السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

جرّة أم القيوين.. أسئلة معتقة

جرّة أم القيوين.. أسئلة معتقة
11 ابريل 2019 02:30

غالية خوجة (دبي)

يتعتّق الزمان في المكان، محتفظاً بآثار الناس الذين عبروا، يعبرون، وسيعبرون.
ولا يلبث الإنسان باحثاً عن نفسه في مختلف الأزمنة والأمكنة، لعله يتواصل مع أسلافه وأحفاده، ليكتشف نفسه أكثر.
هكذا توحي لنا المكتشفات الأثرية، وهي تخرج من باطن الأرض، مدعومة بعلم الأنثروبولوجيا والأركيولوجيا، سامحة لمخيلتنا بالتوغل في نصوص آثارها العميقة، المغمورة بطبقات مجهولة من الحضارات، لنتعرف إلى مرايانا المندثرة فيها، ونستقرئ كيف الفناء لا يحتفظ إلاّ بالصالح للبقاء.
والآن، تظهر آثار أخرى في أم القيوين، في منطقة «الدور» الأثرية، تعود للقرن الأول الميلادي، لتخبرنا عن التحولات الإنسانية في هذه المنطقة، من خلال 15 مدفناً، وبقايا وحدة سكنية، وحلي، وتماثيل برونزية، وذلك كما أعلنت التنقيبات الحديثة التي نفذتها دائرة السياحة والآثار بأم القيوين بالتعاون مع وزارة الثقافة وتنمية المعرفة.
وما يلفت في هذه العوامل المكتشفة، أسئلة تتداعى، لنتصور أرواح هؤلاء المدفونين، وكيف كانت حياتهم، وطريقة تفكيرهم؟ ويبدو أن الجرة الفخارية تريد أن تحكي لنا قصصاً لا تنتهي عن الساكنين، تفصح عن العلاقة الأسرية والاجتماعية والاقتصادية والتجارية، وانفتاحها على طريق الحرير القديم.
الجرة المضجعة بين الرمال والصخرة القريبة، تنظر إلى الشمس لأول مرة بعد 20 قرناً، متلفتة حواليها، باحثة عن وجوه ألفتْها، وأيادٍ كانت تحملها، لكنها، الآن، ليست سوى آثار آدمية في المدافن.
الجرة تحدق في المكان، وتستعيد عبورها من سورية إلى هنا، لتخبرنا كيف كانت هدية لعروس جميلة في أم القيوين، وكم اعتنت بها، وحملتها برفق، وكانت هي بدورها، تحافظ على الماء نقياً لتشربه هذه الأسرة، وضيوفها.. تنظر الجرة في كل اتجاه، فتلمح قرط العروس الملون مازال قربها، تذرف الجرة دموعها بصمت، وتستذكر كيف كانت السهرات هادئة تحت أشعة القمر، لا سيما عندما يحضر التجار من مختلف بقاع الأرض إلى هذا المكان.
لم يكن يعلم منقب الآثار من أين كان يأتي هذا الأنين العميق إلاّ عندما لمس الجرة المبللة بدموعها العتيقة، فمسح سطحها برفق، حينها نطقت: ترفق بالنائمين في المدافن، وترفق أثناء الحفر، لأنك ستجد المزيد من الحكايا المعتقة بقصص أهل هذا المكان، لتترك، ذات يوم، أثرك الجميل. الله، ما أجمل أن تبقى منا الآثار الجميلة ليرويها المكان... للزمان.
وهو ما تروية الحكايات المستمدة من تدمر وقلعة حلب وقلعة دمشق وقصر الزباء في «شمل/‏‏‏ رأس الخيمة»، وكأنها ترجع صداها، تلك اللقى والمكتشفات في الإمارات، وما تضمره من حضارات مثل حضارة أم النار بأبوظبي، وحضارة ساروق الحديد بدبي، وحضارة العصر النحاسي، والحجري، وغيرها على امتداد الدولة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©