عدد اليوم
القاهرة (الاتحاد)
رغم عظيم ثواب الصيام، إلا أن هناك بعض العبادات قد تكون أكثر أجراً وثواباً منه، ومن تلك العبادات إصلاح ذات البين، وخاصة في هذا الشهر الكريم الذي تسود فيه روح الود والعطف والتقارب بين الناس، وهو أعظم أجراً من الصيام.
يقول صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين»، وما سمّى النبي صلى الله عليه وسلم محاولات الإفساد بين الناس بالحالقة، إلا لأنها تحلق الدين، كما تحلق الموس الشعر، وقد كان السعي بين المتخاصمين بالصُّلح من هَديِ رسول الله.
وجاء في «شرح رياض الصالحين»، إن هذا الحديث من الأحاديث العظيمة الجميلة التي جاءت في هذا المعنى، فإصلاح ذات البين درجة أعظم من درجة الصلاة ودرجة الصيام ودرجة الصدقة، كأنه يقصد النافلة، فأفضل من أن تصلي وأن تصوم نافلة، تصلح بين الناس، فهو لا يقصد الفريضة، فالصلاة عظيمة جداً، وقد يكون في بعض الأحوال أفضل من صلاة الفريضة.
وقال الطيبي: الحالقة الخصلة التي من شأنها أن تحلق، أي تهلك وتستأصل الدين، وقيل هي قطيعة الرحم والتظالم، وفي الحديث حث وترغيب في إصلاح ذات البين واجتناب عن الإفساد فيها، لأن الإصلاح سبب للاعتصام بحبل الله وعدم التفرق بين المسلمين، فمن تعاطى الإصلاح ورفع الفساد نال درجة فوق ما يناله الصائم القائم المشتغل بخاصة نفسه، فعلى هذا ينبغي أن يحمل الصلاة والصيام على الإطلاق.
فمن أبرز الحقوق ولوازم الأخوة في الله هو حق إصلاح العلاقة وصفاء النفوس، وتخليتها من الخلافات والمفسدات، فقد حرص الله تعالى على أن يصلح بين المؤمنين، وجعل لذلك أجراً عظيماً، ولا ريب أن الشقاق والخلاف من أخطر أسلحة الشيطان الفتاكة الَّتي يوغر بها صدور الخلق، وليس ثمة خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة يصلح فيها العبد بين اثنين ويقرب فيها بين قلبين، فبالإصلاح تكون الطمأنينة والهدوء والاستقرار والأمن وتتفجر ينابيع الألفة والمحبة.
والإصلاح بين الناس عبادة عظيمة، يحبها الله سبحانه وتعالى، ويثمر إحلال الألفة مكان الفرقة، واستئصال داء النزاع، ويحقن الدماء، ويوفر الأموال، فيه قوة المجتمع واتحاده.
