محمد نجيم (الرباط)
أصدر بيت الشعر في المغرب، الترجمة العربية لمنتخبات شذريّة للشاعر الأرجنتيني الإيطالي الكبير أنطونيو بورتشيا (1886-1968) أحد كبار المُشذّرين في العالم وهو تحت عنوان «لا تملك شيئاً وتهديني عالماً! أنا مدين لك بِعَالم». ولد بورتشيا في قرية كُونْفْلِينْتِي الإيطَالِيّة. ويموت والِدَهُ وهو فِي سنّ الرَّابعة عشرة، فتقَرِّرُ أمّه الهِجرةَ إلَى الأرجنتين، وهناك ستُلَقِّنُهُ فداحة الحياة والعِنَايَة بِإِخْوَتِهِ السِّتة، مُتنقِّلاً بين أعمال مُنْهِكَة كثيرة؛ كالعمل في المينَاء، وحِيَاكَةُ السِّلَال... وبَعْدَ أشْواطٍ خاضَها في أحراش الحياة المدجَّجة بالكَمَائِنِ والشِّراك ، وبعدَ مُجَابَهَاتٍ مع كَتَائِبِ الأَلَم التِي تُجَيِّشُهَا الصدف لِلمُبْدِعين الأَشَدّ رَهَافَة وَحَسَاسِيَّة، سَيَتَمَكَّنُ بِمعيّة أَخِيه نيكولاس من امتلاك مَطبعة صغيرة بشارع سَانْ طِلْمُو، حيث سيعمل على طِبَاعَةِ كُلِّ شيء حَتَّى العام 1935.
في العام 1936 سيَختارُ العَيْشَ في بَيْتٍ مُنْعَزِلٍ بَسِيط، مَلَاذه الهَادِئ مِنْ صَخَبِ الحَيَاةِ. كان بُورتشيَا يَمْتَازُ بِطِيبَة لا حُدُودَ لَها. عَاشِقاً نَهِماً لِلْأدبِ، وللطبِيعة، يُحِبّ الحِفَاظَ عَلَى رَوْنَقِ حَدِيقَتِهِ وَيَشْعُرُ بِضَعْفٍ خَاصٍّ أَمَام الأَزْهَارِ. حَمِيمِيّاً، خَجُولاً... بَيتُه المتواضع، كان مَحَجاً للّذين يَتُوقُونَ لِلِقَاءِ مُعَلِّمٍ حَقِيقِيٍّ فِي التَّعْبِيرِ الجَمَالِيِّ اللَّدِنِ وَالمُرْهَفِ... عَمَلُهُ الشَّذَرِيُّ «أصوات VOCES» حَقَّق مبيعات مَهُولة، وكان يُطبع المَرة تِلْوَ الأُخْرَى، مِنْ كِتَابَاتِهِ الشّذَرِيَّةِ يَرْشَحُ نُورُ الاِسْتِنَارَاتِ البُوذِيَّة، التاوِيَة، وفَلْسَفَات الشَّرْقِ الحَكِيمَة.