السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

جوديت دوبريه: ازدهار الوعي المعماري يساهم في بناء مدن أفضل

جوديت دوبريه: ازدهار الوعي المعماري يساهم في بناء مدن أفضل
30 ابريل 2019 01:49

نوف الموسى (دبي)

كان من المهم جداً، أن يَعبر جمهور مناقشة كتاب «ناطحات السحاب تاريخ أروع مباني العالم»، للكاتبة والمؤرخة لفن العمارة جوديت دوبريه، نحو التفاصيل المعمارية التباينية لـ«برج خليفة» (موقع الحدث)، وبالأخص «المصاعد»، ليدرك أبعاد ما طرحه المعماري الإماراتي أحمد بن شبيب، أثناء إدارته للجلسة، مساء أول من أمس، حول سؤال الهوية وكيفية التعبير عن قيم المجتمع ومعتقداته عبر الأبنية، وصولاً إلى أبعاد الطاقة الداخلية لما يعنيه التجسيد البصري.
فالوقوف والسير بين فضاءات صنفت أنها الأعلى في العالم، والتي شرح آلية تكوينها كبير المهندسين في شركة (SOM) ديمتري جاجتش، المشارك في الجلسة، يهديان المتلقي الباحث في مضامين الكتاب إدراكاً أكثر لما قصدته جوديت دوبريه، بقولها: «انظروا إننا نجتمع اليوم في مساحة لقاء، تؤصل مشهداً هارمونياً للتواصل، أليست هذه القيمة الأبرز التي تقدمها ناطحات السحاب؟»، ما يعكس الأثر المعرفي، القائم على التجريب الحيّ، الذي اعتمدته دائرة الثقافة والسياحة أبوظبي، بتنظيمها للحدث، بالتعاون مع «إعمار العقارية»، ضمن مبادرة «ندعم الثقافة»، الهادفة نحو إشراك المؤسسات الحكومية والخاصة، في دعم ونشر المعرفة في مجتمع دولة الإمارات.
محور تحديات «المتغيرات المناخية»، والبحث في مسألة إحداث عملية «التكيف» للأبنية، من خلال الاجتماع النوعي للمعماريين والمهندسين للعمل معاً، لإبراز النواحي الإبداعية للعمارة، شكل الموضوع الملح في الجلسة النقاشية، التي لمس خلالها الحضور العمق النوعي للمعماري أدريان سميث، مصمم «برج خليفة»، عبر حوار أجرته جوديت دوبريه في الكتاب، يقول فيه: «العمارة مولِّد اقتصادي إذا أُحسِن صنعها»، معتبراً أن مقياس التخطيط العمراني يعتبر إحدى وسائل المقارنة الأساسية في المجال. ويرجح فكرة توجه الحكومة الصينية إلى العمل على مفهوم بناء مدن عدة تابعة مرتبطة معاً حول مركز عمراني، لا يستهلك طاقة، ومكتف ذاتياً، وهو ما أطلقت عليه جوديت دوبريه «مدن داخل مدن»، خلال استعراضها منهج الكتاب الذي اعتمدت فيه عرضاً لناطحات سحاب، قامت بانتقائها ضمن ترتيب زمني، يوضح التطور الأسلوبي لها، وتذكر فيه أن المعماري أدريان سميث، صمم أول ناطحة سحاب في العالم، بلغ صافي استهلاكها للطاقة صفراً، وهي برج بيرل ريفر في جوانج جو بالصين.
وفي الصدد نفسه، طرح المعماري أحمد بن شبيب، ما سيقدمه معرض إكسبو الدولي 2020، للمعماريين والمهندسين، في مسألة خلق حركة تؤثر على المجتمع المحلي، وتنتج «فلسفة» مغايرة لتصميم الأبنية، مبيناً الأثر المعماري الذي صنعه المهندسون اليابانيون، ممن عملوا في سبعينيات القرن الماضي، وتأثيرهم على العمارة في الإمارات، لكونها تمتد لثقافة شرقية، الأمر الذي من شأنه أن يفتح أفقاً مغايراً لتاريخ الحراك المعماري، عما هو متعارف عليه من أن كثيراً من الأبنية في مجتمعنا المحلي ذات نسق غربي فقط. من جهتها، اعتبرت جوديت دوبريه أن تحدي المتغير المناخي ساهم في الطعن بصحة الفكرة التي لا يجوز المساس بها، والتي تدعو إلى ضرورة أن يتكامل المبنى مع السياق الثقافي والتاريخي المحيط به، ما يفسح الطريق، بحسب تعبيرها، لـ«المفهوم العالمي» الذي يستجيب فيه التصميم لظروف المنطقة «المناخية والجغرافية».
وتساءلت المؤرخة دوبريه، في الجلسة: «كيف يكون شكل العالم، إذا بدا له البناء مريحاً ورصيناً وجديراً بالثقة؟»، مؤكدة أن فتح الحوارات باستمرار حول الموضوع، يهدي الأشخاص وعياً، سينعكس نحو بناء مدن أفضل، مختزلة أهم مضامين الكتاب، من خلال تطواف مختصر بدأته بجمالية الأهرامات الفرعونية باعتبارها تجسيداً للحظة التي كان فيها الحجم الضخم يستخدم لأول مرة كقوة تعبيرية، وانتقلت بعدها إلى «مبنى وولورث»، في مدينة نيويورك، وهو الصرح المزخرف للمصمم كاس جلبرت، المكون من كتلة عملية على شكل حرف U، تصفها دوبريه بأنها تعظم ضوء الشمس الطبيعي، مروراً بـ«برج تريبيون» في شيكاغو، للمصممين جون إم هاولز وريموند هوود، الذي قال بأن المبنى أقيم «عندما كان التطريز رائجاً»، متخذاً من التصميم القوطي المألوف، شكلاً للمعالجة.
ومن بين أبرز أطروحات دوبريه مسألة التكوين الإجمالي في الفراغ بين «برجي بتروناس»، في ماليزيا، والجسر الذي يربط بينهما، واللذين قال حولهما مصممهما المعماري سيزار بيلّي كما جاء في الكتاب: «حاولت الاستجابة للمناخ، والثقافة الإسلامية السائدة، ومعنى الشكل والزخرفة الذي أدركته في البناء الماليزي التقليدي». وأخيراً عرجت دوبريه باتجاه مناقشة نمط ناطحة السحاب «تايبيه 101»، للمعماري (سي واي لي وشركاؤه)، في تايوان، والذي يمثل، كما أوضحت، شكلاً آسيوياً تقليدياً يرمز للحماية والإنجاز، مضيفةً أنه يقودنا ذهنياً إلى نبات البامبو، الذي يعتبره الصينيون جالباً للحظ، مع إعجابهم بمدى قوته ومرونته.
أخيراً، طرح كبير المهندسين ديمتري جاجتش سؤالاً موضوعياً وجوهرياً في الجلسة، وهو كيفية تصور الارتفاع المناسب للأبنية؟. وتضمن حديثه طبيعة المواد المستخدمة في «بناء المدن»، وأبرزها الصلب والإسمنت، وبرغم جماليتهما، إلا أنهما ذوا طاقة عالية، تنتج نسبة كبيرة من الانبعاثات الغازية، ما يطرح أسئلة حول مسألة تغير المناخ، وفن العمارة والتصميم بوصفهما منتجاً إبداعياً للحلول البيئية والمناخية مع التزايد المهول لتشكلات المدن، من حول العالم.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©