الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عز الدين شكري فشير: أسئلتي بلا إجابات

عز الدين شكري فشير: أسئلتي بلا إجابات
22 مارس 2012
في روايته الخامسة، “عناق عند جسر بروكلين”، الصادرة عن “دار العين للنشر”، منتصف 2011، طرح الروائي المصري عز الدين شكري فشير العديد من الإشكاليات التي تتعلق بأحوال المهاجرين العرب إلى الولايات المتحدة الأميركية، ومن أهمها مسألتا “الهوية والتعايش أو الاندماج”، ضمن منظور إنساني رحب يتجاوز محدودية النظرة وسذاجة العرض، من خلال عمل روائي فني شديد التميز والتماسك، بنية ولغة وسرداً، مما أهلها بجدارة لتحتل صدارة المشهد الروائي المصري خلال أقل من عام منذ صدورها، لتكون محور خطاب نقدي وأدبي عميق، وليصدر منها 5 طبعات متتالية خلال ستة أشهر، والسادسة قيد النشر، وهو ما يشي بنجاح غير مسبوق لهذه الرواية البديعة. عز الدين شكري فشير، روائي وأكاديمي ودبلوماسي مصري، يعمل أستاذاً زائراً للعلوم السياسية بالجامعة الأميركية في القاهرة. شغل منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة سابقاً. صدرت له 5 روايات، هي: “مقتل فخر الدين” 1995، و”أسفار الفراعين” 1999، و”غرفة العناية المركزة” التي رشحت لجائزة البوكر العربية لعام 2009م، وآخرها الصادرة 2011 “عناق عند جسر بروكلين” والمرشحة لجائزة البوكر 2012 ضمن الروايات الست بالقائمة القصيرة.. “الاتحاد الثقافي” التقى الروائي المصري بالقاهرة، وكان هذا الحوار: ? بعد الانخراط في بؤرة المشهد الروائي برصيد 5 روايات والترشح مرتين للبوكر وأصداء نجاح كبيرة لأعمالك خلال الأعوام الثلاثة الماضية.. ما البطاقة التعريفية والإضاءة الكاشفة التي يقدمها عز الدين شكري عن نفسه كروائي؟ ? أنا من مواليد عام 66 بالكويت، تخرجت في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ومارست العمل الأكاديمي والدبلوماسي منذ تخرجي، وأعتبر نفسي خلال سنوات عمري الماضية باحثا عن مسار خاص للكتابة، التي وقعت في هواها منذ الطفولة، وحيث لا أكف طوال الوقت عن طرح الأسئلة والبحث عن إجابات.. فمن أنا؟ وما أطمح أن أكون؟ وما طريقي؟ إلخ.. تلك الأسئلة الإشكالية القلقة والمحيرة دوما! بداياتي مع الكتابة، شأني شأن كل هاوٍ ومحب للأدب، كانت بتجارب ساذجة خلال المرحلة الابتدائية، في كتابة القصة أو الخواطر والذكريات الساذجة.. لكني أذكر أنني وأنا في المرحلة الثانوية كتبت مسرحيتين، وعند التحاقي بالكلية مارست الكتابة القصصية بشغف كبير وحب جارف. إلى أن تخرجت وقررت أن أكتب الرواية التي كانت بالنسبة لي “حلماً” و”طموحاً كبيراً” خشيت ألا أدركه. علامات كتابية ? في رحلة الكتابة والتجريب ثمة “قامات” أو “علامات كتابية” تكون راسخة في وجدان وذهن أي ممارس للكتابة.. أهم من تأثرت به وعلق في الذاكرة من قامات الكتابة في مسارك الأدبي؟ ? محمود درويش هو أكثر من تأثرت به أو أثرّ فيّ أدبياً وتشربتُ من خلاله حب الشعر وتذوق اللغة والإحساس بجمالها. على المستوى الكتابي واللغوي بشكل عام، كان درويش هو البوابة السحرية للولوج إلى عالم الشعر والأدب واللغة من أوسع أبوابه. أما يوسف إدريس، الأب الشرعي لفن القصة القصيرة في الأدب العربي الحديث، وأحد آباء الكتابة الكبار، فلا يمكنني أن أغفل تأثري الشديد به في بدايات إمساكي بالقلم والمحاولات الأولى للكتابة. طبعا في ذلك الوقت، لو أردت أن تقارن ما كتبته من محاولات قصصية بيوسف إدريس، ستجدني شديد التأثر به لدرجة كبيرة.. لا أنكر أنني تأثرت بيوسف إدريس بشدة، وثمة “مسحة” بل “مسحات إدريسية” على كتاباتي الأولى في القصة القصيرة، على مستوى لغة السرد والوصف والحوار.. في مرحلة تالية، لفتتني براعة نجيب محفوظ في كتابة الحوار الروائي بالفصحى. كنت واعياً ومتأثراً به إلى حد كبير. ? ومتى كانت نقطة البداية الفعلية للولوج إلى عالم الرواية السحري؟ ? بعد تخرجي مباشرة في عام 1987، كان عمري وقتها 21 عاماً، شرعت في كتابة روايتي الأولى، وهي رواية “مقتل فخر الدين”، التي استغرقت مني حوالي 5 سنوات، بدأتها في القاهرة، وظللت مداوماً على كتابتها خلال المنحة الدراسية إلى باريس لمدة عامين، ثم عدت بها إلى القاهرة مرة أخرى، وعندما سافرت إلى كندا أنهيتها في ثلاثة أشهر هناك، بالتحديد في 31 ديسمبر 1992م، ثم نشرتها عام 1995م. كان نشر هذه الرواية بالنسبة لي “حلماً”، فقد كنت خارج مصر ولا علاقة لي بدور النشر أو حتى معلومات عنها؛ فنصحني بعض الأصدقاء آنذاك بأن أطبعها طبعة محدودة على نفقتي الخاصة، وطبعت منها 500 نسخة، كانت ملآى بالأخطاء والعيوب والمشكلات الطباعية، كانت طبعة رديئة من كل الوجوه! وكنت شديد الخجل وقتها من إعلان أني أكتب أو أنني كاتب أو أطمح إلى أن أكون كذلك! وإلى الآن لا أعلم مصير هذه النسخ وأين ذهبت! عقبات النشر ? هل كانت عملية النشر في ذلك الوقت لكاتب ناشئ أو روائي جديد محاطة بكل هذه العقبات؟ ? أذكر أنه في ذلك الوقت كان سعيد الحظ، وسعيد الحظ فقط! هو الذي كان يمكن أن ينشر رواية أو مجموعة قصصية أو كتاباً أدبياً من دون أن تقابله العقبات أو المعوقات التي تعترض شباب الكتاب، هو من يمكن أن نطلق عليه “ابن المؤسسة” الأدبية الذي كان يحظى برعاية شرعية من أحد الأسماء الكبيرة في عالم الكتابة والأدب، كنجيب محفوظ مثلاً، أو غيره من الأسماء الكبيرة من الأجيال التالية له. النشر لم يكن سهلاً على الإطلاق، وكانت صعوبة كبيرة أن تبحث عن ناشر جريء يقبل أن يخاطر، وينشر لك، خصوصا أن السقف المتاح في ذلك الحين لم يكن كما هو عليه الآن أو قبلها بقليل. ? بعد نشر روايتيك الأوليين لفت اسمك الأنظار وقوبلتا بتقدير وحفاوة بالغة من بعض رموز الكتابة في مصر، خصوصا من كبار جيل الستينيات.. كيف رصدت انطباعهم عن كتاباتك الأولى؟ ? المرحوم الراحل الكبير إبراهيم أصلان الذي أحبه وأجله وأحترم كتابته لأقصى درجات الاحترام والتقدير لم أقابله ولم ألتقه سوى مرة أو مرتين وبشكل عابر ومع ذلك عبر لي خلال أكثر من اتصال هاتفي ـ رحمه الله ـ بدماثته المعروفة وسماحته الرهيفة عن تقديره وإعجابه بما أكتب. كان إنساناً رائعاً. كذلك الكاتب الكبير محمد البساطي هاتفني مرة أو مرتين، وكان شديد الكرم في الثناء على بعض ما قرأ لي، وهو معدود بين أبناء جيله من الكتاب، كذلك الروائي القدير جمال الغيطاني لم أقابله سوى مرة واحدة أثناء رئاسته لـ”أخبار الأدب”، وبعد إلحاح من الناشر الذي قال لي إنه يجب أن أهديه نسخة من الرواية.. وبالفعل ذهبت وطلبت مقابلته وقدمت له نسخة من الرواية من دون تعارف مسبق بيننا.. وعلى الرغم من أنني دبلوماسي وجزء أصيل من عملي المقابلات واللقاءات والقدرة على مواجهة المواقف والحوار مع كل الثقافات والمشارب والألوان الثقافية.. غير أني على الجانب الآخر وفيما يخص اقترابي من هذا العالم، الذي كنت أتحسس خطواتي الأولى به، كنت شديد الخجل والوجل معاً. لم يكن تأففاً ولا تعففاً ولا غيره.. إنما خجل فطري وكل علاقتي بالرواية هي علاقة إبداعية محضة ولم أكن أجيد أي مهارات تسويقية لا لنفسي ولا لما أكتب! تناقضات صارخة ? تشيع في روايات عز الدين شكري فشير، عموماً، مسحة من “سخرية” راقية، إن جاز التعبير، أو “لذعة” ملحوظة بين السطور عند تناول القضايا الكبرى أو عند تقديم رؤية كونية لتلك القضايا أو الشخوص الروائية التي تسرد قصتها أو تروي حكاية آخرين.. بم تفسر أو تعلق على هذه الفكرة؟ ? في الروايات الخمس التي كتبتها، حاولت أن أعاين الواقع المصري والعربي من منظور سياسي واجتماعي وثقافي رحب، بحثاً عن جذور المشاكل التي يعانيها المجتمع بمختلف طبقاته الاقتصادية والفكرية، ولطرح الأسئلة الوجودية والفلسفية والإنسانية التي تتجاوز الآني والمحدود والمقيد إلى آفاق أوسع وأشمل. في روايتي الأولى “مقتل فخر الدين”، تعرضت في فصل كامل لحياة المجندين القاسية وفترة التجنيد الإجبارية بالجيش! كما تعرضت لحرب العراق الأولى بالكويت، وفيها إدانة لا لبس فيها لفساد الأنظمة القمعية وبنية الاستبداد. وكانت “السخرية” من التناقضات الصارخة التي آلت إليها الأوضاع في مصر والمجتمع المصري عموما منطقية وضرورية، ووسيلة من وسائل كشف المستور وهتك المسكوت عنه في هذه الموضوعات. وفي رواية “أسفار الفرعون” تناولت شخصية فرعون “ميت” وانتشر العفن في جسده كله ليصل إلى البلد كله حتى مواسير المياه فيصيب الناس بالفساد الرهيب! كنت متوجسا قليلاً من نشر هذه الرواية، لكن عموماً من يسكنون مناطق النفوذ والسلطة لا يقرأون! وهو ما جعل الرواية وصاحبها في مأمن من العواقب! ? تثير روايتك الأخيرة “عناق عند جسر بروكلين” قضايا الهوية والاندماج من خلال سرد حيوات تسع شخصيات مصرية وعربية مقيمة في الساحل الشرقي للولايات المتحدة. كيف انبثقت فكرة الرواية ولملمة خيوطها المتشابكة حول هذا الطرح؟ ? الكتابة بشكل عام ليست انبثاقاً في الفراغ، فقد تأتي الفكرة بشكل سريع من موقف بسيط أو لحظة عابرة لتأخذ بعد ذلك مسارات معقدة ومتشعبة. فكرة الرواية جاءت من وحي زيارة طويلة قمت بها في مطلع عام 2010، في زيارة للقاعة التذكارية لضحايا الاعتداء في 11 سبتمبر، وأنا أتجول في القاعة جلست على أحد المقاعد لأستريح قليلاً. كان مظهري يوحي بالغرابة لبعض الزائرين الأجانب. شكلي كان يوحي بأني أوروبي أو أميركي، لكن لحيتي أعطت للبعض انطباعاً بأني لست كذلك. فوجئت بطفل صغير ينظر إليّ بشدة وفي عينيه ريبة أو تساؤل استنكاري وكأنه يقول: ماذا جاء بك إلى هنا؟ ومن أنت؟ من هنا تساءلت: لو أن واحداً بالفعل ممن كانوا على صلة بهذه الحادثة جاء إلى هذا المكان وتجول فيه. ماذا سيشعر وكيف يناجي نفسه؟ وبم يحدثها. رويدا رويدا بدأت الخيوط تتشكل والأفكار تتنامى إلى أن شرعت في كتابة الرواية بعدها مباشرة. أصوات وأشخاص ? رأى البعض أن الرواية تقدم “نقداً فلسفياً للرأسمالية الغربية والعنصرية الأميركية”، من خلال طرح التساؤلات وربط الفضاء السردي بفضاء الأسئلة.. ما تعليقك على هذا الرأي؟ ? أظن أن الرواية ذات طابع إنساني أشمل من فكرة النقد الفلسفي أو التركيز على جانب معين فقط، أتصور أن الطابع الإنساني للرواية شمل أيضاً أبعادا ثقافية وفلسفية وسياسية وإنسانية أخرى. أنا حاولت من خلال طرح عدد من التساؤلات أن أثير تلك القضايا الإنسانية في عقل ومخيلة القارئ؛ لأنه في ظني هو الأسلوب الأمثل والأفضل في خلق الوعي عوضاً عن إعطاء دروس أو تقديم الإجابات الجاهزة والمعدة سلفاً. وللقارئ كامل الحق في أن يرى الرواية، وأن يقرأها ويفككها، كما يشاء. عندما تنتاب شخص ما فكرة أن حياته شارفت على الانتهاء وأنه على وشك الرحيل، تصيبه حالة من حالات التحول القاطعة، ثمة نقطة فاصلة، جوهرية، تجعله يعاود حياته الماضية ويخضعها لمراجعة كاملة، يتأملها ويستجليها ويبحث عن إجابات لما طرحه من أسئلة، إن كان طرحها فعلاً أو جالت بخاطره.. ? يُبدي عز الدين شكري فشير مهارة عالية في سبك خيوط الرواية التي تتسم بالتماسك والبناء الفني المحكم.. وقدمت نموذجا لافتاً لرواية “تعدد الأصوات” حيث مزجت بين ضمير المتكلم والغائب في مراوحة سردية بارعة.. لا تتكشف خيوطها إلا في الصفحة الأخيرة من الرواية.. لماذا كنت حريصاً على اتباع هذه الصيغة في سرد الرواية؟ ? شخوص “عناق عند جسر بروكلين” كلها شخصيات تحاول الفكاك، ثمة “أصوات تحتوي على أصوات”. في لحظة ما يلتبس عليك الأمر ولا تعرف من يروي؟ من يقول الحكاية؟ كما طرحتَ في السؤال. لقد كنت حريصاً على أن أتيح لقارئ الرواية أن يتعرف إلى شخوصها وما يعتمل بداخلها من أفكار أو مراجعات وتأملات وذكريات.. إلخ من دون إقحام لرؤية خارجة عنها أو فرض رؤية مسبقة عليها، بمعنى أن يكون هذا الحرص مؤدياً إلى أن يلتقي القارئ مع شخوص الرواية “وجها لوجه” من دون وسيط، وأن يتحدث وينخرط معها تقريباً في علاقة تأملية وتبادلية، فيتاح للقارئ أن يستمع إلى صوت كل شخصية على حدة. وهذا ما كنت شديد الحرص عليه؛ لأنه لم أكن أريد أن أروي أنا كراوٍ عليم كل أخبار أو حكايات هذه الشخصيات من وجهة نظر محايدة، إنما أردت للقارئ أن يستمع ويقابل كل شخصية كما تقدم نفسها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©