية ضابطة حضت عليها كافة الأديان السماوية. وبعد الاعتداءين الإرهابيين على مسجدين في مدينة «كرايستشيرش» النيوزيلندية، تبلورت مواقف واضحة وموحدة اتخذتها قيادات دينية كبيرة ضد هذا العمل الإرهابي الذي وقع يوم 15 مارس الماضي. شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ندد بالاعتداءين اللذين أوقعا قرابة 50 قتيلاً محذراً من أنهما مؤشر على «النتائج الوخيمة» التي قد تترتب على «انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا». الطيب أكد أن «الهجوم الإرهابي المروع يشكل مؤشراً خطراً على النتائج الوخيمة التي قد تترتب على تصاعد خطاب الكراهية ومعاداة الأجانب وانتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا في العديد من بلدان أوروبا، حتى تلك التي كانت تعرف بالتعايش الراسخ بين سكانها». ودعا إلى «بذل مزيد من الجهود لدعم قيم التعايش والتسامح والاندماج الإيجابي بين أبناء المجتمع الواحد، بغض النظر عن أديانهم وثقافاتهم». كما أكد البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، «تضامنه الخالص» مع كلّ النيوزيلنديين والمسلمين منهم بشكل خاص بعد هذين الاعتداءين. ووزير خارجية الفاتيكان بيترو بارولين، أكد في برقية أنّ البابا «يشعر بحزن عميق لعلمه بالإصابات والخسارة في الأرواح الناجمة عن أعمال العنف العبثية». كما أن رئيس المجلس اليهودي النيوزيلندي أشار إلى أنه «يشعر بالاشمئزاز والحزن» وعرض المساعدة والدعم على الجالية المسلمة، وأعرب عن تضامنه معها «ضد ويلات الإرهاب والعنصرية»، واللافت أيضاً أن الجالية اليهودية في «كرايستشيرش» النيوزيلندية، أغلقت معابدها للمرة الأولى في تاريخها تضامناً مع المسلمين.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©