الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

حوار الإمارات الفني مع العالم

حوار الإمارات الفني مع العالم
16 يناير 2020 00:08

بمشاركة الجناح الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، في الدورة الـ 58 الأخيرة، للمعرض الدولي للفنون في بينالي البندقية 2019، من خلال تقديم العمل التجهيزي «عبور» للشاعرة وصانعة الأفلام الإماراتية نجوم الغانم، قد يكون أكمل الجناح الوطني الـ 10 سنوات من التراكم الفني لحوار الإمارات العالمي عبر الفنون والعمارة، وذلك منذ إعلان انطلاق المشاركة الأولى في عام 2008 في الدورة الـ 53 التي أقيمت في عام 2009، وهو بدوره يثري المجتمع الثقافي والفني المحلي، ويجعلنا أمام مسؤولية إعلامية في البحث التفصيلي حول مراحل التكوين الأولية لعمر التجربة الفنية لمنصة عالمية بمكانة الجناح الوطني، وطرح الأسئلة النوعية حول أثر الحوار الداخلي للمجتمع الفني في الإمارات، وأثره في بناء المشروعات المحورية عبر حوارات عالمية كتلك التي تتشاركها الإمارات في بينالي البندقية، باعتباره ضمن أقدم المعارض الفنية وأعرقها تأسيساً في 1895 متضمنة أجنحة وطنية لمختلف ثقافات العالم وبينالي العمارة، إلى جانب مهرجانات الفيلم والموسيقى والمسرح والرقص. والسؤال المحوري هو: «القصة» التي نرويها من الإمارات لجمهور بينالي البندقية المتعدد، ومدى تلاقيها في المحور الإنساني العام في جّل الثقافات العالمية، كيف نسهم نحن الأفراد في تشكيلها، سواء الفنانين المشاركين أو القيمين المتفاعلين مع مفاهيم بناء الهيكلة العملية للمشاريع الفنية أو المتذوقين للحالة الفنية أو المهتمين من مثقفين وقُراء ومتابعين للحراك الثقافي في الإمارات؟
نحن دائماً جزء من قصة ما، تُعبر عن مكان نعيش فيه ونتفاعل معه، ويصبح مع الوقت، مُشكل لوعينا حول أنفسنا وأفكارنا، ومستوى خياراتنا وقراراتنا اليومية البسيطة جداً، ولا يمكن مهما بدت الحوارات ضخمة وواسعة حول قصصنا اليومية، إلا وكنّا محركين أساسيين في تشكيلها، لذلك فإن الجناح الوطني لدولة الإمارات، هو امتداد لتلك الإيماءات الصغيرة لتفاصيل حركتنا المتفردة في المجتمع. ومعرفة ما يطرحه الجناح من مفاهيم وأفكار عبر فنانين إماراتيين وفنانين مقيمين، هي دعوة مفتوحة لإدراك أعمق حول ما نتشاركه من إيقاع خاص، في عوالم متغيرة. وكيف يُمكننا استخدام الوعي بهذا الإيقاع نحو تحقيق انسجام تام مع كل ما يحيطنا من تنوع لا متناه لحضارات العالم، وما تمثله الفنون والعمارة من قوة جبارة في قدرتها على دفع الأفراد والمجتمعات للانضمام إلى فُرجة معرفية من خلال التجربة الفنية، لذا فإنه من المهم، عزيزي القارئ أن نقترب من الصورة المجهرية لمكون منصات الحوار المحلية والعالمية، ونتفاعل في تأسيس خبرة استثنائية في كيفية فهم الحالة الفنية بوصفها ممراً لمشاعرنا وأفكارنا وهويتنا الجامعة، ومن هنا فإن موضوع الجناح الوطني لدولة الإمارات، ليس عرضاً عابراً لمشاريع فنية، بل هو مساهم في تعزيز تطور التعبير البصري والثقافي لما نود أن نرويه من حكايات حول مجتمعنا المحلي للعالم.

البدايات المضيئة
في عام 2009، قامت الدكتورة لميس حمدان، عضوة مجلس إدارة هيئة الثقافة والفنون بدبي، وقتها، بتطوير وتقديم الجناح الوطني، بدعم من وزارة الثقافة، وتركز الهدف على إبراز مساهمة دولة الإمارات في عالم الفن المعاصر، ويمكن العودة لموضوع أول جناح أقيم بعنوان «ليس أنت بل أنا»، وهو تصريح واضح من القائمين على الجناح، برغبتهم في توجيه البوصلة العالمية بتجاه التحولات للمشهد الثقافي والفني في الإمارات، خاصةً مع إعلان استراتيجيتها الثقافية على مستوى التبادل المعرفي بين المتاحف العالمية والمهرجانات الفنية، إلى جانب ظهور الأسواق الفنية الناشئة وصالات العرض والاستوديوهات الإنتاجية وغيرها. جميعها مثلت حالة من التدافع الداخلي، نحو خلق فضاء ينمو في إطار زمني متسارع، يستدعي منصات تعكس مستويات النمو التدريجي فيه، بالتوازي مع التحولات في المجتمعات الفنية لمختلف بلدان العالم، إضافة إلى أنها تبين أبرز ملامحه الجديدة، القادرة على التأثير في الحوارات الفنية العالمية، ولتأكيد على أن ما يحدث في المجتمع الفني المحلي ليس وليد اللحظة، بل نتاج تراكم تاريخي برزت أوجهه المعاصرة في الفترة ما بين السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.

تم بناء الجناح الوطني في موقع دائم في «أرسنال-سالي دي آرمي»، ممثلاً أحد الأقسام الرئيسة في بينالي البندقية، وتضمنت انطلاقته الأولى أعمالاً للفنانة الإماراتية لمياء قرقاش بعنوان «عائلتي»، وهي سلسلة من الصور الفوتوغرافية توصف مظاهر حسن الضيافة وسياسة التصميم الداخلي وما يطلق عليه بـ «الإغراء الماكر للتوثيق». الاطلاع على الأعمال الفوتوغرافية للمصورة لمياء، تضعنا مجدداً أمام السؤال إلى أي مدى كنّا نؤثر في الحيز البصري لما تراه لمياء في محيطها التي نتشاركه في مستويات عدة. وهو بالطبع سؤالنا نحن كأفراد في مجتمعها المحلي، بالمقابل فإن الجمهور الخارجي ربما سيبحث عن التناص بين ما نألفه نحن في معيشتنا، وما يرونه هم كجزء من وعي مجتمع معين، يؤثر عليهم بشكل معين، حتى وإن لم يلتق البعض منهم فيه البتة. يُحسب للدكتورة لميس حمدان هذا الوقع الذي أحدثته في إدارة تشكيل اللقاء التفاعلي بيننا وبين العالم، ما يصف تماماً دور مبادرتها بإتاحة وعي جديد، يطور شكل الإبداع وأدواته. وتحديداً في مسألة الجناح الوطني الذي انتقل من رؤيته في بيان مساهمة دولة الإمارات في الفن، إلى جعله منصة لتطوير الفعل الإبداعي لدى الفنانين الإماراتيين والمقيمين في الدولة، عملياً هو تحول مهم في الوعي المجتمعي.

تعاون نوعي
الاطلاع على طبيعة أول برنامج للجناح الوطني، يبرز الأدوار المحورية لمكونات الجناح الوطني، مثل إنشاء «اللجنة التنفيذية»، لتقديم الاستشارات ودعم تطوير الجناح، إضافة إلى التعاون النوعي الذي جمع وزارة الثقافة وتنمية المعرفة، وهيئة دبي للثقافة والفنون ومؤسسة الإمارات آنذاك، وذلك قبل انضمام مؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان، باعتبارها تشكل حالياً المفوض الرسمي لجناح دولة الإمارات في بينالي البندقية، والتي بدأت مشروع تعاونها مع الجناح الوطني في عام 2013، بعد إنجاز توقيع اتفاقية طويلة الأمد تصل إلى 20 عاماً، من قبل بينالي البندقية بالتعاون مع وزارة الخارجية لدولة الإمارات. استمراراً لموضوعات المكون المحوري للجناح الوطني، من المهم بيان تطور أبعاد كثيرة لأثر تأسيس الجناح، فمثلاً البرنامج التدريبي في البندقية، بدأ بخطط لبرنامج تطوعي في المشاركة الأولى للجناح، انضم فيه المتطوعون إلى برنامج ثقافي وفني يتضمن زيارات لمتاحف وأماكن سياحة ثقافية، وتركز في اختياراته على دارسي للفنون ومهتمين بالثقافة والمعمار، وهنا يلاحظ المتابع آلية تطور رؤية المشروع الثقافي، في كيفية تحول حالة التطوع إلى برنامج تعليمي ومعرفي يرتكز على التجربة والخبرة، من خلال تعاون البرنامج التدريبي في البندقية مع جامعة كافوسكاري الشهيرة في البندقية، ممهداً لانتقاء متدربين إيطاليين للعمل جنب إلى جنب مع متدربين إماراتيين.
«للمرة الثانية» هو عنوان الجناح الوطني لدولة الإمارات، في مشاركته الثانية بالمعرض الفني الـ 54 لبينالي البندقية، ضم أعمالاً فنية لـ 3 فنانين إماراتيين، هم الفنانة ريم الغيث والفنان عبدالله السعدي والفنانة لطيفة بنت مكتوم، حيث تم اختيار مدير البرامج والأبحاث العالمي فاسيف كورتون كي، مسؤولاً عن الجناح، موضحاً في حينها أن اختيارهم قام على إدراك لقواعد الجانب النظري في جوهر الأعمال المعروضة للفنانين الثلاثة، هادفين من خلالها إلى إبراز المواقف الفنية أكثر من المفاهيم الفنية. يمكن ملاحظة الخطوات المتأنية للقائمين على الجناح الوطني، وكيف أن المنصة كانت تمر بمرحلة تجربة أوسع، تتبنى فيها مستوى مختلف من المتغيرات، بانضمام أشكال متعددة من التعبير الفني، وتحديداً في تنفيذ سينوغرافيا المعرض الذي تم تصميمه من قبل «سوبربوول» هي شركة تصميم متعددة الاختصاصات، واللافت أن من وضع التصميمات المرئية للمعرض، كل من ريم حسن وهلا العاني وهاديا بدري، وكن وقتها حديثات التخرج من الجامعة الأميركية في الشارقة، ما يعني الفرص التي أتاحها الجناح الوطني لدولة الإمارات، لمجموعة ستوديو موبيوس للتصميم، الواقع تحت إدارة المصممات الشابات، من عملن في مركز «تشكيل» بدبي، ويبحثن في مجال إيجاد عناصر مفاهيمية لتصاميم باللغة العربية.

الموقف الفني
حديث فاسيف كورتون، عن ما يُسمى بـ «الموقف الفني»، يدعو للتأمل حول موقع المتلقي من مفهوم اتخاذ موقف فني، كونه مستقبلاً للفعل التعبيري البصري أو الأدبي أو حتى الأدائي، وهل ينجم عن التفاعل بين موقف الفنان وموقف المتلقي، موقف نسبي غير محدد التوجه، يُسهم في تشكيل الرأي العام، أو حتى الموقف العام من حالة ما، أفرزها اللاوعي الفني عبر المخيلة الجمالية للفنان، وهل يُمكن تطبيق ذلك على معرض الجناح الوطني في بينالي البندقية؟ من المهم أن نقرأ الإفراز اللحظي للتفاعل بين العمل والجمهور، هو بالطبع لا يشكل موقفاً آنياً، بل أرضية لتراكم على المدى البعيد، يحفز ما يشبه الموقف/‏‏‏ الرأي وربما الفكرة المحفزة نحو توسيع شكل الحوارات، وهو بطبيعته يطلعنا على شكل الحوار نفسه في الجناح الوطني، وصولاً إلى معرض الفنان الإماراتي محمد كاظم، بإشراف القيمة الفنية ريم فضة في المشاركة الثالثة للمعرض الفني الدولي 55 بينالي البندقية، بالمناسبة تم تكليف استوديو التصميم الإماراتي «فكرة» بإدارة سالم القاسمي، لإنتاج العناصر البصرية اللازمة للتصميم والعرض في الجناح، وفيه تجسد أول دعم من مؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان.
عام «2013 - 2014»، شكل نقطة تحول في مسيرة الجناح الوطني لدولة الإمارات، على مستوى البنية وترسيخ الشكل التأسيسي للجناح، وبدأ التفكير ينصب على عمق الطرح القصصي في المنتج الإبداعي، وبالأخص خلال مشاركة الجناح الوطني لدولة الإمارات في «المعرض الدولي للعمارة في بينالي البندقية»، مسألة العمارة هنا تختلف عما يتم طرح في الفنون عموماً، ففي الدورة الـ 14 على سبيل المثال، شاركت الإمارات بعرض التاريخ المعماري والتنمية الحضرية التي حدثت في دولة الإمارات في فترة قرن من الزمان، وكانت تمثل الحضور الأول للجناح في المعرض، تم فيها افتتاح معرض «لئلا ننسى: معالم خالدة في ذاكرة الإمارات» في مقر الجناح بأرسينال سالي دي آرمي، تولت فيه مؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان مهام المفوض الرسمي، وبدعم من وزارة الثقافة وتنمية المعرفة، وبتنسيق مع قيمة المعرض الدكتورة ميشيل بامبلينج متعاونة في ذلك مع فريق بحث مكون من المهندسين المعماريين، اهتم المعرض برصد كيفية بداية الحياة العمرانية في الإمارات، مع التركيز على تطور فن العمارة في السبعينات والثمانينات.

الجدير بالذكر، أن من أهم ما يقدمه الجناح الوطني لدولة الإمارات، في كونه يشكل استقطاباً نوعياً لمجموعات بحث علمية، ويلقي عليها الضوء، بشكل استثنائي ولافت، على سبيل المثال في معرض «لئلا ننسى»، أوضحت الدكتورة ميشيل بامبلينج، كيف أنها أرادت أن تخلق جواً تفاعلياً، يشجع فرص الاستكشاف والمساهمات من خلال إتاحة فرصة منصة مفتوحة للأرشفة. معتمدة على مناقشة تضمنت المهندسين المعماريين، ومخططي المدن والمواطنين الذين عاصروا التنمية العمرانية في مدن الإمارات، والجميل في الموضوع أنه تم عرض مواد للجمهور لأول مرة، من بينها محتويات تكون ضمن ملفات الشركات المعمارية والهندسية وأرشيف البلديات والمؤسسات الاتحادية وفي ألبومات صور العائلات، وفي البطاقات البريدية. ويمكننا أن نتخيل كيف يمكن أن يؤثر ألبوم صور العائلات المعروض في تشكيل الذاكرة والوعي بالمساحة التي نعيش فيها، بل ونعده أمراً يستدعي النقاش اليومي، والاهتمام العلمي المستمر، جاء المعرض على أربع مراحل تسلسلية لتقاليد فن العمارة، وهي كالتالي: فن العمارة التقليدية (1914-1949)، البنية التحتية والتنمية الحضرية (1950-1970)، المباني الحديثة (1971-1994)، استعادة الأحداث والابتكار (1995-2014).

ما وراء العمران الشاهق
«التراث العمراني» في دولة الإمارات، شكل في الفترة الأخيرة، تحولاً على مستوى سن قوانين الحماية، إلى جانب دعم المؤسسات المختصة بالترميم والبحث، مقدماً بذلك مؤشراً إلى التنبه الحكومي لسياسات المحافظة على المخرجات العمرانية، لكونها تعكس جانباً تاريخياً من عمر نشأة هوية المجتمع المحلي، وتجذر مرجعية معرفية للمكان، بتصورات مستقبلية تدعم البحوث العلمية، وبالتالي فإن مشاركة الإمارات في المعرض الدولي للعمارة في دورته الـ 16، يقدم مؤشراً مستمراً للوعي بأدوار الحوارات النقاشية بالتراث العمراني الذي تتبناه دولة الإمارات، ضمن استراتيجيتها الثقافية، باعتبارها مكوناً رئيساً للمساهمة في المحافظة على التراث الإنساني ككل.
شاركت دولة الإمارات في بينالي العمارة لعام 2018، من خلال معرض «الحياة ما وراء العمران الشاهق» الفني، تحت إشراف القيم الفني خالد العوضي، أستاذ مساعد لبرنامج التنمية الحضرية المستدامة لدى «معهد مصدر» في أبوظبي التابع لـ«جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا»، مؤسس برنامج التنمية الحضرية المستدامة الأول من نوعه على مستوى المنطقة، هادفاً المعرض إبراز دور خصائص فن العمارة والتصميم غير المرتبطة بحجم البنيان، والتي بدورها تساهم في رسم ملامح الحياة اليومية داخل المجتمعات المتنوعة بشكل تفصيلي، شمل المعرض دراسة لمجموعة من الأماكن المختلفة المأخوذة من المشهد العمراني المتنوع بدولة الإمارات، متضمناً الأحياء السكنية القديمة، ومراكز المدن في الماضي، الأزقة، الميادين، والساحات العامة، بالإضافة إلى البيئات الطبيعية كالمناطق الجبلية والزراعية. وبمجرد التأمل الدقيق، لهذا المبحث المهم، يتوصل المتابع إلى أهمية بروز مقالات صحافية وصحف ومجلات إلكترونية ومطبوعة متخصصة لأهم المخرجات النقاشية والبحثية لما بعد المشاركات في معرض بينالي العمارة في بينالي البندقية، وتتسع لتشكل إصدارات شهرية، تشكل موجة جديدة من القراءات اليومية للمتابع العادي، ما يمثل معرفة عامة، تدعم مسيرة الدولة في تشكيل حوارها العالمي حول العمران وتأثيره في المكونات المجتمعية من حول العالم. فعلى سبيل المثال، نتصور كيف يستقبل القارئ موضوعات في تأثير الأزقة القديمة أو ما يعرف باللهجة المحلية بـ «السكة» في مجال ممارسته لحس المسافات الاجتماعية في عُرف البيئة المحلية.

إثراء التجارب العالمية
بالوصول للحديث حول مشاركة الجناح الوطني لدولة الإمارات، في المعرض الفني الدولي الـ56 في بينالي البندقية الذي أقيم في عام 2015، جاء حوار مديرة التنسيق في الجناح الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة في بينالي البندقية ليلى بن بريك، لـ «الاتحاد الثقافي»، وبدأت التساؤلات الأبرز في نقاشها التفصيلي بسؤال: «لماذا هو من المهم أن تشارك دولة الإمارات العربية المتحدة، في بينالي البندقية؟ تجيب ليلى أن المعنى الأساسي يكمن في السياسة الثقافية التي تتبناها دولة الإمارات، في إثراء التجارب العالمية، من خلال المساهمة الفكرية والإبداعية، القادمة من ذات المجتمع المحلي الذي يمتلك في الوقت الراهن مشهده الفني المتنامي، مشكلاً موجات هالات تتضاعف حجمها مع الوقت، في ظل اهتمام منقطع النظير من قبل العالم بفنون الشرق الأوسط، إنه ما يمكن وصفه بالفعل الديناميكي الذي أنتج لنفسه حواراً نوعياً، استدعى مشاركته مع العالم، بعد أن أسست الإمارات لهذا الحوار مرتكزات عديدة، جعلها تتأهب رسمياً للمساهمة فيما يمكن تسميته بـ «الأولمبياد» الفني، وهو ما يمثله «المعرض الدولي للفنون في بينالي البندقية»، إنها تشبه لعبة المحترفين في مجال الفنون.
منذ عملها مع مؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان، أضافت ليلى بن بريك، أن تركيزهم تمثل دائماً على الآلية التي من شأنها أن تفعل الرؤية العامة للجناح، وهو التفكير بمرحلة الالتزام طويلة الأمد مع بينالي البندقية، والذي من شأنه أن يقدم تراكماً للخبرة، يستدعي استعداداً دائماً لاستحضار حوارات عميقة، تدور حول ما نريد أن نسرده، وكيف هو حس السرد نفسه: فنحن في بينالي البندقية نريد أن نكون جزءاً من الحوار العالمي، ونعمل على توجيه وتقريب مكنونات مجتمع الإمارات لمختلف ثقافات العالم، ويمكن اعتبار «التراث» و«الثقافة»، الطرق الأكثر قدرة على تحقيق الاتصال مع أشخاص لا يعلمون عنك الكثير، هي الطريقة التعبيرية الأسمى في إحداث الحوار، وجميعها تنطلق من مبدأ أن ما يحدث بشكل محلي وداخلي فهو يتفاعل بشكل هارموني ساحر مع العالم.
في عام 2015، بمشاركة الجناح الوطني لدولة الإمارات، في المعرض الفني الدولي الـ56 في بينالي البندقية، تم اختيار الشيخة حور القاسمي، رئيسة مؤسسة الشارقة للفنون، قيمة على المعرض الفني الدولي، واهتمت بتقديم 15 فناناً إماراتياً عبر معرض فني بعنوان «حول المعارض في الإمارات»، وهو من بين المعارض النوعية التي قدمت التنوع الفني على المدار التاريخي للدولة، ما يجعل سؤال الآلية التي يقوم عليها الجناح الوطني في اختيار القيمين والفنانين المشاركين، يحتمل توجهاً استراتيجياً رصيناً إذا صح التعبير، تجيب ليلى بن بريك: يجب القول بأن عملية الاختيار ليست أمراً سهلاً، بالطبع هناك الكثير من يعملون في مجال المعارض، ولكننا عندما نتحدث عن بينالي البندقية، فإن الأمر مختلف تماماً، وكل شيء يدور حول الشخص المناسب القادر على حفر تلك القصص، لذا تم وضع لجنة مختصة، معنية بالاختيار تتكون عادة من أعضاء يعملون في القطاع الحكومي، ومنهم من يديرون مؤسسات كبرى، في مجال الفن والتراث، وعلى استيعاب تام لما يعنيه بينالي البندقية والجناح الوطني، وعلى علم ومتابعة بما يجري في دولة الإمارات.

اعتبرت ليلى بن بريك أنهم في الجناح الوطني يحرصون على تنوع الأعضاء من بين المختصين في الإمارات المختلفة، وبالنسبة فيما يخص التصويت لمشاركة الفنانين، فإن مؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان، ووزارة الثقافة وتنمية المعرفة، لا يشاركان في عملية التصويت، بل يمثلان جزءاً من إدارة العملية نفسه والاختيار النهائي يرجع للجنة المختصة. وبالنسبة لاختيار الشيخة حور القاسمي، فإن الجميع في المشهد الفني يدرك الخبرة والمعرفة البحثية التي شهدتها مسيرتها، وإيماناً من منطلق بناء قصصنا بشكل تدريجي عبر بينالي البندقية، فإن الشيخة حور القاسمي، ارتأت بيان السيرة التاريخي للمشهد الفني، وهو مهم في مسيرة البناء التراكمي للجناح، موضحين بذلك أن المشهد لم يبدأ من 2009 وإنما من سنوات طويلة امتدت من السبعينات والثمانينات، ومن هذا المنطلق نود الإقرار بما توصلنا له في المشهد الفني المحلي، والذي تم تتويجه مؤخراً بمشاركة الفنانة وصانعة الأفلام نجوم الغانم في بينالي البندقية 2019، إنها مرحلة تتضمن مستوى عالياً من الثقة بما يمتلكه الفنانون في الإمارات.

العمل «عبور»
أضافت ليلى بن بريك: العمل التجهيزي «عبور»: هو تحول عميق فعلاً لمخرجات الجناح الوطني من الأعمال الفنية، فالكثير ربما لا يعرف أن نجوم الغانم بدأت بالفن التشكيلي، وهو ممرها للإبداع البصري في عالم السينما، إلى جانب القصيدة التي تمثل الإرث الاستثنائي في منطقة الخليج العربي. وفي عملها الذي تم عرضه في بينالي البندقية 2019، حاولان النظر إلى عنصر الفيلم والقصيدة، وكيفية إحداث التمازج، بين الاثنين، وهو تحد جديد بالتأكيد للقيمين والفنانة لتقديم مستوى من الإبداع القادر على إيصال شعور القصة في داخل العمل، وكانت مفاهيم الحركة والزمن مهمة في فضاء العرض، خاصة أننا لا نكتفي برؤية ما يمثله العمل لوحده في الجناح بل كيف يتقاطع مع كل تلك الإبداعات المختلفة من حضارات مختلفة تشارك في بينالي البندقية، الذين يمتلكون خبرة طويلة في العروض التجريبية بالتأكيد، وأعتقد أن الإمارات استطاعت عبر فهم حوارها الداخلي أن تعرض قصصها للعالم من خلال لحظة اتصال عالمي.
حول مسألة مشاركة الجناح الوطني لدولة الإمارات في بينالي العمارة لعام 2020، قالت ليلى بن بريك أن الأمر سيكون مختلفاً تماماً، فالحوار لن يكون على مستوى الأبنية فقط، ولكن على مستوى الحوار نفسه، المرتبط بالثروات الطبيعية والطريق الجديد لرؤية العمارة. موضحة أنه يصعب عادة الاتصال أو معرفة بالتحديد من هم الناس المشتغلين في الوقت الحالي في مجال البحوث الأكاديمية في عالم العمارة، لأن الجهود تكون فردية ومتفرقة بين عدة مختبرات، وهنا تكمن أهمية فتح دعوة عامة لكل المهتمين، لإعادة اكتشاف الحراك المجتمعي في القطاع العمراني، من خلال استقبال الطلبات من قبل لجنة مختصة تفحص طبيعة محتوى ما يقدمه المختصون والفنانون، ومدى إمكانية تحويله إلى مستوى من الحوار العالمي. وأنهت ليلى بن بريك، تطلعاتها الرئيسة في الحديث عن الجناح الوطني أنهم يسعون إلى أن يعكسوا الحالة التفاعلية لتلك التعقيدات البديعة للفنون والعمارة، عبر تشجيع الحوار الداخلي، والسماح للأفراد بالانضمام والتداخل.

خلود عطيات: إبراز قصص مؤثرة في الوجدان المجتمعي
قالت خلود العطيات، مدير المشاريع، الثقافة والفنون والتراث في مؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان التي تتولى مهام المفوض الرسمي للجناح الوطني بدولة الإمارات، بدعم من وزارة الثقافة وتنمية المعرفة، إن الهدف الأساسي من الجناح الوطني هو إبراز قصص دولة الإمارات تلك التي لم يتم إبرازها بعد، والتي لم ترو بكل تفاصيلها المؤثرة في الوجدان المجتمعي. إضافة إلى دور الجناح الوطني في إبراز الأصوات التي من شأنها أن تسرد تلك القصص، قصصنا بالأحرى، وتتناولها بعمق إبداعي يوازي الحضور العالمي في بينالي البندقية.
وفيما يتعلق بالعمارة تحديداً، أشارت العطيات، إلى أن الحوار الذي ينتج في الجناح الوطني يتجاوز البناء والمعمار كمبانٍ، بل البحث أكثر في البيئة الطبيعية والمحيطة بنا، وكيف يمكن فهم هذا الدمج بين العمران والطبيعة، والتطلع إلى بنية البيئة المشتركة، وكيفية تعايش الإنسان معها، فمثلاً كيف تؤثر عملية استخراج المعادن من الصحراء واختبارها لأبنية المستقبل.

تحولات: البيت الوطني الإماراتي
موضوع الجناح الوطني للدولة، في المعرض الدولي للعمارة الـ 15، لعام 2016، حمل عنوان «تحولات: البيت الوطني الإماراتي»، بإشراف القيم ياسر الششتاوي، أستاذ مشارك في قسم الهندسة المعمارية في جامعة الإمارات، وهو رصد لتطور التحولات التي طرأت على «البيوت الشعبية» في الإمارات.
وبالنظر إلى التحولات السريعة التي تشهدها دولة الإمارات، فإن هناك جيلاً جديداً لم يستكشف فعل حضور البيت الشعبي، واللافت أن المعرض يظهر كيفية تحول النموذج الأساسي للبيوت الشعبية الإماراتية التي بنيت فترة السبعينيات في الأحياء السكنية، في أغلب مدن الدولة، حيث يضم سلسة من الغرف المطلة على ساحة الفناء الداخلي، ويبين المعرض كيف أن العائلات المقيمة أضافت مختلف التعديلات المعمارية على النموذج الأساسي للبيت ليتلاءم مع احتياجاتهم، وهو ما يعكس التحول الثقافي والمجتمعي للأفراد، وتفكيره حول الحيز الذي يشغلونه، ومستويات الحركة فيه.
من جهة أخرى، فإن جمالية تناول الموضوع فنياً، هو بروز مفاهيم التخطيط الحضري، في المشهدية الفنية، بشكل مغاير، تجاوز فوائدها الخدمية على مستوى النقاش العام، إلى كونها محركاً إبداعياً، يعكس الكتاب والفنانين والموسيقيين في إنتاجاتهم البصرية والفكرية.

ممارسات اللعب والأداء
شارك الجناح الوطني لدولة الإمارات، ضمن المعرض الدولي للفنون، في بينالي البندقية - الدورة الـ 75 لعام 2017، قُدم فيه معرض فني بعنوان «حجرة، ورقة، مقص: ممارسات اللعب والأداء»، تضمن أعمالاً لـ 5 فنانين مواطنين أو مقيمين يتخذون من دولة الإمارات مقراً لهم، وهم: نجوم الغانم وسارة الحداد وفيكرام ديفيتشا ولانتيان شيه والدكتور محمد يوسف. واستعرض معرض الجناح الوطني، تحت إشراف القيّم الفني حمّاد ناصر، الممارسات الفنية في دولة الإمارات من خلال إظهار مفاهيم اللعب والأداء، كما ضم أعمالاً فنية وإنتاجات إبداعية جديدة لأعمال فنية مفقودة، بالإضافة إلى أعمال تكليفية جديدة. طارحاً أسئلة متداخلة وهي: ما هو مصدر «اللعب» في الممارسات الفنية؟ كيف وأين يتعزز «اللعب»؟ وماذا يفعل «اللعب» في الفنون؟

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©