الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الأمر الواقع يصفع السلم الدولي.. ابتلاع الجولان

الأمر الواقع يصفع السلم الدولي.. ابتلاع الجولان
31 مارس 2019 00:08

يسرى عادل (أبوظبي)

لم يكن القرار الذي وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة مفاجئا على الإطلاق، بقدر ما كان مؤشرا على تزايد التفكك في الإرادة الدولية لصالح سطوة دول تغلِّب مصالحها على حساب السلم الدولي، وفق منطق فرض الأمر الواقع الذي يخالف المبادئ الأساسية للأمم المتحدة وأهمها «عدم استعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة».

قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في 22 نوفمبر 1967، أكد على «انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية المحتلة بما فيها الجولان السوري»، وقرار مجلس الأمن 338 الصادر في 22 أكتوبر 1973 أكد على «تنفيذ القرار رقم 242 بجميع أجزائه بهدف إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط». وقرار مجلس الأمن رقم 497 الصادر بالإجماع (أي بموافقة أميركية) في 17 ديسمبر 1981، أكد على «رفض قرار إسرائيل ضم مرتفعات الجولان، واعتباره لاغيا وباطلا وليس له أثر قانوني دولي».
واعتراف ترامب بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتلة، وشرعنة قرار الضم، لن يغير من حقيقة أن الجولان عربي سوري، لأن تاريخ الشعوب وحقوقها لا يمكن أن يكونا رهينة قرار شخص أو جهة، مهما عظم شأنها، ومهما امتلكت من القوة، لكنه يعطي مؤشراً جديداً على تجاهل الحقوق العربية لصالح إسرائيل حتى لو كان ذلك بانتهاك القانون الدولي، ناهيك عن أن القرار الأميركي يعزز فقد الولايات المتحدة دورها كوسيط محايد للسلام الذي يسعى المجتمع الدولي إلى تحقيقه في الشرق الأوسط، بالاستناد إلى القرارات الشرعية.
‎ويمثل القرار الأميركي حول الجولان، الذي سبقه قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ومحاولة إلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين، خطوة متقدمة، في دعم إسرائيل، مثلما يشكل قفزة خطرة، يمكن أن تؤدي إلى زيادة التوتر في المنطقة وفق ما حذرت دول كبرى بينها روسيا. كما يعد في الواقع خطأ سياسياً كبيراً وهو ما ذهبت إليه صحيفة «واشنطن بوست» التي اعتبرت أن القرار «يخالف ركائز النظام العالمي لما بعد اتفاق عام 1945 الذي يؤكد على أن لا إمكانية لأيّ دولة تغيير الحدود بالقوة».
لم تساند أي دولة القرار الأميركي، بل حرصت معظم الدول لاسيما الكبرى المؤثرة على وصف هذا القرار بالانتهاك، وحذرت من أنه قد يؤجج انعدام الاستقرار في الشرق الأوسط ويعزز المخاوف من حدوث عواقب أوسع نطاقا جراء الاعتراف بالضم غير القانوني وكذلك من التداعيات الإقليمية الأوسع، بينما كان الرد الأميركي على هذه التحذيرات بالتمسك بالقرار بذريعة «أنه سيساعد في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال إزالة حالة عدم اليقين!».
لكن أيا كانت الآراء حول خطوة ترامب الجديدة، فإن من المهم الإشارة إلى أن هذا القرار لم يكن ليصدر لو أن هناك موقفا دوليا حقيقيا صارما يستطيع فرض احترام القانون الدولي على العالم بأسره، بينما يبدو أن الأمم المتحدة التي يخرق اعتراف الرئيس الأميركي قوانينها، عاجزة ومشلولة ومهترئة، وباتت أشبه بثلاجة تحفظ في داخلها قضايا الشعوب الساخنة لتبريدها مع الزمن، لاسيما الحقوق العربية الضائعة بالاحتلال التي يهدد الأمن القومي، وأي ملامح استقرار في المستقبل. فالسلام ليس مصلحة عربية فقط، وإنما مصلحة أميركية أيضا، وأي استقرار في العالم لا يمكن أن يكون من دون إعادة الحقوق لأصحابها، وتسييد لغة القانون، وشرعة الأمم المتحدة التي وجدت كما ينص ميثاقها لحفظ الأمن والسلم الدوليين.

ترامب يسلم نتنياهو القلـــم الذي وقع فيه قـــرار الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان (أ ف ب)

المنظومة الأممية
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وما خلفته من دمار وويلات على العالم، نظر المجتمع الدولي إلى منظمة الأمم المتحدة باعتبارها خشبة الخلاص التي ستبعد عنه ويلات الحروب، وتضمن تصحيح مسار العلاقات الدولية، بما يخدم البشرية، وسيادة لغة الحوار والسلام في العالم. فالأهداف الطموحة التي أعلنتها المنظمة الدولية لنفسها، منذ تأسيسها عام 1945، وفي مقدمتها حفظ السلم والأمن الدولي، وإنماء العلاقات الودية بين الأمم، وتحقيق التعاون الدولي لحل المسائل ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وتعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً، كانت شعارات جاذبة وأهدافا نبيلة استرعت اهتمام المجتمع الدولي، لاسيما وأن قراراتها ستشكل لاحقاً المرجع القانوني، لحل الخلافات وإنهاء الصراعات الدموية في العالم، وهكذا تسابقت الدول لحجز مقعدها في هذه المنصة الدولية أملاً في الحفاظ على مصالحه الوطنية والقومية. وحددت المنظمة الدولية أسلوبين لحفظ السلم والأمن الدولي وهما:
1- اتخاذ التدابير الفعالة المشتركة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها ولقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم.
2- اللجوء إلى طرق التسوية وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي لحل المنازعات الدولية ولتسويتها ولضمان تنفيذ أهدافها أعطى ميثاق الأمم المتحدة مجلس الأمن الدولي القوة القانونية بجعل قراراته ملزمة، وفوضه بالتدخل في حل النزاعات الدولية، بغض النظر عن موافقة أو اعتراض الأطراف المتنازعة، فشكل هذا التوجه القوة المطلوبة قانونياً لاحتواء وإنهاء الصراعات في العالم.

النظرية والتطبيق
لكن تطبيق القانون الدولي على أرض الواقع، شابه مع الأسف الكثير من التناقضات، والتجاوزات التي أضعفت القرار الدولي، وأفقدته في بعض الأحيان مصداقيته، وقدرته على القيام بمهامه كما يجب، حيث خضعت الأمم المتحدة فيما بعد لهيمنة دول كبرى، لا سيما الولايات المتحدة، ما أخذ هذه المنظمة في كثير من الأحيان في اتجاهات أخرى، لا تتناسب وأهدافها المعلنة، وافقد القرار الدولي مصداقيته، في الكثير من النزاعات والصراعات التي تدخلت فيها الأمم المتحدة، بسبب المماطلة أو الامتناع أو حتى رفض القرارات الدولية الملزمة، وفرض سياسة الأمر الواقع على المجتمع الدولي، بالنسبة للكثير من الصراعات وفي مقدمتها الصراع العربي الإسرائيلي، وتفرعاته الكثيرة، حيث رفضت إسرائيل أو تجاهلت العديد من قرارات مجلس الأمن الملزمة، متجاهلة الإرادة الدولية، والقانون الدولي، تماماً كما هو الحال بالنسبة للخطوة الأميركية الأخيرة بنزع صفة الأراضي المحتلة عن الجزء المحتل من الجولان السوري، والذي تحتله إسرائيل، منذ عام 1967، رغم اعتراف الأمم المتحدة بأن الجولان أراضٍ محتلة، وأن إسرائيل ملزَمة بالانصياع لأحكام القانون الدولي، خاصة وأن قرار ضمها الجولان عام 1981 جوبه بقرار مجلس الأمن رقم 497 الذي يعتبر القرار غير شرعي وباطلا.

إخفاقات الأمم المتحدة
والحقيقة أن هناك قضايا كثيرة أخفقت الأمم المتحدة بحلها، وبينها على سبيل المثال قضـية كشمير، التي تعتبر من الناحية الزمنية الأقدم على جـدول أعمال الأمم المتحدة، والتي صدر فيها أكثر من قرار دولي، ولا سيما بين عامي 1951 و1957. كما فشلت الأمم المتحدة في حل الصراع العربي الإسرائيلي، رغم إصدار أكثر من قرار دولي ملزم لعل أبرزها: القرار رقم 194 الصادر بتاريخ 11 ديسمبر 1948 بشأن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم وممتلكاتهم، والقرار رقم 242 الصادر في 22 نوفمبر 1967، الداعي إلى الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة، والذي لم تنفذه إسرائيل بل وأقدمت على احتلال أراض عربية أخرى في لبنان في عام 1978، وما زالت تحتل جزءا من الأراضي اللبنانية، حتى اليوم. والقرار رقم 338 بعد حرب 1973 الذي يطالب بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 بجميع أجزائه، والذي لم تلتزم به إسرائيل أيضاً. وهناك عشرات القرارات الصادرة أيضا سواء عن مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي ضربت بها إسرائيل عرض الحائط، ولم تنفذها، فارضة سياسة الأمر الواقع على المجتمع الدولي، بفضل ما تلقاه من دعم عسكري وسياسي لاسيما من الولايات المتحدة.
وفشلت الأمم المتحدة أيضا بوضع حد للحرب العراقية الإيرانية، التي بدأت عام 1980 لتستمر ثماني سنوات، ما جعلها أطول الحروب في القرن الـ20 رغم تدخل مجلس الأمن مرارا لوقف القتال، كما فشلت المنظمة الدولية، في منع غزو العراق من قبل الولايات المتحدة عام 2003، رغم المعارضة الدولية الكبيرة لهذا الغزو، بالإضافة إلى الفشل الأممي في الأزمة اليوغسلافية، والصومال.
والحقيقة أنه لو تم تتبع الأزمات التي تدخلت الأمم المتحدة فيها عبر العالم، لكانت هناك صدمة من حجم الفشل الذي منيت به المنظمة الدولية، لأسباب كثيرة أبرزها سياسات فرض الأمر الواقع التي تمارسها بعض الدول الكبرى المتنفذة، استناداً إلى قوتها ونفوذها، حيث تتجاهل هذه الدول القانون الدولي، طالما انتفت الإمكانية لمحاسبتها، الأمر الذي حول منصة الأمم المتحدة، من منصة كان يراد لها أن تجمع العالم، وتحشد طاقاته لأجل السلم والأمن الدوليين، إلى غطاء دولي تمارس تحته بعض القوى الكبرى سياساتها وتشرعن تصرفاتها وأجنداتها التي تفرضها على العالم بحكم منطق القوة والأمر الواقع.
حتى غدا العالم ساحة للصراعات، التي يهيمن فيها القوي على الضعيف، ولكن بغطاء دولي، وتحت نظر المجتمع الدولي الذي بات مسلوب الإرادة، وعاجز عن التأثير في القرارات التي تصدرها الأمم المتحدة، التي يفترض أن تكون معبراً عن مصالحه وتطلعاته.

العلم السوري يرفرف في مدينة عين التينة المواجهة للجزء المحتل في الجولان من قبل إسرائيل (أ ف ب)

المطالبة بالإصلاح
ويشكل فشل الأمم المتحدة بالقيام بدورها في النزاعات الدولية سبباً منطقياً لمطالبة البعض بتغييرها، واستبدالها بمنظمة دولية جديدة، أو على الأقل إجراء إصلاح حقيقي في هيكلها، وهي دعوات دولية تبنى بعضها حتى الأمناء العامون للمنظمة.
كما تسعى العديد من دول العالم أكثر من غيرها إلى تفعيل المنظمة الدولية، ولا سيما بعد زوال الاتحاد السوفييتي من خارطة العالم وما ترتب على ذلك من انفراد الولايات المتحدة ومجموعة الدول الصناعية الرأسمالية بإدارة النظام الدولي. ويؤكد الكثير من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أنه لا بد للمنظومة الدولية من إصلاح نفسها كي تتمكّن من تلبية التحديات التي تواجهها، والقيام بالدور الذي أنشئت لأجله، وإلا ستصبح عبئا على الشعوب، ومظلة لتنفيذ أجندات الدول الكبرى في العالم.
أمام كل ما تقدم يمكن القول إن العالم اليوم بأمس الحاجة إلى تفعيل قراراته الدولية واحترامها، ووضع آلية جديدة لاتخاذ هذه القرارات، وتنفيذها على الأرض، وإلا فسيصبح القانون الدولي، مجرد سوط يستخدمه الكبار لإرهاب الدول الصغيرة والفقيرة، و«أسطوانة مشروخة»، ترددها القوى المتنفذة المهيمنة على القرارات الدولية، لشرعنة اختراق القانون الدولي، واختطاف المنظمة الدولية..اعتراف الولايات المتحدة بضم الجولان إلى إسرائيل يمثل صورة أخرى من الاستخفاف بالقانون الدولي، وتجاهل الشرعية الدولية، ويذكر بضرورة وضع آليات جديدة للحفاظ على القانون، قبل أن يتحول العالم إلى فوضى حقيقية لا تنتهي.

المال والقرار
إذا كانت السلطة السياسية الأميركية واضحة في قرار الأمم المتحدة، فلا بد من الإشارة أيضا إلى السطوة المالية، إذ إن الولايات المتحدة تتحمل النصيب الأكبر من نفقات المنظمة الأممية، وهذا الأمر يضاف إلى عامل قوة القرار الأميركي داخل المنظمة. وقد بلغت ميزانية الأمم المتحدة عام 2017، 611 مليون دولار، تدفع واشنطن 22% منها، بينما يتوزع الباقي على الدول الداعمة الأخرى وهي اليابان والصين وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وروسيا وإسبانيا.
ويؤدي تجاهل القوانين الدولية، أو تسخيرها لصالح هذه الدولة أو تلك، إلى فقدان الأمم المتحدة مصداقيتها، أو قدرتها على القيام بالدور المنوط بها في الحفاظ على الأمن والسلم الدولي، وهو أمر يؤدي إلى مزيد من الصراعات والحروب في العالم، ويهدد الأمن العالمي برمته، حيث تتصف المرحلة الحالية من مراحل تطور النظام الدولي بعدم الاستقرار، وانتشار الصراعات المحلية والإقليمية المنتشرة في مختلف قارات العالم والتي باتت تهدد بتقويض الدول وانفراط عقد التنظيم الدولي والعودة بالمجتمع الدولي إلى شريعة الغاب.

منطق القوة
من يتابع مجريات الأحداث في العالم يلحظ بكل سهولة تغلب منطق القوة، على قوة المنطق، في ظل العجز التام الذي تعيشه الأمم المتحدة، والانتهاك المستمر لقراراتها حتى الملزمة منها، من قبل القوى الكبرى، حتى غدت هذه المنظمة، مسرحاً تقدم فيه بعض الدول الخارجة عن القانون عروض استهتارها بالمنظمة والرأي العام العالمي كله. ومن بعض المشاهد ما حدث في 2016 عندما قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن بلاده ليست ملزمة باعتبار تايوان جزءا من «الصين الواحدة» التي انتهجتها طويلا الولايات المتحدة ليضع سياسة تعود لنحو 40 عاما على المحك، خاصة إذا لم تقدم الصين تنازلات في مجال التعاون التجاري وأسعار صرف العملات.
وكان يمكن لتصريحات ترامب أن تترجم بقرار كقراره بشأن الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان أو نقل سفارة بلاده إلى القدس، لو أنه لم يحسب حساباً للقوة الصينية سواء عسكرياً أو اقتصادياً. وهناك الكثير من الأمثلة المعروفة أيضا على مستوى العالم كله، أبرزها الخاصة بضم روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى حدودها، وما تبعه من استنكار دولي رافقه حزمة من العقوبات التي استهدفت موسكو.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©