الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

ماراثون زايد يعكس فضيلتَي التسامح والاحترام

ماراثون زايد يعكس فضيلتَي التسامح والاحترام
30 ابريل 2019 00:00

أقع من حينٍ لآخر على أشخاص يقولون إنهم لا يحبّون أميركا. في نظري، مَن يطلق مثل هذا التصريح أشبه بمن يقول إنه يكره العالم. فالولايات المتحدة هي من الدول الأكثر تنوعاً على وجه الأرض، إنها بوتقة انصهار للأعراق والأديان والثقافات التي تجتمع معاً في ظل علمٍ واحد. أميركا هي أكثر بكثير من حكومتها أو سياساتها الخارجية المثيرة للجدل أحياناً.
لكل مدينة نكهتها وأجواؤها الخاصة، لكنها تتشارك كلها دفء الترحاب الذي يخصّ به الأميركيون الزوّار. إنهم شعبٌ ودود ولطيف، ومن خلال تجربتي معهم، لا يألون جهداً لجعلي أشعر بالارتياح. ويبذلون كل ما بوسعهم لإرضاء السياح على اختلاف جنسياتهم، إدراكاً منهم لدور السياحة في استحداث الوظائف وتحقيق الفوائد الاقتصادية. وبغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، إنهم وطنيون ويفتخرون بأنهم مواطنون في الدولة الأغنى والأكثر نفوذاً في العالم.
لقد عبرتُ الولايات المتحدة من شرقها إلى غربها مرات لا تُحصى، وما زلت أشعر دائماً بالدهشة أمام تنوّع المناظر الطبيعية والمأكولات واللهجات والمناخات، ناهيك عن أنها تحتضن بعضاً من أجمل الروائع الطبيعية على وجه الأرض.
لا شك في أن كل من تنقّل مرات عدة في أرجاء الولايات المتحدة لديه أماكن مفضّلة يتردد إليها باستمرار، في ما يتعلق بي، مكاني المفضل هو مدينة نيويورك. ما إن تذوّقت طعم «التفاحة الكبرى»، كما تُسمّى مدينة نيويورك، قبل سنوات طويلة حتى أصبحت مدمناً عليها. إنها نابضة بالحياة والطاقة ليلاً نهاراً. إذا استيقظت عند الساعة الثالثة فجراً، ترى أشخاصاً يمارسون رياضة الركض أو يُسرعون للوصول إلى عملهم.
منذ بضعة أيام، كنت أتناول وجبة الغداء في أحد المطاعم في نيويورك، وقد أدهشني ما رأيته من تنوّع شديد لدى أرباب العمل الذين يمثّلون عدداً كبيراً من الأعراق والألوان والأديان. على الرغم من هذه التباينات، لم يبدُ أي منهم نافراً وفي غير مكانه المناسب، بل على العكس تماماً كانوا يشكّلون معاً مزيجاً متناسقاً. قبول الآخر، والتسامح، والحرية التي يتمتع بها المرء ليعيش كما يحلو له، هذه هي المزايا التي تجعل من نيويورك رمزاً لأفضل الصفات التي تتحلّى بها أميركا.
نيويورك مركز قوة يستقطب فاحشي الثراء والعاملين في القطاع المالي والدبلوماسيين والنجوم السينمائيين والاختصاصيين في القطاع التكنولوجي، والأشخاص اللامعين والمتألقين في مجالاتهم، فضلاً عن كوكبة كبيرة من المحامين البارزين. وفي الوقت نفسه، تعد نيويورك المدينة ذات التكلفة المعيشية الأغلى في البلاد. فتكلفة المعيشة للأشخاص الذين يقطنون في منهاتن أعلى بنحو 137 في المئة بالمقارنة مع الأماكن الأخرى في الولايات المتحدة. للأسف، يعيش أكثر من 630000 من سكان نيويورك بلا مأوى، وبعض المناطق في المدينة تحتاج إلى ترميم كامل.
ومع ذلك، توفر المدينة فرصاً لا نظير لها لأولئك المتعطشين إلى عيش الحلم الأميركي الشهير. وأنا من أشدّ المعجبين بأخلاقيات العمل التي يلتزم بها أبناء نيويورك.
توجّهت هذا الشهر كما في الأعوام السابقة إلى نيويورك للانضمام إلى وفد إماراتي رفيع المستوى دعماً لماراثون زايد السنوي الخيري الذي يساهم في التوعية بأمراض الكلى، ويعود ريعه لمؤسسة الكلى الوطنية الأميركية.
ماراثون زايد من المحطات الأساسية على روزنامتي لأنه يعكس فضيلتَي التسامح والاحترام الساميتَين اللتين تميّزَ بهما هذا الرجل العظيم، كما أنه خير تجسيد لإنجازاته المشرِّفة لاسيما أعماله الخيرية داخل الإمارات وخارجها. أقدّر جداً الحب الكبير الذي أغدقه على شعبه والعالم، وأحرص دائماً على حضور الماراثون إلا إذا استجدّت ظروفٌ طارئة، وإصراري على المشاركة نابعٌ من دوافع عدة.
الدافع الأول هو الرغبة في توعية الأميركيين حول أمراض الكلى التي هي في معظم الأحيان من مضاعفات الإصابة بداء السكّري الذي ينتشر في دول الخليج والولايات المتحدة.
ثانياً، آمل بأن أُلهِم الشباب الإماراتيين الذين يتابعون تحصيلهم العلمي أو يعملون في الولايات المتحدة كي يدركوا أهمية دورهم الذي يجعل منهم سفراء غير رسميين لبلادهم، ولا يغفلوا أبداً عن المبادئ التي تقوم عليها الإمارات، وتتمثّل في السخاء والأخلاق الحميدة وحسن الوفادة.
والدافع الأخير هو الاحتفاء بحياة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، هذه الشخصية الرؤيوية التي يعود إليها الفضل في تأسيس الإمارات وتحوُّلها منارةً مشرقة للتقدّم في هذه المنطقة المضطربة.
أمضي وقتاً ممتعاً في الماراثون، شأني شأن جميع المشاركين. إنه يوم رائع في الهواء الطلق. وتتسنّى لي فرصة لقاء بعض الأصدقاء القدامى، كما أنني أضحك لرؤية بعض أعضاء فريقي الذين تنقصهم اللياقة البدنية يلهثون من شدة الإنهاك أثناء العدو في المضمار، ويمتلئ قلبي فخراً واعتزازاً لرؤية عدد كبير من العدّائين يرتدون قمصاناً تحمل صورة العلم الإماراتي. هل شاركتُ في العدو في الماراثون؟ عذراً، لن أفصح عن الأمر.
تجمع نيويورك بين الرائع والجيد والقبيح، هذا هو السر الذي يجعل من هذه المدينة المذهلة التي هي أشبه بصورة مصغَّرة عن عالمنا، مكاناً آسراً للغاية. وأنا سعيدٌ بأن أكون أسيرها. سوف أعود إليها بإذن الله!

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©