الجمعة 17 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أعيدوا البشر إلى الصمت

أعيدوا البشر إلى الصمت
18 ابريل 2019 02:50

الفيلسوف السويسري الألماني ماكس بيكارد
إعداد وتقديم: عبير زيتون
رغم ترجمة أعماله إلى معظم لغات العالم، بما فيها الهنديّة، واليابانيّة، إلا أن القارئ العربي، لم
يحظ بمعرفة الفيلسوف، والكاتب السويسري/‏ الألماني ماكس بيكارد (1888 - 1965) المعروف بلقب (ضمير أوروبا)، وذلك بسبب غياب الترجمة، وقلة الدراسات الفكرية والفلسفية التي تناولت أعماله. وتشغل نصوصه الفكرية مكانة مهمة في اللاهوت المعاصر، وجعلت كلا من هرمان هيسه والشاعر ريلكه من أشد المتحمسين لكتاباته وأفكاره.
أنهى بيكارد الذي ولد في «شوبفهايم الألمانية» وتوفي في سورونجو-سويسرا» دراسة الطب، ونال الدكتوراه، قبل أن يترك الطب، ويتفرغ في أعماله لدراسة أسباب حروب الإنسان، وحالة التشرذم، والعطب التي تسم طبيعة حياة الإنسان المعاصر، مستخدماً معارفه الطبية والنفسية سبيلا للتعمق في الرؤى الميتافيزيقية والدينية في مسعى لفهم محنة، وحاجات الإنسان الواعية واللاوعية، خاصة وأنه عاصر أهوال الحرب العالمية الثانية التي عاشتها أوروبا، وما تلاها من مآس ومحن، شكلت منطلقا للعديد من كتبه، وأفكاره التي تدور حول قناعة أن «كل ما لحق بالبشرية من مآس، هي نتيجة منطقية، لانعدام التوازن بين طرفي معادلة العالم الخارجي المحيط بالإنسان، والعالم الداخلي الذي يعيش فيه الإنسان». في كتابه الوحيد المترجم للغة العربية «عالم الصّمت» (دار التنوير ترجمة قحطان جاسم)، يدعونا بيكارد كنوع من الخلاص الإنساني، إلى التخلص من ضجيج التقنية المعاصرة، التي لا تحترم الصمت، والتي أفرغت اللغة من طابعها القدسي، والروحي، تحت ضغط لغة السوق، عبر الكشف عن جمالية الصمت في تمثلاته المتعددة، والإنصات إليه، إنقاذاً للغة من الموت والعدوانية، كونَ «الصّمت» أصلياً وبديهياً مثل الظواهر الأساسية الأخرى، كالحب والولاء والموت والحياة ذاتها.. «لكنّه وُجد قبل كل هذه الأشياء، وهو موجود فيها كلّها».

* حالة العالم اليوم، وكل الحياة مصابة بمرض. لو كنت طبيبا وطلبتَ نصيحتي فإنني سأجيب: اخلقوا الصمت! أعيدوا البشر إلى الصمت.
* الصمت هو الظاهرة الأساسية. أي أن تقول هو الواقع الأولي الموضوعي الذي لا يمكن إرجاعه إلى أي شيء آخر. لا يمكن تعويضه بأي شيء آخر، لا يمكن تبادله مع أي شيء آخر، لاشيء خلفه يمكن الارتباط به باستثناء الخالق ذاته.
* الصمت ليس مجرد شيء سلبي، إنه ليس مجرد غياب للكلام، إنه إيجابي، عالم كامل بذاته.
* ليس هناك بداية للصمت ولا خاتمة: يبدو أنه يملك أصوله في الزمن حيث كل شيء لايزال وجودا خالصا. إنه يشبه وجودا أبديا غير مخلوق.
* الصمت هو الظاهرة الوحيدة اليوم التي تبدو بلا فائدة، ولا تتلاءم مع عالم الربح والمنفعة، لأنه يبدو لا يمكن استغلاله ماديا، رغم أنه يحمل عونا، وشفاء للإنسان المستهلك اليوم من الأشياء النافعة، فهو يعزز اللاملموس، ويجعل الأشياء كاملة ثانية عبر إعادتها من عالم الإسراف إلى عالم الكمال.
* لم يعد هناك أي بشر صامتين في العالم اليوم. بل لم يعد هناك حتى أي فرق بين الإنسان الصامت، والمتكلم (بل) فقط بين الإنسان المتكلم، وغير المتكلم. ولأنه لا يوجد هناك بشر صامتون فلم يعد هناك أي منصتين أيضا.
* إنسان اليوم غير قادر على الإنصات لأنه عاجز عن الإصغاء، فهو لم يعد قادرا على أن يقص قصة، لأن الإصغاء والقص الحقيقي ينتميان لبعضهما البعض إنهما متوحدان في الصمت.
* من دون الصمت الموجود في الزمن، فلن يكون هناك نسيان أو تسامح، مثلما ينضم الزمن ذاته إلى الصمت، فما يحدث في الزمن ينضم إلى الصمت أيضا. ولهذا يُقاد الإنسان من قبل الصمت، الذي يكون في الزمن إلى التسامح والنسيان.
* المدن المعاصرة الكبيرة اليوم، يبدو الصمت كما لو أن الصمت انفجر فجأة، ورمى كل شيء في فوضى، وإرباك، تشبه نفسية الإنسان المعاصر.
* المدن الكبيرة تشبه خزانات ضجيج عملاقة. صُنع الضجيج في المدينة، مثلما تُصنع البضائع… ضجيج يفرخ فوق المدينة، وينزل على الناس والأشياء.
* صمت الطبيعة صمت مبارك لأنه يمنح الإنسان شعورا فطريا بالصمت العظيم الذي كان قبل الكلمة، والذي انبعث منها كل شيء.
* هناك صمتٌ أكثر من اللغة... في الحب.. أفروديت، خرجت من البحر، من بحر الصمت، وقبضت على صمت الليل بشبكة خيوط ذهبية ألقتها إلى الأرض.
* لا شيء يوقف التدفق الطبيعي للحياة العادية بقدر ما يفعله الحب. لا شيء يعيد العالم إلى الصمت أكثر من الحب.
* خلال الصمت الموجود في الحب، يتم انتزاع اللغة من عالم الصخب والضجيج اللفظي، وتعاد الى أصلها في الصمت. العشاق هم أقرب إلى بداية كل الأشياء، وقت كانت اللغة غير مخلوقة بعدُ، وقت كان يمكن ظهور اللغة في أي لحظة من كمال الصمت الخلاق.
* الحقيقة في الصمت حيادية، وهاجعة، لكنها في اللغة يقظة جدا وفي اللغة اتخذت قرارات فعالة تتعلق بالحقيقة والزيف.
* في حكايات العصر الذهبي الخرافية قيل لنا: إن الناس فهموا لغة كل الحيوانات والأشجار والأزهار. تلك هي رسالة تذكير عن حقيقة أن أول لغة انبثقت للتو من كمال الصمت، كان لايزال هناك كمال كلي المحتوى.
* اللغة اليوم حادة وعدوانية، ويوجد فيها عدوانية في نفس شكل اللغة، أكثر من المعنى الذي تعبر عنه.
* الإنسان الذي لايزال يملك في نفسه جوهر الصمت لايحتاج مراقبة حركات وجوده الباطني دائما ولا يحتاج أن يرتب كل شيء بوعي طالما أن الكثير تم ترتيبه من دون معرفته الواعية، بواسطة قوة جوهر الصمت التي يمكنها تخفيف التناقضات المتحاربة في داخله.
* لم يعد المتأمل يستطيع قول مالا يراه، ليس لأن موضوعه يفتقر لكلامه، لكن لأن الكلام يفتقر لموضوعه، وصمت المتأمل يصير ظلا جوهريا للأشياء التي لا يقول.. كلامه.
* مهمتنا اليوم مع عالم الضجيج أن نكشف عن عالم الصمت المستتر جدا ليس من أجل الصمت بل من أجل اللغة ذاتها.
* العشاق هم متآمرو الصمت. حين يتحدث الرجل إلى حبيبته، فإنها تنصت إلى الصمت أكثر، مما تنصت إلى الكلمات المنطوقة لحبيبها.
* التكتم الموجود في الحب، هو التكتم الذي في كل البدايات. العشاق يترددون في النزوح من عالم البدايات الذي يسكنونه في الحب، إلى عالم الضجيج الصاخب.
*كلّ التحولات التي يمكن أن يمر بها الرجل، أو المرأة خلال تجربة الحب تأتي من تلك البداية الجديدة، التي هي هبة كل الظواهر الأولية اللاأصلية. والقدرة التي يستمدونها من الحب، تأتي من القوة التي يتمتع بها الحب باعتباره أحد الظواهر الأولية.
* إنها اللغة التي تجعل في البداية الحب واضحا ومحدد المعالم، التي تمنحه ما يعود إليه فقط. إنها اللغة التي تجعل الحب أولا ملموسا، وتضعه بثبات على أرض الحقيقة الصَلد. خلال اللغة وحدها، يمكن للحب أن يصبح حب الرجل والمرأة الحقيقي.
.........................................
* هذه الشذريات من كتاب ماكس بيكارد «عالم الصمت»

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©