الخميس 16 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

إرث زايد.. ثقافة واسعة ورؤية ثاقبة

إرث زايد.. ثقافة واسعة ورؤية ثاقبة
24 مايو 2019 03:10

أحمد السعداوي (أبوظبي)

يأتي الاحتفال بيوم زايد للعمل الإنساني في التاسع عشر من رمضان من كل عام، ليلقي الضوء على جوانب مضيئة من شخصية وإنجازات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في كثير من المجالات داخل الدولة وخارجها، حيث كان، رحمه الله، يملك ثقافة واسعة ورؤية ثاقبة، وبالتالي أولى أهمية كبرى للتراث باعتباره أهم الجوانب المكونة للبنيان الثقافي والفكري للمجتمعات، حيث وضع أسس الاهتمام بالتراث الإماراتي عبر عديد من الإنجازات والمبادرات، فضلاً عن دوره، رحمه الله، في تعزيز الفكر الإنساني بصفة عامة، من خلال تأسيس ورعاية عديد من المنشآت الثقافية والفكرية في أنحاء العالم.

عمل إنساني
سعيد المناعي، مدير إدارة الأنشطة بنادي تراث الإمارات، أكد من جانبه الدور الكبير الذي قام به المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في الاهتمام بالتراث وجعله منهجاً يسير عليه أبناء الإمارات، فقد حرص على تأسيس الدولة على أسس قوية، ومنها تعزيز الهوية في نفوس شعب الإمارات، وهو ما ينتقل صداه عند الشعوب الأخرى، فالعمل الإنساني يعم وينتشر، ومن هنا فالشيخ زايد، رحمه الله، من رواد العمل الإنساني على مستوى العالم. وقال: الشيخ زايد لا يزال حاضراً في أذهان الجميع، ولا زالت الدول تتبارى في إطلاق اسمه على كثير من المنشآت والكيانات الثقافية والفكرية المهمة في أرجاء العالم.
وأضاف: في هذا الإطار نتذكر المقولة الشهيرة للمغفور له : «من ليس له ماضٍ ليس له حاضر ولا مستقبل»، وقد شمل هذا الاهتمام أوجهاً عديدة، لعل أبرزها توجيهه بإنشاء نادي تراث الإمارات عام 1993، ليشمل جميع أنحاء الدولة ويقدم خدماته لأهل التراث في الإمارات، فضلاً عن تعليم الشباب والأجيال الجديدة العادات والتقاليد والأخلاق النافعة التي دعا إليها النابعة من ثقافتنا العربية الأصيلة وديننا الإسلامي.
ونوَّه المناعي إلى أن الاهتمام بالتراث هو عمل إنساني ممتد، حيث ينشأ الشاب محباً لوطنه حريصاً على قيمه، وبالتالي تمضي حياته كلها في إطار من النجاح والتميز سيراً على نهج من سبقوه من الآباء والأجداد الذين رسخوا أسس قيام دولة الإمارات وجعلها منارة إشعاع ثقافي وفكري وحضاري في المنطقة والعالم، كما جرى تدريس التربية الأخلاقية مادة أساسية في المدارس، استمراراً لنهج زايد، رحمه الله، في الاهتمام بالإنسان باعتباره أفضل استثمار للشعوب.
وأوضح أن اهتمام زايد بالتراث والهوية الوطنية، قائم على أن الهوية من أهم عناصر الفكر والتراث ومن خلال العناية بالهوية تتأصل الكثير من الأفكار والقيم التي ترتقي بالإنسان وتفعل دوره في المجتمع المحلي، وهو ما ينتقل لاحقاً إلى العالم الخارجي، عبر سلوكيات وقيم قائمة على التسامح والتواصل الإيجابي والانفتاح على الآخر.

خير ورخاء
وقال على محمد المطروشي، مستشار التراث والتاريخ المحلي بدائرة التنمية السياحية بعجمان، إن قيام اتحاد الإمارات المبارك في 2 ديسمبر 1971 كان إيذاناً بحدوث تغير شامل في مختلف شؤون الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فقد عم الخير والرخاء جميع الإمارات السبع وأخذ المستوى المعيشي في الارتقاء نتيجة تزايد معدل دخل الأفراد، لكن برز أمام القيادة الحكيمة لدولة الإمارات، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، خطر يتهدد الهوية الإماراتية وخاصة جانب التراث الشعبي منها، والذي يمثل أحد أهم مقومات هذه الهوية.
وأوضح المطروشي أن الشيخ زايد أدرك أن التراثَ الشعبي يمثل أحدَ الجناحين اللذين تطير بهما الأمةُ الواعية نحو مستقبلها الزاهر، وهما التراث والمعاصرة، ولذلك أطلق مقولته المشهورة إن «من ليس له ماضٍ ليس له حاضر ولا مستقبل»، وقد تجلى حرصه على إحياء التراث الشعبي والمحافظة عليه، ونقله سليماً نامياً متطوراً إلى الأجيال القادمة، في توجيهاته لوزارة الإعلام والثقافة آنذاك، بالتركيز على البرامج التراثية وتوثيق الفنون الشعبية، فأصبحت البرامج التي تتناول التراث الشعبي تشكل نسبة كبيرة نسبياً من مجموع المواد الإعلامية التي يتم بثها عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، فكانت اللوحات الشعبية ومجالس الشعراء والمسابقات التراثية، كسباق القوارب الشراعية والتجديف وسباق الهجن العربية الأصيلة.

قيم التسامح
في عام 2001 افتتح في ضواحي بريطانيا مسجد ومركز الشيخ زايد الإسلامي بهدف نشر قيم التسامح والتراحم بين البشر، ورعاية المشاريع ذات الصبغة العالمية، فلعب هذا المركز دوراً كبيراً في نشر تعاليم الإسلام السمحة، ونقل الفكرة الصحيحة للدين الحنيف إلى الغرب.
وبمتابعة متأنية نجد أن القضايا الإنسانية والخيرية احتلت مكانة متقدمة في فكر واهتمام الراحل الكبير المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وطبعت مرحلة حكمه بالخير الذي امتد من الدولة إلى بقاع الأرض كلها، فضلاً عن كثير من المراكز المعرفية والثقافية التي تحمل اسم المغفور له، لعل من أبرزها، «مركز زايد الثقافي» في العاصمة الإثيوبية، و«كلية زايد للعلوم الإدارية والقانونية» في مالي، و«مركز زايد للتدريب الصناعي»، و«كلية زايد للبنات» في الهند، و«كلية زايد للحاسوب» في بنجلاديش، و«مركز الشيخ زايد لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها» في جامعة الأزهر في مصر. إضافة إلى «مركز الشيخ زايد لدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية» في جامعة الدراسات الأجنبية في بكين، و«مركز زايد الثقافي» في السويد، و«كلية زايد للبنات» في نيوزيلندا.

بصمة عالمية في إنشاء المنارات الثقافية والمراكز الفكرية
لم يقتصر اهتمام الشيخ زايد، رحمه الله، على الاهتمام بالتراث والثقافة والفكر على المستوى المحلي فقط، بل كانت له بصماته الواضحة في إعلاء قيم الفكر الإنساني في كل مكان وزمان، ولذا وجه بإنشاء عديد من المراكز التي تعنى بالفكر والثقافة في أنحاء العالم، فضلاً عن وجود عشرات من المنارات الثقافية والمراكز الفكرية التي تحمل اسم المغفور له، ومن أبرز إسهاماته في هذا المجال، أنه خلال زيارة تاريخية إلى الصين عام 1990، قدم المغفور له منحة قيمتها 1.35 مليون دولار لجامعة الدراسات الأجنبية لإنشاء مركز دراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية، الذي تم تأسيسه في بكين عام 1994، ليكون صرحاً علمياً ينشر الثقافة الإسلامية ومؤسسة تعليمية حجزت مكانها في الصفوف الأولى بين مثيلاتها في العالم أجمع، ونالت الإشادة والتقدير لما تقدمه من خدمات يستفيد منها آلاف الطلبة الراغبين في تعلم اللغة والثقافة العربية.
وقد أعيد افتتاح المركز عام 2012 ليواصل تخريج نخبة من الدارسين، الذين يتهافت عليهم سوق العمل، لشغل المواقع المميزة في المجالات التجارية، الاقتصادية، الدبلوماسية، التجارية، الثقافية، التعليمية والإعلامية وغيرها من المجالات، ولدى المركز مجموعة من الفعاليات، والندوات التي تركز موضوعاتها على الثقافة، وسط أجواء يتحفز لها الطلاب ويقبلون على المشاركة فيها.
وتأكيداً على الدور الثقافي والفكري الذي رعاه المغفور له، فإن الدراسة في مركز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية تتناول سيرة ابن حيان والرازي والخوارزمي والبيروني والإدريسي وابن سينا، وغيرهم من العلماء العرب والمسلمين الذين تميزوا في مختلف فروع الحياة، وأثروا بإنتاجهم الحضارة الإنسانية في العلوم والفلك والصيدلة والهندسة والكيمياء والجغرافيا والطب، وذلك عبر التاريخ العربي. وفيما يتعلق بالدراسة، فإن المركز يقدم دروساً تتعلق بالعالم العربي، كالتاريخ والدين والسياسة والثقافة والأدب والثقافة، وتمكين الطلاب من التعرف على العالم العربي بصورة شاملة، بالإضافة إلى القراءة والمطالعة والاستماع والنحو والصرف والترجمة والإنشاء أو التعبير، كما أن إدارة المركز ينصب اهتمامها على اللغة العربية الفصحى والفلسفة وعلم الكلام والأدب والشعر العربي القديم والحديث.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©