الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

أساطير السعادة

أساطير السعادة
30 مارس 2019 01:01

عرض: د.شريف عرفة

«أساطير السعادة» كتاب يستعرض المعتقدات الشائعة، التي تجعل بلوغ السعادة حلماً مستحيل الحدوث، مثل الاعتقاد بأن طريق السعادة هو تجنب الأحداث السلبية في الحياة، أو أن السعادة ستتحقق تلقائياً لو استطعنا تحقيق هدف نتمناه، ولا تتفق سونيا ليوبوميرسكي، مؤلفة الكتاب، مع هذه الأساطير. وتخصص ليوبوميرسكي كل فصل من الكتاب لمناقشة واحدة منها، والرد عليها بنتائج الدراسات، التي أجريت حول الموضوع لإعطاء صورة أكثر واقعية لما تتحدث عنه، وهو ما يساعدنا على فهم ظاهرة السعادة وكيفية زيادتها في حياتنا اليومية. وتأتي أهمية الكتاب من أنه يستعرض أحدث ما توصل إليه العلم حول الموضوع، بما في ذلك أبحاث ودراسات المؤلفة نفسها كواحدة من أهم العلماء في المجال.

قصة المزارع والحصان
قبل الحديث عن التفاصيل العلمية تستهل ليوبوميرسكي كتابها بقصة رمزية طريفة تحكي أن هناك مزارعاً فقيراً لديه حصان واحد يرتزق منه. واستيقظ يوماً فوجد أن الحصان غير موجود في حظيرته. فأتاه أهل القرية ليواسوه على ما ألمّ به، وقالوا له إن هذه مصيبة، فقال لهم: «ربما!». في اليوم التالي وجد المزارع أن الحصان قد عاد وفي صحبته عدة أحصنة برية، وهو ما يعد المزارع بثروة لا بأس بها، فهنأه الناس قائلين إن هذا حظ حسن، فقال لهم: «ربما!». في اليوم التالي، حاول ابنه ركوب أحد الأحصنة البرية فراح يرفس ويقاوم بعنف، ليسقط الابن وتكسر ساقه. فقالوا له إن هذا خبر سيئ، فقال لهم: «ربما!». في اليوم التالي، أتى رجال الملك ليبحثوا عن شباب يعملون لديهم بالسخرة، وتركوا الابن بسبب إصابة ساقه.. هنأ الناس المزارع لنجاة ابنه، قائلين إن هذا أمر جيد.. فقال لهم: «ربما!».
تستطرد ليوبوميرسكي قائلة إن الحكمة، التي تشير لها هذه الحكاية الشعبية هي أن كل حدث قد يكون جيداً أو سيئاً حسب طريقة تفكيرنا فيه وحسب المجال الزمني، الذي نحكم عليه من خلاله، فالحدث، الذي تراه سلبياً اليوم، قد لا يكون كذلك بعد عام أو عشرة أعوام من الآن، ربما يعلمك درساً ما، أو يغير مسار حياتك ليفتح لك فرصة لم تكن متاحة. ولو نظرت لماضيك ستجد نقاط تحول مماثلة لهذا، وهناك أحداث ظننتها سيئة وحزنت بسببها، لكنها جعلتك ناضجاً بالقدر، الذي أنت عليه اليوم.
فطريقة تفكيرنا في الحدث، الذي يواجهنا، هي ما تحدد استجابتنا الشعورية ومدى سعادتنا، وليس الحدث في حد ذاته. بدليل أن هناك أناساً يعيشون نفس الموقف ولا يشعرون بنفس الطريقة، وهناك أناس يعيشون في نفس الظروف ويتفاوتون في مستوى سعادتهم. ونفس الظروف الخارجية لا تسبب لنا جميعاً نفس المشاعر بنفس القدر، لذلك ينبغي الانتباه لأفكارنا وطريقة تفكيرنا.

التكيف النفسي
تؤكد ليوبوميرسكي أن السعادة لا ينبغي أن تكون مشروطة بتحقيق أمر ما، لأن المشاعر الإيجابية الناتجة عن تحقيق أي هدف مؤقتة وستتناقص تدريجياً حتى ينعدم تأثيرها، ولن تجعل الإنسان سعيداً للأبد كما يظن. إذ إن لدى الإنسان قدرة كبيرة على التكيف واعتياد كل من الأحداث الجيدة والسيئة.
وعليك التفكير في أي شيء تمنيته وظننت أنه سيجعلك سعيداً، لكن حين حصلت عليه لم تدم هذه السعادة طويلاً وعدت لحالتك الطبيعية بعد حين. فلماذا يحدث هذا؟ السبب هو ظاهرة «التكيف النفسي»، التي تقوض سعادتنا وتعطينا انطباعاً أنها غير قابلة للتحقق. تلك الظاهرة النفسية تعني اعتياد كل ما هو جميل ورائع في حياتنا فلا نعود نلاحظه. وما يجعلك سعيداً للغاية اليوم، قد تتكيف معه ويصبح روتيناً عادياً غداً. لكن، لماذا يحدث هذا التكيف؟
تقول الكاتبة، إن التكيف النفسي هو أحد ميكانيزمات جهاز المناعة النفسية، فالحدث السلبي نعتاده ونتعايش معه لنستطيع احتماله، وهو ما يجعل الناس قادرين على التعافي من صدمات نفسية مروعة. وفي عصرنا الحديث، أصبح من المفيد التمهل والتقاط الأنفاس، والاستفادة من المشاعر الإيجابية بأقصى ما يمكن بالتحايل على طبيعتنا النفسية هذه، كي نكون أكثر سعادة ونجاحاً في الحياة.

كيفية مقاومة «التكيف النفسي»
تؤكد الباحثة إمكانية التغلب على هذا النزوع النفسي للتكيف على ظروف الحياة الإيجابية، عن طريق مجموعة متنوعة من الإجراءات، أهمها الامتنان وإحداث التنوع.
فالامتنان يعني تقدير ما لديك بالفعل، وتذكير نفسك بقيمة ما وصلت إليه وعدم تجاهله واعتباره أمراً مفروغاً منه عن طريق مقارنة مهنتك بمن ليست عندهم وظيفة مثلك أو تذكير نفسك بأنك قد حصلت على شيء كنت تتمناه طويلاً.
وبعض الناس يحتفظون بصور الأشياء المهمة في حياتهم لتكون أمامهم دائماً ليذكروا أنفسهم بها، مع إدراك حقيقة أنه لا يوجد شيء كامل.. كل شيء ستعتاده وتألفه ولن تعود السعادة النابعة منه تلقائية، بل ستحتاج منك جهداً.
ومن الأساليب، التي يمكن اتباعها هو «إحداث التنوع».. أي عدم تكرار نفس الأشياء الممتعة بحذافيرها لأن هذا سيفقدها تأثيرها ويسرع بحدوث التكيف النفسي. فلو أكلت نفس الطعام يومياً فستعافه مع الوقت. ولو خرج الزوجان لنفس الأماكن وفعلا نفس الأشياء بنفس الكيفية وبنفس التفاصيل، سيعجّل هذا بحدوث التكيف والاعتياد والملل. لذلك ينبغي إحداث التغيير لإرباك هذه الآلية النفسية في كافة جوانب الحياة. فأي شيء تحبه وتستمتع به، مارسه كل مرة بطريقة مختلفة. لو كنت تحب السينما فقم بارتياد دار عرض مختلفة كل مرة مثلا، أو شاهد أنواعاً مختلفة من الأفلام، وهكذا.

الأساطير الشائعة حول السعادة
تناولت الباحثة مجموعة من الأساطير الشائعة حول السعادة، نذكر منها ما يلي:

سأكون سعيداً عندما أتزوج الشخص المثالي
يعتقد البعض أن هناك شريك حياة مثالياً كفيلاً بجعل الحياة سعيدة للأبد، دون بذل أي مجهود من ناحيتنا. فهذا الاعتقاد، الذي رسخته الأعمال الفنية والروايات الرومانسية اعتقاد خطير؛ لأن المرء حين يتزوج ولا يجد السعادة الأبدية، التي اعتقد أنها ستتحقق، قد يقنع نفسه بأن السبب هو أن هذا الشريك غير المثالي لذلك لا تسير العلاقة على ما يرام.
إلا أن الحقيقة هي أن السعادة الزوجية ليست شيئاً مستمراً يحدث بشكل تلقائي طوال الوقت. فالسعادة تزيد بعد الزواج لمدة عامين فقط في المتوسط -حسب دراسة ألمانية تذكرها الباحثة- يعود بعدها الإنسان لمستوى سعادته الطبيعي كما كان قبل الزواج. والسبب هو الاعتياد والتكيف كما عرفنا. ووقتها يحتاج الإنسان لبذل مجهود لتجديد العلاقة وزيادة ما فيها من مشاعر إيجابية.

سأكون سعيداً عندما أحظى بوظيفة مثالية
يحدث الاعتياد والتكيف أيضاً في مجال العمل. مهما كان الشخص عاشقاً لمهنته، ستأتي عليه أوقات ملل وإرهاق وقلة حماس وتراجع للشغف. وحين يجد الشخص نفسه ذاهباً للعمل مكرهاً، رغم أنه يحب هذه المهنة، فهل معنى هذا أن هناك مهنة أخرى تضمن الشغف المستمر؟
وتشرح الباحثة أن مشكلة هذا الاعتقاد هو أنه سيجعل الإنسان غير سعيد أياً كانت مهنته، ويظل يطارد سراب الوظيفة المثالية دون أن يبلغه أبداً. لأن لكل مهنة مصاعبها وعيوبها، وحتى إن كانت الوظيفة متعة محضة، سيلغيها التكيف النفسي وتصير مملة!
وتذكر الباحثة أن فقدان الشغف يحدث في أي وظيفة أيا كانت، وإبدال الوظيفة ليس الحل المثالي دائماً؛ لأن الوظيفة الجديدة ستفقد بريقها أيضا مع الوقت. ولذلك تنصح الكاتبة بعدم التسرع بتغيير الوظيفة، ولو كان السبب الوحيد عاطفياً متعلقاً بافتراض أن هناك وظيفة تضمن الاستمتاع بالعمل طوال الوقت. فبالطبع لا يعني هذا أن هناك وظائف غير مناسبة، وأن هناك فرصاً أفضل دائماً، إلا أن هذه القرارات ينبغي أن تتخذ بشكل منطقي، لا عاطفي فقط.

سأكون سعيداً عندما أكون غنياً
لو نظرنا للأمر بموضوعية، سنجد أن المال يمكنه أن يساهم في زيادة السعادة بالفعل، عن طريق تخفيف معاناة الإنسان الناتجة عن الفقر. والمال يوفر حياة كريمة ويجنب المرء الكثير من المشاعر السلبية كالحرمان والعجز وكثير من المواقف الصعبة والمؤلمة. ويمكن للمال توفير قدر من متع الحياة، التي تساعده في زيادة مشاعره الإيجابية، وإذا فكرت في أي شيء يسعدك، وستجد أنه بحاجة إلى مال، أو إلى وقت فراغ لن يكون متوفراً لو كنت معدماً مضطراً للعمل طوال الوقت.
والمال يساعد في زيادة السعادة لكن- رغم كل ما سبق- فإنه ليس مقياساً دقيقاً لسعادة الإنسان.. فكيف هذا؟
لو كانت احتياجات الإنسان أكبر من إمكانياته، ستحدث فجوة تزعجه وتزيد معاناته بغض النظر عن المبلغ، الذي يحصل عليه الإنسان. فشخص لديه دخل لكن احتياجاته قليلة، سيشعر بأن ماله يكفيه ويزيد. بينما شخص ثري ويتطلع لأشياء تتجاوز دخله لدرجة أنه يقترض من البنوك للحصول عليها، لن يكون سعيداً. فكم الثروة ليس هو المقياس. وبعض الناس يقعون في هذا الفخ: كلما زاد دخلهم، تطلعوا لأشياء أكثر وأبعد من إمكانياتهم، وبالتالي يظلون غير سعداء للأبد.
وهناك جانب آخر في مسألة الثروة، وهو أن الإنسان قد لا يجد هدفاً مستقبلياً يتطلع إليه لو كانت كل أهدافه، التي حلم بها مجرد أشياء مادية يمكن شراؤها.
وقد تشكل الثروة الطائلة خطراً على الصحة النفسية للإنسان إذا أفقدته المعنى من حياته ولم يعد يجد شيئا يستيقظ لأجله كل صباح.
كما أن هناك أشياء لا يمكن للمال أن يشتريها كالنجاح أو تقبل الناس أو العلاقات الحقيقية الصادقة، كل هذه الأشياء تحتاج مجهوداً شخصياً من المرء، وليس في مقدور المال منع حدوث الإحباطات في كل هذه الجوانب.
وتقول الكاتبة إن السعادة لن تأتي تلقائياً لو أصبح الإنسان غنياً، فهذا أمر سيعتاد عليه ويألفه.. وما يسعد الإنسان حقا هو كيفية إدارته لهذا المال وكيفية استخدامه لتحقيق أقصى سعادة ممكنة.. وفي هذا الجانب تستعرض مجموعة من الدراسات، التي خلصت إلى أن الأهم في اقتصاديات السعادة هو «الكم» وليس «الكيف». ومعنى هذا أن الشخص، الذي يذهب مع أسرته عدة مرات في نزهات رخيصة، يحصل على قدر أكبر من السعادة، التي يحصل عليها من يخرج مع أسرته مرة واحدة فقط في مكان باهظ الثمن. فالمقياس هنا هو كثرة المواقف الجميلة وليس سعرها. فعدد كبير من المواقف الإيجابية البسيطة مع أناس تحبهم يكون أكثر رسوخاً في الذاكرة وأكثر استدامة من موقف واحد باهظ التكاليف.

لن أكون سعيداً عندما أصبح عجوزاً
هناك اعتقاد خاطئ بأن المراهقين والشباب هم الأكثر سعادة، وتمتعهم بصحة أفضل تمكنهم من ممارسة أشياء لا يقوى عليها كبار السن، إلا أن الباحثة تستعرض دراسات تؤكد مدى ما يعانيه الشباب من صراعات نفسية وتقلبات مزاجية وتحديات في الحياة والتأقلم مع الأقران، ولا تجعلهم بالسعادة، التي نتصورها. بل على العكس من ذلك، تذكر الباحثة دراسة أجريت على عدد كبير من كبار السن من أعمار مختلفة ووجدت أن ذروة التجارب العاطفية الإيجابية في حياتهم، حدثت في سن الرابعة والستين، والخامسة والستين، والتاسعة والسبعين على التوالي! أي أن كبار السن يمكنهم أن يكونوا سعداء ويحظون براحة بال وقدرة على الاستمتاع بالحياة في جوانب تختلف عن سعادة الشباب.
لكن ماذا عن المرض؟ تقول الباحثة إن المرض لا يمنع الإنسان من التركيز في أشياء أخرى في الحياة لا زال في إمكانه القيام بها. وهذا لا يعني تجاهل حقيقة المرض أو الاستهانة به، بل يعني عدم اقتصار التركيز عليه فقط وكأن لا شيء غيره في الحياة! وتقول إن من مصادر السعادة، التي تريح الإنسان نفسياً هي الطبيعة. إذ يمكن الجلوس في حديقة أو تأمل البحر.. كما أن الدعم الاجتماعي -كمقابلة الأقارب ومحادثة الأصدقاء والأبناء- من مصادر السعادة في هذا السن. إذ يصبح الإنسان أكثر حكمة، ويقدر العلاقات المهمة في حياته، أكثر من التعرف على أناس جدد أو خوض مغامرات جديدة. وهو ما يجعله أكثر استقراراً عاطفياً وأكثر استمتاعاً بما لديه بالفعل.

السراب
هناك معتقدات خاطئة تخدع الناس وتبعدهم عن السعادة الحقيقية، وتكون أشبه بلافتات مضللة أو سراب يتبعه الناس، معتقدين أنهم في الطريق الصحيح بينما هم ليسوا كذلك.
ومن هذه الأساطير مثلاً عبارة «سأكون سعيداً عندما..». أي افتراض أن السعادة ستحدث، لو تحقق أمر ما مثل زواج أو ثروة أو إنجاب أبناء أو الحصول على منصب كبير، إلا أن واقع الحال غير ذلك.

سونيا ليوبوميرسكي في سطور
 أستاذة علم النفس بجامعة كاليفورنيا
 باحثة لها إسهامات كبيرة في علم النفس الإيجابي وأبحاث عديدة عن تأثير الإجراءات المختلفة في مدى شعور الإنسان بالسعادة
 نالت مجموعة من الجوائز البحثية المرموقة مثل جائزة جون تمبلتون لعلم النفس الإيجابي
 من مؤلفاتها كتاب «كيفية السعادة» الذي ترجم إلى 19 لغة

اسم الكتاب: أساطير السعادة
المؤلفة: سونيا ليوبوميرسكي
الناشر: بينجوين
تاريخ النشر: 2014

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©