الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أحوال الهند ما بعد 2020

أحوال الهند ما بعد 2020
16 يناير 2020 00:10

... وللهند أيضاً خطّتها المستقبلية لما بعد العام 2020، ولكن هذه المرة على يد اثنين من علمائها الكبار: الأول الرئيس أبوبكر زين العابدين عبد الكلام، وهو من كبار العلماء في الهند، وقد أصبح رئيساً لجمهورية الهند بين عامَي 2002 و2007، وكان مسؤولاً عن تطوير أول مركبة إطلاق قمر اصطناعي هندية إلى الفضاء (أس. أل. في. 3)، وعن تطوير الصواريخ الاستراتيجية الهندية وتشغيلها، والذي ألف 15 كتاباً في موضوعات علمية وثقافية واقتصادية وتنموية عامة أشهرها كتاب: «رؤية هندية للألفية الجديدة».
والثاني هو «ياغناسوامي سونادارا راجان» الذي شغل مناصب عليا تتعلق بالعلوم والتكنولوجيا وتطبيقاتها الصناعية في الهند. ويعمل حالياً أستاذاً ممتازاً في قسم الفضاء لدى المنظمة الهندية للبحوث الفضائية في مدينة بنجالور، وهو أيضاً رئيس هيئة مديري المعهد الوطني للتكنولوجيا (مانيغور)، والحائز على جائزة بادما شري الحكومية عام 2010. وقد ألّفا كتاباً مشتركاً تحت عنوان: «الهند ما بعد العام 2020.. رؤية مستقبلية» وضعا فيه تصوراتهما لبلدهما الذي يتجاوز تعداد سكانه المليار و300 مليون نسمة، ومن منظور الكيفية التي يفكّر فيها شعبهما الناهض بجميع المقاييس. والكتاب نقله إلى العربية د. صهيب عالم، وأصدرته «مؤسسة الفكر العربي»، التي يترأسها الأمير خالد الفيصل - مركزها بيروت.
والكاتبان واقعيان في رسم رؤيتهما النهضوية الراهنة والمستقبلية لبلديهما. نراهما ينطلقان من المشكلات التي لا تزال تعترض الهند على طريق التطور، ويحثّان الدولة والمجتمع في بلاد غاندي على تجاوزها لتحقيق المنشود. ومن وجهة نظرهما فإن تحقيق وضع متقدم بحلول العام 2020 وما يليه، لا يعني أنه يمكن بعد ذلك الاطمئنان إلى الإنجازات، بل يجب أن يكون هناك سعي دائم من أجل رفاهية الشعب الهندي. إن رؤيتهما تتركز حول قيام أمة هندية متطورة تستوعب تطورها من داخل زمنها. ولا يمكن أن يستعدّ لمثل هذه الرؤية على المدى الطويل، إلا الرجال الذين لديهم الكثير من المهارات والمعارف والعقول المتّقدة. وكلاهما يعترف بأنه من الممكن تطوير الهند للوصول إلى مثل هذا الوضع، شرط التمكّن من اتباع مسار ثابت، وإتاحة فوائد التغيير للشعب على مدى الحياة. وينبغي أن يرى الهنود أن حياتهم تتحسن بالفعل، وليس في الجداول الإحصائية فحسب. وهذا يعني أن الرؤية يجب أن تصبح جزءاً من الأمة، وأن تتجاوز الحكومات في الحاضر والمستقبل. ولتحقيق ذلك ينبغي اتخاذ إجراءات عديدة. ومن العناصر المهمة في هذا الجهد تطوير مختلف أوجه القوة التكنولوجية الأهلية؛ فإن التكنولوجيات في المقام الأول، هي في الأساس مظاهر تجربة الإنسان ومعرفته، وبالتالي فإنها قادرة على مزيد من التنمية الإبداعية في ظل بيئات تمكينيّة.

تمكين الشعب
يركز العالمان الهنديان على الناتج المحلي الإجمالي في الهند، بالمقارنة مع دول متقدمة أخرى، فإذا هو في وضع غير مقبول، إذ إن الأرقام تشير إلى أن الهند تحتل المرتبة العاشرة بعد الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والبرازيل وإيطاليا وروسيا. وهذا أمر لا يجوز البقاء عنده أو الدوران فيه. وقد يتساءل المراقب: لماذا تعتبر الدول المتقدمة مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا أقل درجة من الصين على قائمة الناتج المحلي الإجمالي؟. والناتج المحلي الإجمالي هو -بالمناسبة- مجموع إنتاج جميع سكان البلد. وفي دولة متقدمة، على الرغم من أن إنتاجية الناس مرتفعة جداً، إلا أن عدد المنتجين أقل من عددهم في دولة نامية. وعلى سبيل المثال، الصين لديها عدد سكان يُقدّر بحوالي أربعة أضعاف عدد سكان الولايات المتحدة، وبحوالي عشرة أضعاف سكان اليابان؛ وهذه هي الميزة الديموغرافية التي استخدمتها الصين استخداماً أمثل. والهند لديها الميزة الديموغرافية نفسها، ولكنها لم تتمكّن من كسب المهارة الكافية للقوى العاملة لديها وتطويرها. وأخفقت الهند أيضاً في تطوير الصناعات المحلية. وهذا هو السبب وراء تخلّفها ووصولها إلى المرتبة العاشرة. وفي رأي العالِمين الهنديين المذكورين، أنه بدلاً من مجرد النظر إلى أرقام الناتج المحلي الإجمالي، ينبغي النظر إلى الناتج المحلي الإجمالي للفرد أيضاً. وهذا مؤشر على مدى قدرة بلد ما على تمكين شعبه من حيث قدرته على إنتاج سلع ذات قيمة عالية، وكمية الثروة التي يخلقها المواطن الفرد لبلد ما، والتي تعتمد بالطبع على بيئة العمل والتكنولوجيات التي يتلقاها الشخص. هكذا، فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، هو المؤشر الحقيقي على مدى قدرة الهند على تمكين مواطنيها.
كيف يمكن رفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي للبلد؟
الجواب بسيط، برأي عبد الكلام وياغناسوامي: نحن بحاجة إلى إنتاج أكثر، وتوظيف أكثر لسكاننا كجزء من القوى العاملة، وبالتالي توليد المزيد من الثروة لكل فرد من السكان. ومن المهم أن نتذكّر أن وارداتنا الكبيرة الحجم لا تعتبر جزءاً من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن صادراتنا تعتبر جزءاً منه؛ فيجب علينا أن نستورد أقل مما نصدّر. ومن أجل تحقيق ذلك، نحتاج إلى قيادة حاسمة تتمكّن من توحيد البلاد في مهمّة مشتركة لوضع الهند على طريق النمو السريع كي تصل إلى المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة والصين، من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وتكون في قائمة أعلى 50 دولة، من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي في غضون عقدين من الزمن. وبعد التقدم من ذلك الوضع، يمكننا أن نطمح إلى الوصول إلى تصنيف أعلى بحلول العام 2050. ولكن ذلك لن يحدث بسهولة، فمن الضروري علينا أن ننبذ خلافاتنا الداخلية ونعمل بجد من أجل هذه المهمة المشتركة تحت قيادة ملتزمة حقاً بتقدم الدولة.

ما ينبغي استهدافه
وثمة أهداف معينة على الهند أن تسعى إلى تحقيقها وهي تتطلع إلى العام 2020 وما بعده يوجزها العالمان الهنديان بالآتي:
- الهدف الأول: ينبغي أن يزداد معدل النمو الاقتصادي في الهند ليصل إلى أرقام مزدوجة بغية الوصول إلى المركز الثالث من حيث الناتج المحلي الإجمالي في العالم بعد الولايات المتحدة والصين بحلول العام 2022. وسوف يصادف العام 2022 مناسبة مرور 75 عاماً على استقلال الهند. وينبغي على رئيس الوزراء أن يعلن باعتزاز وفخر عن هذا الإنجاز من «القلعة الحمراء». هذا الهدف ليس صعب المنال. وإذا ما حققناه، فسوف نرى هنداً متحوّلة نحو التقدم، وسيزداد عدد الهنود الأكثر نهوضاً من الناحية الاقتصادية، وستكون نسبة كبيرة منهم من الشباب المهرة، ممن سيشكلون جزءاً من القوى العالمية العظمى مع حوالي 20 مليون شخص في كل فئة عمرية. وسيكون هناك عدد من المؤسسات التجارية على مستوى العالم في الهند. وستبرز عشر شركات جديدة كبرى على الأقل في البلاد، جنباً إلى جنب مع حوالي 1000 شركة ناشئة جديدة. وستصبح الاختراعات العلمية والتكنولوجية الهندية متوافقة مع الاحتياجات المحلية والعالمية؛ وسيتأهل بعض العلماء العاملين في الهند للحصول على جوائز قيمة مثل جائزة نوبل.  
- الهدف الثاني: بحلول العام 2030، أو قبل ذلك إذا كان ممكناً، يجب أن تصل الهند لتكون في قائمة أعلى خمسين دولة في العالم، من حيث الناتج المحلي الإجمالي للفرد، هادفة لبلوغ المرتبة الخامسة والعشرين. وللوصول إلى تلك المستويات، لا يكفي التركيز على النمو الاقتصادي فحسب، بل يجب التركيز على خطوات أخرى متنوعة في القطاعات الاجتماعية، وخلق منتجات مبتكرة في الهند تكون بمنزلة خطوات حيوية للوصول الى تلك المستويات.
ويرتبط الهدف الأول مع الهدف الثاني ارتباطاً معقداً، فلا نستطيع التركيز على أغراض الهدف الأول، وعلى أن نستكملها أولاً، ثم البدء بالعمل على أغراض الهدف الثاني، بل يجب العمل على تحقيق الهدفين معاً. وفي الواقع يؤدي الهدف الأول منطقياً إلى الهدف الثاني. على سبيل المثال بالنسبة إلى الهدف الأول، يجب أن تكون الأغراض في قطاع التعليم للشباب:
- حصول 40 % منهم على مؤهلات تعليمية أعلى.
- أن يكون 20 % منهم من ذوي المهارات العالية جداً بعد مستويات التعليم 10 زائد 2.
- أن يكون 40 % منهم من ذوي المهارات الملائمة والمتعلمين.
ستنخفض النسب المئوية في الشريحة الثالثة، كما أنها سترتفع في الشريحتين الأوليين. ومن الواضح أن هذه الأهداف تحتاج إلى التخطيط لها بعناية، وليس الى مطاردة المعدل الإجمالي فقط، إذ ليس المطلوب هو النوعية فحسب، ولكن التنوع في التعليم والمهارات التي من شأنها تحويل الهند نحو التقدم. وفضلاً عن التعليم، فإن القطاع الصناعي ومعايير الاستهلاك والخدمات الصحية والاجتماعية والثقافية وما إلى ذلك، هي بحاجة إلى إعادة التنظيم المتواصل مع وضع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الاعتبار. ولا يرتفع هذا الناتج في التصنيف العالمي من دون ارتفاع وضع كل هندي اقتصادياً.  
- الهدف الثالث: وهو الآخر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالهدفين الأول والثاني، وذلك لجعل الهند خالية من الإرهاب بحلول العام 2020. هناك شعور عام بأن الهند هدف ناعم في مواجهة تحديات الإرهاب، سواء أكان خارجياً أم داخلياً. وهذا ما يجب أن يتغيّر. إن عدم التسامح مع الإرهاب سيؤدي إلى انعدام الحوادث الإرهابية، وهو السبيل الوحيد للمضي قدماً إذا كان المطلوب للهند أن تحقق نمواً اقتصادياً واجتماعياً. ففي الحقيقة يقسمّ الإرهاب المجتمع، ويضرّ بالثقة الوطنية، ويفرض عقبة يجب أن تزال من الطريق. والواقع أن الهند إذا ما نمت اقتصادياً، فستصبح هدفاً لمزيد من الأعمال الإرهابية، كما هو الحال في الدول المزدهرة. وهكذا يجب أن يكون البلد آمناً، ثابتاً وموحداً في وجه هذه التهديدات، وأن تتخذ إجراءات حاسمة للقضاء على الإرهاب. وهذا أمر حاسم بالنسبة إلى الهند للمضيّ قدماً.
وإلى جانب الإرهاب، يتعين معالجة أمر آخر في الهند يهدد نصف السكان، ويتمثل في الجرائم المرتكبة ضد النساء، إذ إن الحاجة ماسة للقضاء على هذا التهديد، إذا أريد للهند أن تصبح أمة آمنة وعادلة، تحقق تقدماً اقتصادياً واجتماعياً سريعاً.
 - الهدف الرابع:
إن الأهداف الثلاثة المذكورة أعلاه تؤدي إلى الهدف الرابع، وهو الأهم بالنسبة إلى الكل، ويتجسد في الوصول إلى الهند المتألقة المتناسقة.
وليس جمال الهند في التنوع الحيوي فحسب، فلديها مجموعة من التنوعات الأخرى من الأديان واللغات والتقاليد والأشكال الموسيقية والفولكلور وحتى الأنتروبولوجيا؛ تضاف إلى تنوعها المذكور.  
وكل واحد منّا -والكلام لمؤلفيْ الكتاب- يحتاج إلى العمل مع الالتزام الكامل بالهند المتألقة، وتثبيت تقاليدنا التاريخية والحضارية والثقافية الطويلة، فالوئام التام ممكن داخل التنوع لدينا. وهذا هو السبيل الوحيد للتقدم إلى الأمام لبناء أمة عظيمة للمستقبل.

مداومة اليقظة
يركز العالمان الهنديان أبوبكر زين العابدين عبد الكلام وياغناسوامي راجان، على أدوار المثقفين والمؤسسات الأكاديمية ومؤسسات العلوم والتكنولوجيا ووسائل الإعلام بجميع أدواتها ووسائطها؛ لأنها تساعد على الحفاظ على الهند الديمقراطية بشكل حيوي، وتقع على عاتقها مسؤولية مداومة اليقظة تجاه الأفعال غير المشروعة، ولكن يجب عليها أيضاً نشر رسالة إيجابية عندما يكون هناك أخبار جيدة من خلال تقديم تقارير شارحة ومفصلة حولها.
والواقع أن الهند ستتخلف عن البلدان الأخرى المتقدمة في مجال الاقتصاد لبضع سنوات فقط، لأنها، ولأجل تحقيق المرتبة الثالثة في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2022، سوف تحتاج إلى الفكر الإبداعي والأفكار المبتكرة. وينبغي أن يتأتى ذلك من خلال المؤسسات الأكاديمية والعلمية. ويتعين عليها أن تتغيّر وتتكيّف بسرعة مع المهمة الراهنة، وأن تتوافق مع الهدفين الأول والثاني.
أما بالنسبة إلى المثقفين، فغالباً ما يشعر هؤلاء المؤثرون الرئيسيّون بأن أصواتهم لا تُسمع. ولكن يجب عليهم، مهما بلغت شكاواهم الذاتية والموضوعية مبلغها، ضمان أن تركّز الهند على الأهداف الأربعة التي تناولها موضوع هذا البحث، وأن تتخذ البلاد الخطوات الصحيحة إلى الأمام لتحويل نفسها إلى مسار التقدم المؤكد عبر العقدين المقبلين.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©