الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تعايش المنع والإباحة

تعايش المنع والإباحة
23 مارس 2011 19:47
“المسرح لا يقوم إلا على الحرية المطلقة التي يمارسها المبدع، وهي شرط الإبداع، ويمارسها البطل في مواجهة الطرف الآخر من الصراع، الذي هو شرط الفعل الدرامي ويمارسها الجمهور في حرية التلقي، الذي لا تكتمل العملية المسرحية بغيره، فمن دون ديمقراطية تفقد خشبة المسرح الحرية”. بهذا الكلام الواضح والقاطع يبدأ د. أحمد سخسوخ العميد السابق للمعهد العالي المصري للفنون المسرحية كتابه “المسرح والديمقراطية في مصر والبلاد العربية”. والواقع أن المسرح في العالم العربي عانى اضطهادا سياسيا مبكرا، ربما منذ عروض خيال الظل والأراجوز، وهي ليست عروضا مسرحية بالمعنى العلمي للمصطلح، لكنها تحمل بعض الأشكال الدرامية البدائية وقد منعت عروض خيال الظل بسبب النقد السياسي الحاد لسلاطين المماليك وهجاء بعض المظاهر الاجتماعية، وتكرر المنع اثناء حملة بونابرت على مصر حيث رأى قادة الحملة في هذه العروض تنديدا بهم وتحريضا عليهم، ونعرف أن عددا من رواد المسرح العربي مثل سليم نقاش ويوسف خياط وسليمان قرداحي هاجروا من بيروت إلى مصر وجاءها من دمشق أبوخليل القباني بعد مضايقات تعرضوا لها، حيث أصدر الخليفة العثماني قرارا بمنع القباني من التمثيل وإغلاق مسرحه، وكانت مصر زمن الخديو إسماعيل تشهد انفتاحا كبيرا، لكن وجدنا الخديو إسماعيل، بعد ذلك، يغلق مسرح يعقوب صنوع بعد أن هاجمه صنوع على المسرح وانتقد إسرافه وبذخه المالي الذي أوقع البلاد في حبائل التدخل الأوروبي، ولم يتوقف الخديو عند هذا الحد، بل نفى يعقوب إلى باريس، ونفى كذلك يوسف الخياط بعد عرض مسرحيته “الظلوم” عام 1879 وكانت المسرحية ممتلئة بالإسقاط على إسماعيل نفسه، أما في عهد نجله الخديو توفيق فقد صدر قرار وزاري عام 1888 بمنع تلاميذ المدارس من القيام بالتمثيل أو ممارسة هذه المهنة بدعوى أنها مهنة لا تليق بالاحترام، لكن السبب الخفي أن التمثيل فن يتيح لمن يمارسه وكذلك كتابه أن ينتقدوا السياسة العامة والسياسيين وكان الخديو توفيق في موقف حرج للغاية بسبب رفض القوات البريطانية الخروج من مصر، وكان هو الذي استدعاها لمساندته ضد عرابي ورجاله، وكان مقررا أن تغادر هذه القوات مصر بعد عامين من قدومها على الأكثر. الخديو عباس حلمي وقف هو الآخر معاديا للمسرح، فقد طرد من مصر سليمان قرداحي عام 1908 هو وأعضاء فرقته بسبب عمل مليء بالانتقادات فهاجروا إلى بلاد المغرب وقدموا أعمالهم هناك. ويرى بعض المؤرخين أن أول عمل مسرحي يقدم باللغة العربية في الجزائر قدمته فرقة القرداحي، وهذا لا ينفي أن هناك عروضا فرنسية قدمت في الجزائر منذ منتصف القرن التاسع عشر. ولا يوجد بلد عربي تقريبا لم يشهد منعا لعرض مسرحي بسبب الميول السياسية لكاتبه وما يثيره د. سخسوخ هو إن العامل السياسي لم يكن وحده عنصر الضغط والمنع فهناك عوامل أخرى تتمثل في طبيعية العادات والتقاليد التي تنظر إلى فن التمثيل، على أنه مهنة متدنية، ويطلقون على الممثل لقب “مشخصاتي” بهدف التحقير والازدراء، ونعرف ما رواه في مذكراته يوسف وهبي عن المشاكل والأزمات التي تعرض لها مع أسرته وهو شاب، شيء من هذا حدث بالنسبة لتوفيق الحكيم وكيل النائب العام عندما وضح اهتمامه بالكتابة للمسرح وتعامله مع الفرق المسرحية السائدة في مصر مطلع شبابه، لكن يجب القول إن ذلك بات في ذمة التاريخ ولم نعد نجد له ظلا في الواقع، بل إن ممثل المسرح بات يتمتع بنظرة تقدير، وصار أحد نجوم المجتمع وأمامنا نموذج عادل أمام الذي صاهر أحد رموز جماعة الإخوان المسلمين. هناك كذلك مواقف بعض المتشددين والسلفيين دينيا في تعاملهم مع الدراما التي حدت من قدرة المسرحيين العرب على تناول الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية في أعمالهم. ووصل الأمر إلى حدود المأساة حين تعرض عدد من المسرحيين العرب للتهديد في التسعينيات من القرن الماضي وظهرت فتاوى بإهدار دمائهم من بعض جماعات التشدد، وتم تنفيذ التهديد بالقتل - فعلا - في أحد الفنانين الجزائريين. وقد أثار موقف بعض المتشددين دينيا تساؤلا حول موقف الإسلام ذاته من المسرح وذهب البعض إلى أن الإسلام يحرم المسرح، ويستند هؤلاء على أن الأزهر في مصر منع مسرحية عبدالرحمن الشرقاوي “ثأر الله” التي تتناول مقتل سيد الشهداء الحسين بن علي في كربلاء، فضلا عن عروض مسرحية أخرى، غير أن المؤلف يرفض ذلك الموقف تماما وفي رأيه أن المسرح لم يكن معروفا لدى العرب لحظة ظهور الإسلام، لذا لم نجد آية قرآنية واحدة تتناول هذا الأمر أو تحرم المسرح كما لم نجد حديثا نبويا في ذلك، وسبق أن تناول الباحث المغربي محمد عزيزة هذا الأمر في كتابه “الإسلام والمسرح”، والذي انتهى فيه إلى أن طبيعة الدراما في المسرح تقوم على الصراع بين رغبات الآلهة وإرادة الإنسان، حيث يناقض كل منهما الآخر، وهذا غير جائز في الإسلام، لكن ذلك التصور ينطبق على المسرح اليوناني القديم من حيث تناول الموضوع والفكرة فقط، أما فكرة المسرح ذاتها أي خشبة مسرح والصراع بين الأبطال، فلا يمكن أن يحرمه الإسلام، خاصة إذا تعلق الأمر بقضية اجتماعية أو وطنية، يذكرنا ذلك بالمسرحيات التي كانت تعرض زمن الثورة العرابية والتف حولها الجمهور المحافظ، ولا ننسى كذلك أن هناك المسرح الديني في الديانات القديمة زمن الفراعنة. لكن لا ينكر أحد أن توفر الحرية والديمقراطية شرطا لازدهار المسرح، بل وكل الفنون والآداب ولا نتجاوز إذا قلنا إن الحرية شرط ضروري للإبداع عموما وللإنسان في أي مكان وزمان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©