الإثنين 13 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

التوازن بين الأداء الاقتصادي والتكامل الاجتماعي

التوازن بين الأداء الاقتصادي والتكامل الاجتماعي
13 يناير 2020 02:24

بقلم: جو كايسر*

إن الثورة الصناعية الرابعة تُمثِل أكبر تحول صناعي عرفته الحضارة الإنسانية على الإطلاق، فمن خلالها يندمج العالمان الواقعي والافتراضي، لنتمكن بذلك من إطلاق العنان لتلك القوة التكنولوجية الهائلة بكل الإمكانيات اللامحدودة والناتجة عن دمج هذين العالمين، وهي إمكانيات لم تكن لدينا في أي وقت مضى.
إذا نجحنا في استغلال إمكانيات تلك الثورة، فسيعود التحول الرقمي بالفائدة على عشرة مليارات شخص، وهم عدد سكان العالم المتوقع بحلول عام 2050.
أما إذا أخطأنا فيها، فستزداد مستويات عدم المساواة، وتنهار المجتمعات. إنّ الاعتماد على التكنولوجيا المتطورة قد يتسبب في معاناة بعض الفئات التي لن تتمكن من مواكبة هذه التطورات التكنولوجية المتُسارعة لتقع ضحية لها، وهو خطر يُمكِن حدوثه بصورة مكثفة في الاقتصادات النامية والصناعية، على حدٍ سواء.
تحقيق مفهوم الشمولية في «عالم الثورة الصناعية الرابعة، أصبح أمراً ملحاً وضرورياً، وأعتقد أن هذه القضية لم تتم مناقشتها بشكلٍ كافٍ، فمن هو المسؤول عن ذلك؟ من يجب أن يتحمل مسؤولية العمل من أجل صالح المجتمعات؟ من المؤكد أن للحكومات دوراً كبيراً تؤديه هنا، لكنها لا تستطيع إنجاز ذلك بمفردها.
لذلك يجب على الشركات العالمية أن تشارك في تحمل تلك المسؤولية، من خلال تعزيز مفهوم الرأسمالية الشاملة.
اليوم، إن جميع الأطراف المعنية، سواء كانوا عملاء المؤسسات أو المساهمين فيها أو الموردين أو الموظفين أو الحكومات والمجتمع ككل، تتوقع من الشركات أن تتحمل مسؤوليات أكبر في هذا الشأن.
إن المؤسسات يجب أن تعمل للحفاظ على قدراتها التنافسية والتأكد من قوة مركزها المالي، من أجل تحقيق عوائد مستدامة لمستثمريها.
لكن على الصعيد نفسه، إن هذه المؤسسات لديها أيضاً مسؤوليات مجتمعية يجب أن تتحملها، مثل حماية المجتمعات من التغيرات المناخية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتدريب وتعليم موظفيها.
أما الخطوة التالية على طريق تحقيق «الشمولية الرأسمالية» فتتمثّل في أن يرفع قادة الأعمال المعايير الخاصة بالرعاية الاجتماعية والبيئية بشكل أكبر.
هذا النهج من شأنه تمكين المؤسسات من تحقيق هدف أعمق، يتعدى العمل فقط، إلى الحفاظ على مصالح المساهمين، من خلال التأكد من تحقيق قيمة مضافة تشمل جميع الأطراف المعنية بالمجتمع.
ماذا لو كانت القيمة الاجتماعية هي المعيار لأداء الشركات؟ على عكس مبدأ ميلتون فريدمان، أود أن أقول إن الأعمال التجارية يجب ألا تكون مجرد أعمال تجارية بغرض الربح.
فاليوم، يجب على الأعمال التجارية أن تخدم المجتمع أيضاً.
هناك العديد من الطرق التي يمكن للشركة من خلالها خدمة المجتمع.
في سيمنس، أطلقنا مفهوم Business to Society أو «القيام بالأعمال من أجل المجتمع». من خلال هذا المفهوم، نطرح على أنفسنا سلسلة من الأسئلة، للتأكد من أننا نخلق قيمة مضافة لجميع الأطراف المعنية في المجتمع: هل تسهم المنتجات والخدمات التي نقدمها في توفير حياة أفضل؟ هل تدعم تلك الخدمات والمنتجات جهود مكافحة التغيرات المناخية؟ ما هي مساهمتنا في توفير إمدادات موثوقة من الطاقة والمياه النظيفة؟ كيف يمكننا مساعدة المرضى والأطباء لإيجاد علاجات أفضل؟ كيف يمكن للناس السفر بطريقة مُستدامة وفعالة؟
فمن خلال هذه العقلية المنفتحة والفكر المتعمق فقط، يمكننا استخدام التحول الرقمي بنجاح لمواجهة التحديات التي نواجهها، وتحويلها إلى فرصٍ حقيقية يمكن الاستفادة منها.
الوقت ضيق بالفعل، فالمراحل المبكرة من الثورة الصناعية الرابعة تمت بالفعل، ولا يزال أمامنا عقبات أكبر، خاصة مع التحول إلى استخدام موارد الطاقة النظيفة والخضراء.
إن تقنيّات الثورة الصناعية الرابعة تعتمد في الأساس على إتاحة الفرصة لنا، لمواجهة التحدي الأكبر أمامنا والذي يتمثل في حماية البيئة، مع تلبية الطلب المتزايد على الطاقة في الوقت نفسه.
إن مفاهيم مثل «تحقيق التكامل والربط» بين الأنشطة المُستهلكة للطاقة، مثل قطاعات البنية التحتية والصناعة والنقل وبين قطاع الطاقة، يمكن أن يتحول لحقيقة في العديد من الدول، عبر استغلال تقنيات التحول الرقمي، بما يسمح بتحقيق التكامل بين أنظمة الطاقة على مستوى العديد من القطاعات الاقتصادية التي كانت غير متصلة ببعضها من قبل.
ويأتي الهيدروجين الأخضر كأفضل مثال على ما نقول: فإن الطاقة النظيفة والمتجددة التي تم تخزينها، كهيدروجين، يمكن استخدامها في القطاع الصناعي، أو قطاع النقل، أو في توفير الكهرباء.
وتأتي العديد من الفاعليات مثل أسبوع أبوظبي للاستدامة، لتؤكد التزام دولة الإمارات العربية المتحدة بمعالجة القضايا الحالية وتهيئة جيل جديد من القادة، تأتي الاستدامة على رأس أولوياتهم.
من جهة أخرى، فإن أي خطة تهدف لمواجهة تحدي الطاقة لا بد أن تعتمد على التكامل بين التكنولوجيا والتشريعات والأثر المجتمعي.
وهو ما يتطلب استثمارات ضخمة في التعليم والتدريب.
لذلك يجب أن تتضافر جهود الحكومات والشركات لتزويد الطلاب والعمال بالمهارات والمؤهلات التي يحتاجون إليها، للمشاركة بنجاح في الاقتصاد الرقمي.
إن الثورة الصناعية الرابعة يجب أن تُصاغ بطرق تعود بالنفع على المجتمع بأسره ولا تترك، على الأقل، وراءها أفراداً دون مستقبل، فيجب علينا أن نعمل لتوفير فرصاً متساوية للجميع.
إذا أردنا النجاح، لا بد لشركات المستقبل - وقادتها - الموازنة بين الأداء الاقتصادي والتكامل الاجتماعي.
وإنني مُقتنع أن هذا هو الطريق الصحيح.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©