الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إلى أمي

21 مارس 2011 19:15
أخبرها الأطباء أن قلبها يسير نحو الهلاك، شاخت عروقه، ويكاد يعلن الصمت، سكنت لنفسها، وأجابت: من فرط حبي، و كثرة حزني ولوعتي، وخوفي المجنون على فقدان من هم جزء مني، زرعت بذوري في كل بلدان الدنيا، فانشطر قلبي أشلاء يستحيل جمعها، فكيف لقلب أنهكه الشوق والحنين أن لا يخفق بصوت مبحوح. وهي من استحملت حماقاتنا وجنونا في صمت، عاتبت بود طيشنا الطفولي، وعناد بعضنا خلال بحثه عن كنه الحياة، وعالجت آلامنا وجروح عواطفنا بعطفها وحنوها، سهرت الليالي، واعتركت صباحات كل الأيام لتظللنا من شموس الحياة، لم تظهر ضجرها ولا قلقها، ورسمت ابتساماتها خلف دموعها، أبعدت كل ما استطاعت من الشرور عن عيون صغارها، بكت لنجاحنا كما بكت لحزننا. لم أدرك شغفها وحبها وخوفها حين كنت أرقبها تلزم نفس المكان، تتوشح البياض، تبتهل وترفع يديها متوسلة لله خشية وطمعا، كنت أرقب انسياب دمعها على خدها ونظراتها الحزينة تلوح من خلف جفونها المتعبة، لم أكن أدرك سر عذاباتها، لم أُقدر خوفها الدفين المزمن، قسمات وجهها تعتريها مسحة حزن عميق، كنت أسمع خفقان قلبها في صدرها من بعيد، خوفها دائم وممتد في الزمان، احترقتْ حبا وقلقا، بدموع العين رعت الجميع، استحملت تلاوين الحماقات والتعقل، في كل يوم لها حكاية، نسجت خطوطها بكلمات الحب والعطف واللهفة، انشطرت أنصافا، لم أدرك أنها تحبنا بكل جنون، لم أفطن لذلك إلا حين خفق قلبي بحب فلذات كبدي، ولفني خوف دائم ومستمر. كنا نعاتبها على عدم مساواتها لنا الحب، ونتهمها باندفاعها نحو بعضنا، وإغفالها لآخر، واليوم أجد الجواب مبسوطا أمامي، لا تفاضل بين الأبناء ويستحيل إقصاء أي منهم. فكل أم تنشطر جزئيات تحاول إرضاء الكل، وكل أم تسهر الليالي تنير ظلماته الحالكة، تسير على أشواك الحياة تدمي أقدامها، ولكنها لا تتراجع، كل الأمهات يحترقن فرحا، ألما، سعادة وحزنا ويعشن كل المشاعر المختلطة في حياتهن، وكلهن شموع تحترق من أجل أبنائهن، تتساوى كل الأمهات في العطف والحنان والحب والمشاعر الدافقة، ولكن تختلف بعض الأمهات عن الأخريات في مسيرة الحياة، كلهن يستحققن لقب العظيمات والرائعات، لكن هناك أمهات فوق العادة، أمهات تستمر أمومتهن في الحياة وتمتد عبر الزمان، يسكن الخوف والوحشة مهجتهن، ولا يستطعن نسيان أنهن أمهات. وأنا اليوم أم تغيرت نظرتي لأمي التي بح صوت قلبها، فانشطرت نصفين لإصلاح قلبها وترميم ما تبقى منه ناطقا، أجرت عملية قلب مفتوح، تم ترميمه وعلاجه وترقيعه ومع ذلك لازال ناطقا باسم كل واحد فينا، لا زال يتذكر مشاعرها وأحاسيسها ويحدثنا بحديثها. وأنا اليوم أم أقدر الأمهات اللواتي غيبتهن المنايا، اللواتي كنا معنا بالأمس، واليوم يحتفل أبناؤهن بآبائهم يوم عيدهن، تعويضا عن غيابهن الأبدي. lakbira.tounsi@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©