عدد اليوم
ماجدة محيي الدين (القاهرة)
«التدخين».. عادة تتحكم في المدخنين.. وتسيطر على أمزجتهم وسلوكياتهم.. وربما في كثير من التصرفات.. بجانب أضراره الكثيرة والمعروفة.. فهو يقتل - حسب الدراسات - أكثر من 15 مليون شخص سنوياً على مستوى العالم.. ومعظم المدخنين لديهم اعتقاد بأن التخلي عن التدخين أمر صعب وقد يعرضه للمعاناة.. وقد يسبب له الاضطرابات في حياته وعمله.. وربما فشل الكثيرون عشرات المرات في محاولات الإقلاع عن التدخين وسرعان ما يعودون خلال ساعات معدودة.
ومع صيام شهر رمضان.. تحين الفرصة للتخلص من هذه العادة السيئة القاتلة.. خاصة إذا كان الإنسان لديه النية والعزيمة الصادقة.. وهنا يقدم الاختصاصيون والخبراء «وصفة» للإقلاع عن التدخين خلال 30 يوماً.
اختبار للإرادة
بداية، توضح دكتورة هبة عيسوي أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس أن شهر رمضان يعد اختباراً حقيقياً لإرادة المدخن حيث يتوقف إجبارياً عن التدخين لمدة لا تقل عن 14 ساعة، بالإضافة إلى نحو ست ساعات للنوم، وحوالي ساعتين لأوقات الصلاة والعبادات، إذن يتبقى فقط أربع ساعات يمكن للمدخن أن يقاوم فيها تلك العادة المؤذية له ولكل أسرته، كما أن الجو الإيماني العام في رمضان يسهل الاستفادة من كل هذه العوامل واتخاذ القرار من بداية الشهر بالتوقف التام عن التدخين، والتخلص من رائحته التي لا تطاق.
وتؤكد أن الصيام يعمل على تحرير الجهاز العصبي تدريجياً من إدمان أي عنصر ومنه النيكوتين وبالتالي فهناك استعداد جسماني للتخلص من إدمان تلك العادة، موضحة أن الصيام يجعل الجسم يتخلص من السموم بشكل تلقائي من مختلف أعضاء الجسم وهو ما يعني تخلص الجسم من النيكوتين المترسب في الجسم والإضرار السابقة للتدخين بشكل تدريجي، كما أن جميع العادات تتغير في شهر رمضان، لذا يسهل على الإنسان اتخاذ القرار وتنفيذه بشكل أسرع.
وتوضح د.هبة أنه مع زيادة الروحانيات والعبادات يفرز الجسم مادة الأندروفين التي تقلل من حاجة الجسم للنيكوتين وتقلل أيضاً من أعراض الانسحاب التي قد يعترض لها الشخص في أول 3 أيام من إقلاعه عن التدخين، وتشمل الأعراض الشعور بصداع وآلام بسيطة في الجسم.
وتشير إلى أن هناك أربع خطوات للإقلاع عن التدخين أهمها، اتخاذ القرار من أول يوم في رمضان بالتوقف التام والنهائي عن تلك العادة التي تدمر صحتي وصحة أقرب الأشخاص حولى، والخطوة الثانية، التقرب إلى الله في هذا الشهر الكريم والبعد التام عن أماكن المدخنين ويمكن بعد ذلك الاستعانة ببعض الأشياء أو الأنشطة البديلة عن التدخين كالقيام بتمارين التنفس العميق وتمارين الاسترخاء وعند الشعور برغبة ملحة للتدخين يجب تغيير المكان فوراً والحصول على حمام دافئ أو تناول بعض الفاكهة أو اللبان والنعناع وغيره من السوائل والمشروبات المهدئة.
وتنصح دكتورة هبة أي شخص يقرر الإقلاع عن التدخين بأن يكثر من تناول العصائر الطازجة وتناول الشيكولاتة التي تحسن من الحالة المزاجية للفرد ويأكل الأطعمة الصحية والمفيدة.
وتشير إلى أن الوزن قد يزيد بنسبة بسيطة ولكن يعود الإنسان إلى وزنه الطبيعي في أقل وقت ممكن، كما يجب عليه التوقف عن تناول المنبهات كالشاي والقهوة، وتؤكد أن التدخين خدعة يخدع بها الشخص نفسه اعتقاداً منه أنه يهرب من مشاكله بها، ولكن على الإنسان أن يبحث في أسباب مشاكله ويعمل على حلها لأن السجائر تزيد من تعقيد المشكلات وهي في ذاتها أخطر مشكلة على صحة الإنسان.
برنامج
ما الذي يجب أن يفعله الشخص بعد قرار التوقف عن التدخين؟ يوضح الدكتور عمرو يسري استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان أن الإجابة تختلف من شخص لآخر بحسب قوة الإرادة.. والقدرة على الإقناع وليس هناك حل واحد أو إجابة تناسب الجميع.. والمهم أن يختار كل إنسان الطريقة التي تناسب شخصيته وتساعده على تنفيذ قراره.
ويضيف أنه يمكن أن يقسم وجبة الإفطار مثلاً إلى عدة وجبات وبدلاً من أن يفكر في إشعال سيجارة يتناول جزءاً من طعامه كي لا يدخن، مشيراً إلى أن بعض الدراسات أثبتت أن تقسيم الوجبات الرئيسية إلى وجبات صغيرة يساعد في تشتيت الذهن والابتعاد عن التفكير في التدخين، ويمكن الاعتماد على شرب كوب من الماء البارد كلما شعر الشخص برغبة في التدخين ويحاول أن يشرب ببطء لأن ذلك يقلل الشعور بالتوتر الناتج عن مقاومة التدخين.. وهذه الطريقة ستعوض الجسم بكمية من السوائل المفقودة وتمنحه المزيد من النشاط والحيوية.
ويري د. يسري أن المنافع المادية التي سيجنيها الشخص الذي قرر التوقف عن التدخين قد لا تكون هي الدافع الأساسي لكن من المهم أن يدرك الإنسان حجم الخسائر المادية ولذلك من المقترحات المجدية فكرة الحصالة.. بحيث كلما شعر برغبة في التدخين وضع ثمن علبة السجائر في الحصالة.. ليكتشف بعد فترة المبالغ التي كان ينفقها على السجائر.
وهناك مدارس مختلفة للمساعدة على الإقلاع عن التدخين حيث يرى البعض أن التوقف التام والامتناع عن التدخين بعد اتخاذ القرار هو الأفضل بينما على الجانب الآخر يرى فريق من الأطباء أن التدرج هو الأنسب بحيث يبدأ الشخص في خصم ثلاث سجائر من حصته اليومية التي اعتاد عليها ويستمر كذلك ثلاثة أيام ثم يقلل عدد السجائر حتى يصبح نصيبه اليومي سيجارة واحدة ثم ينهي علاقته تماماً دون معاناة.. مع أيام وليالي رمضان والتي يمكن أن ينشغل فيها بأداء العبادات والتراويح والصلاة في المسجد أو جماعة فضلاً عن قراءة القرآن وممارسة الرياضة أو المشي بانتظام، موضحاً أن وضع برنامج لأنشطة جديدة في حياة الشخص الذي توقف عن التدخين تشغله وتملأ وقته وذهنه بما ينفعه سيكون له أثر إيجابي في دعم قراره وتقوية عزيمته.
ويضيف استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان أن الإنسان يمكن أن يساعد نفسه عن طريق تصحيح الأفكار والسلوكيات فإذا شعر بعد فترة من التوقف برغبة ملحة في التدخين عليه أن يتذكر تلك المرارة التي يجدها في فمه كل صباح وكيف أنه يؤذي أطفاله وهو يعانقهم.
ومن النصائح المجدية النوم مبكراً والاستيقاظ مبكراً ومحاولة تشجيع الأصدقاء المدخنين على أن يتشاركوا في الإقلاع عن تلك العادة السلبية وتجنب التواجد في أماكن المدخنين وتشجيع من تراجع وعاد للتدخين ليعيد المحاولة من جديد دون يأس.
الحالة المزاجية
ويوضح الدكتور أحمد حظو أستاذ المخ والأعصاب بجامعة عين شمس، أن الإقلاع عن التدخين قد يؤثر على الحالة المزاجية عند البعض في الأيام الأولى من رمضان وهي أعراض يشعر بها المدخن مثل الأرق والتوتر وتشتت التركيز ويختلف التأثير من شخص لآخر بحسب كمية النيكوتين التي اعتاد عليها ويؤدي التوقف عن التدخين إلى تغيرات في التفكير والتركيز والاهتمامات وقد يشعر المدخن في البداية بأنه يعاني المزاج السيئ ولكن تلك المشاعر كلها لا تستغرق إلا لفترة قصيرة وتدريجياً يكتسب المدخن المزيد من الثقة في نفسه وقدرته على إنجاز المهام والأعمال التي تحتاج إلى مجهود ذهني وتركيز. ويشير إلى أن بعض الدراسات أثبتت أن المدخنين الذين لم يكن لديهم معاناة من الاكتئاب أو التوتر قبل التدخين تزيد فرص تجاوبهم وعودتهم للحياة الصحية بعد التوقف عن التدخين وخاصة إذا لجأ المدخن إلى ممارسة الرياضة وتغيير نمط حياته بصورة صحية ويفضل أن يتوقف عن الشاي والقهوة والمشروبات الغازية ويتناول اليانسون والنعناع والكركديه وهي مشروبات رمضانية ولها فوائد تنعكس على صحته ومزاجه بصورة واضحة.
هذا ما يفعله التدخين بأصحابه !
حول التغيرات التي تحدث في الدم إذا تم التوقف عن التدخين مع بداية الصيام توضح الدكتورة هبة منير أستاذ الباثولوجية الإكلينيكية بطب القصر العيني بالقاهرة إنه أثناء عملية التدخين يتم إدخال القطران الموجود في السجائر إلى دم الإنسان مما يجعل الدم أكثر كثافة وبالتالي تزداد فرصة التعرض للجلطات ويرتفع ضغط الدم ومعدل ضربات القلب مما يجعل عمل القلب أصعب من المعتاد، وتضيق الشرايين، ويحدث نقص في كمية الأكسجين اللازمة للدورة الدموية في كافة أجهزة الجسم.
وتضيف قد تؤدي زيادة لزوجة الدم نتيجة التدخين للجلطات وضيق الشرايين، وهو ما قد يسبب الإصابة بالسكتات الدماغية أو النوبات القلبية إلى جانب الأضرار التي يسببها التدخين السلبي لكل المحيطين بالمدخن وخاصة الأطفال الذين يتعرضون للإصابة بالسعال والربو والتهابات الرئة وتؤكد الدكتورة مي فوزي أستاذ الأمراض الباطنة بطب القصر العيني أن أضرار التدخين على الجهاز الهضمي قد لا تكون ملحوظة في البداية ولكن مع الاستمرار في التدخين لفترة تظهر بعض المشاكل وتتمثل في عسر عملية الهضم وخلل في غدد التذوق في اللسان.
بالإضافة إلى تأثر المعدة سلبيا وقد تصل الأضرار إلى الإصابة بقرحة المعدة التي تجعل المدخن أكثر عرضة للإصابة بسرطان المعدة والاثني عشر وسرطان البنكرياس، وتوضح د. مي أن بعض الدراسات والأبحاث تشير إلى أن معدلات الإصابة بقرحة المعدة وسرطان الاثنى عشر تقدر بثلاثة أضعاف غير المدخنين، كما تبين أن معدة المدخن تفرز أحماضا تقدر بضعف المعدل الطبيعي فضلا عن تأثير التدخين على المناعة الطبيعية للجسم.
ويؤكد الدكتور سيد عبدالعال اختصاصي أمراض الحساسية أن التدخين يؤدي إلى الإصابة بالتهابات مزمنة في الغشاء المخاطي للأنف، مما قد يسبب التهابات مزمنة في الحلق والبلعوم وتورم الأنف، فضلا عن وجود مذاق سيء في الفم ورائحته الكريهة كما يعاني المدخن من أمراض الأسنان واللثة وضعف أغشية الفم والحنجرة وزيادة نزيف اللثة وزيادة خطر الالتهاب المستمر لمجرى الهواء العلوي مثل الحنجرة والبلعوم.
ماذا يحدث بعد الإقلاع؟!
حول التأثير الإيجابي للتوقف عن التدخين يقول د. سيد عبدالعال، أولاً نظام المناعة يستعيد نشاطه ويصبح الجسم قادراW على مقاومة نزلات البرد والانفلوانزا كما تزيد كمية الأكسجين النقي في الجسم مما يقلل الشعور بالتعب والصداع وتتحسن حاسة الشم والتذوق وصحة الفم ويمكن ملاحظة التحسن خلال 48 ساعة فقط من التوقف عن التدخين، ويمكن ملاحظة الفرق في صحة الفم خلال أسبوع، مؤكداً أنه كلما كان قرار التخلي عن التدخين مبكراً قلت فرص الإصابة بالأمراض.
