الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

"المتاريس".. حواجز تعرقل "الحكم المدني" في السودان

"المتاريس".. حواجز تعرقل "الحكم المدني" في السودان
18 مايو 2019 00:32

شوقي عبد العظيم (الخرطوم)

باتت «المتاريس» تشكل مؤخراً محور كل الحراك السياسي في السودان والمتحكمة في مساراته صعوداً وهبوطاً، وأضحت الكلمة التي تعني «الحواجز» أكثر ترديداً في الساحة السياسية، بعد أن شكلت سبباً أو -ذريعة - حسب البعض لـ «فرملة» قطار التفاوض بين المجلس العسكري والحراك الشعبي الذي كان يمضي قدماً بسلاسة قبل أن يقرر المجلس العسكري تعليق العملية برمتها.
وابتكر الثوار فكرة وضع متاريس في الطرقات لمنع سيارات الأجهزة الأمنية من ملاحقتهم داخل الأحياء والطرق الرئيسة، ودائماً ما يتم «ترس» الشارع بأحجار كبيرة ومخلفات وانقاض المباني وكل ما يمكن أن يعيق حركة السيارات. وقال أيمن مبارك، ناشط سياسي في رابطة طلاب شمال كردفان لـ «الاتحاد»: «الثوار يقيمون المتاريس في الشوارع لحماية أنفسهم من سيارات الأجهزة الأمنية، وساهمت بشكل كبير في إنجاح الحراك الثوري، ومنع الأجهزة الأمنية من قمعهم».
ودائماً ما تقع الاشتباكات بين قوات الجيش والمحتجين بسبب فض الحواجز وفتح الطرق، ووقعت أحداث الاثنين في شارع النيل عندما أرادت قوة من الدعم السريع فتح شارع النيل، وبعد مشادات وقع إطلاق نار عنيف. وتجدد إطلاق الرصاص على المعتصمين أمام مقر وزارة الدفاع في الخرطوم الثلاثاء للمرة الثانية في أقل من 24 ساعة. وفي المرة الأولى قتل خمسة وجرح أكثر من 200 «شباب المتاريس» (القائمين على حراسة الحواجز المقامة بمداخل ساحة الاعتصام)، وفي الهجوم الأخير، أصيب ثمانية من شباب المتاريس بإصابات خطيرة.
وفي الخطاب الذي وجهه قبل يومين، وأعلن فيه تعليق المفاوضات لمدة 72 ساعة، انتقد رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان قفل الطرق بالمتاريس، خصوصاً في وسط الخرطوم، وتلك التي تقام على الجسور التي تربط وسط الخرطوم وبقية العاصمة المثلثة (الخرطوم بحري وأم درمان)، وأمر بإزالتها فوراً لتسهيل حركة المواطنين. وقال: «لن نسمح بإغلاق الطرق والجسور خارج مكان الاعتصام».
وبرغم أن المتحدث باسم المجلس الرئاسي شمس الدين كباشي حمل الإسلامويين من أعضاء النظام القديم، مسؤولية الاعتداء على المتظاهرين وقتلهم، وقال: «هناك مجموعات من (المندسين) يتبعون للنظام السابق تسعى لنسف الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، إلا أن سهام النقد انتاشت (شباب المتاريس)، حتى من داخل قوى الثورة. واعتبر ناشطون تحدثوا لـ (الاتحاد) أن الأزمة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير دائماً ما تفجرها مشكلة المتاريس وإغلاق الطرق، وأبدوا تخوفهم من أن تكون (أزمة المتاريس) ذريعة للفوضى، وضرب الاتفاق الذي تحقق بين الجانبين.
قبل وقوع الأحداث كان من المقرر أن ينعقد اجتماع أخير بين المجلس العسكري وقوى التغيير لحسم نقاط الخلاف الأخيرة المتعلقة بنسب تشكيل مجلس السيادة ورئاسة المجلس نفسه، إلا أن تداعيات إطلاق الرصاص ووقوع جرحى انعكس مباشرة على التفاوض، من جانبها، أعلنت قوى التغيير تأجيل الاجتماع المزمع عقده إلى أجل غير مسمى، المجلس العسكري كانت ردة فعله أكثر عنفاً إذ أعلن مباشرة تعليق المفاوضات لمدة 72 ساعة، وطالب بوقف التصعيد وقفل الطرق وإقامة المتاريس خارج حدود الاعتصام، وإيقاف التراشق الإعلامي بين الجانبين. ووصفت قوى الحرية والتغيير في بيانها تعليق المفاوضات بالأمر المؤسف ولا يستوعب التطورات التي تمت في هذا الملف.
قال أشرف عبد العزيز، رئيس تحرير صحيفة الجريدة لـ«الاتحاد»: «إغلاق الطرق وإقامة المتاريس في الكباري ووسط الخرطوم كان بمثابة التحدي والاستفزاز للعسكريين، وهذا ما ذكروه مباشرة وحذروا المحتجين من التمادي فيه ولكنهم لم يستجيبوا أول الأمر، ما كان سبباً في اشتباكات دامية. والالتزام بحدود ميدان الاعتصام يمكن أن يجنب الجانبين الصدام، والأهم من ذلك تسبب التمدد في المتاريس وتحدي العسكرين في أزمة سياسية لا يعرف أحد ماذا يمكن أن يترتب عليها».
قوى التغيير انحنت لعاصفة المتاريس، واستجابت بشكل كبير لمطالب المجلس العسكري، وأعلنت في بيان فتح الطرق وإزالة المتاريس، وطلبت من المعتصمين الالتزام بحدود اعتصام يوم 6 أبريل، وفعلياً قام وفد منها بقيادة محمد ناجي الأصم القيادي بالتغيير بمخاطبة الشباب المسؤولين من حماية المتاريس وطلبت منهم إزالتها. وبالفعل امتثل الثوار المرابطون في المتاريس لتوجيهات قيادة الحراك وأزالوا بالكامل كل المتاريس التي نصبت في امتدادات بعيدة عن مركز الاعتصام، وذهبوا أكثر من ذلك بالمبادرة إلى تنظيف الشوارع وإعادة طلائها.
قال الرشيد سعيد، المستشار الإعلامي للتغيير لـ «الاتحاد»: «أردنا أن نحافظ على ما تحقق من اتفاق، وهو اتفاق حقق كثيراً من المكاسب للشعب السوداني والدولة المدنية، ولن تقف المتاريس عقبة في الخروج من هذا المربع إلى مربع تشكيل الدولة، ومع ذلك متمسكون بحقنا في التعبير السلمي متى ما أردنا ذلك»، وأكد الرشيد أن التفاوض سيمضي إلى نهاية مقبولة لكل الأطراف بمجرد أن تنقشع سحابة الخلاف.
وفيما يمضي ناشطون سياسيون إلى التحذير من أن تتسبب أزمة المتاريس في تصعيد بين الجانبين، وأن يفتح ذلك الباب أمام الثورة المضادة، وعودة عناصر النظام القديم أو على الأقل تتوافر لهم سانحة لضرب الاتفاق وزعزعة الوضع من جديد، يؤكد آخرون أن التحجج بالمتاريس ليست سوى «ذريعة» لتعليق المفاوضات استجابة لضغوط غامضة أو سبيلاً لحصد المزيد من النقاط في السباق التفاوضي الذي أحرزت قوى الثورة مكاسب وفيرة في شوطه الأول. وفي الوقت الراهن، تتجه أنظار السودانيين وأيديهم على قلوبهم، ومن حولهم المحيط الإقليمي، بل والدولي، لمتابعة مجريات «الشوط الثاني» من مباراة التفاوض، والتي يفترض أن تنطلق في غضون ساعات إذا لم يطرأ تطور جديد فعلاً أو افتعالاً!!

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©