الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بين الزوجة والكتب

بين الزوجة والكتب
16 يوليو 2009 01:36
لم أكن قد حصلت على درجة الدكتوراه بعد، حين استأجرت شقة في شارع النخيل بمنطقة المهندسين بالدقي، وكان الدكتور عبد القادر القط يقطن في عمارة تقع في أول الشارع، قبل أن تنفجر فضيحة المقاول الذي بنى العمارة التي كانت مهددة بالسقوط، بعد أن سقطت أكثر من عمارة لهذا المقاول، فانتقل القط إلى مصر الجديدة، وحرمني متعة الجوار وفوائده، أما العمارة التي استأجرت فيها الشقة، فكانت جديدة ومتينة، وأهم من ذلك أنها كانت واسعة جداً، في المدى الذي أتحرك فيه أنا وزوجتي، ولم نكن قد أنجبنا أطفالاً بعد. وأذكر أن أستاذي الدكتور حسين نصار كان يزورني وزوجه، فقد كان يراني ابناً له، ولم يكن من السهل استعارة كتب منه، فقد كانت أغلب كتبه موضوعة في علب كرتون، وما أسهل ما كان ينسى أين وضع هذا الكتاب أو ذاك من كتبه، ولذلك كان يشكو، دائماً، من ضيق مسكنه الذي كثرت فيه الكتب إلى الدرجة التي جعلت زوجته، «رحمها الله»، تشكو دائما من الكتب التي زاحمتها في كل مكان من بيتها. وما أكثر ما كانت تردد هذه الشكوى في جلسات أصدقاء الدكتور حسين أو معارفه. ولا أزال أذكر دهشتها عندما شاهدت شقتي، ورأت المساحات الفارغة الكثيرة في الشقة، وبدأت تشكو من تلال الكتب وعلب الكرتون التي تعكر عليها حياتها في مسكنها، فضحك الدكتور حسين، وقال لها: ما رأيك في أن نستأجر جانباً من الفراغ الفسيح الذي عنده ونتخفف بواسطته من بعض ما يثقل كاهلنا من تلال الكتب عندنا؟ ففرحت بهذا الاقتراح، وقالت: ليت جابر يوافق، وأعلن جابر موافقته، فقد كان أيامها شاباً يسعى إلى الحصول على الدكتوراه، ولا صوت مسموعاً لديه في الحياة المصرية والعربية، فلم يكن الكتّاب يهدونه كتبهم، أو الباحثون من زملاء حسين نصار وتلامذته الذين أخذوا يتكاثرون. ومرّت الأيام، وامتلأ المسكن الهادئ الفسيح بضجيج سهير ثم أحمد، وأخذت الدكتوراه، وبدأت الكتابة في المجلات المصرية والعربية، فأخذ الكتّاب الأصدقاء وغير الأصدقاء يهدونني كتبهم، فتكاثرت مجموعاتها التي سرعان ما أصبحت تلالاً، وضاقت الشقة التي ظنناها رحيبة، فبدأ الاحتياج إلى مكان أكثر اتساعاً، خصوصاً بعدما أخذت زوجتي تشكو من الكتب التي تتعثر بها في كل مكان، وتزاحمها حتى في غرفة النوم، وكان من حقي عليها أن تحتمل كتبي سنوات الماجستير والدكتوراه، أما وقد انتهيت من مرحلة الطلب، ودخلت مرحلة الإنتاج والنشر، فالأمر أصبح مختلفاً، وصار من حقها، هي والطفلان، أن يكون أمامهم البراح اللازم، وكنت أداعبها بما ينسب إلى الإمام الشافعي من أنه قال: كتبي أضر على زوجي من ثلاث نساء، وأنا ليس عندي سوى الكتب أيتها الحبيبة، وليس لي غيرك والأولاد. وكانت مثل هذه التعليقات مريحة في النهاية، تثير الضحك مرة، وثانية وثالثة، ولكن عادت الشكوى مرة أخرى، وازدادت حدة بعد أن كبرت الفتاة، وأصبح من الضروري تخصيص غرفة مستقلة لها وأخرى للغلام، وكان لابد من إيجاد حل والبحث عن منفذ، وجاء الحل في شكل إعارة إلى الكويت، ولكن بعد رحلة إلى السويد، حيث كنت أستاذاً زائراً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©